• 27 تموز 2021
  • مقابلة خاصة

 

 القدس – أخبار البلد -   نقول للأسف ان المكتبة الوطنية الإسرائيلية أصبحت مرجعا هاما لمعرفة أجزاء ناقصة كثيرة من تاريخ القدس، فهذه المكتبة تحتوى على الكثير من المراجع الهامة بما في ذلك ارشيفا غنيا واسعا للصحافة الفلسطينية منذ الفترة العثمانية، ناهيك عن احتواءها على  مرجع يعتمد عليها الكثير من المختصين العرب، والذين يرفضون الاعتراف بذلك .

 نقول للأسف لان المكتبات العربية فقيرة ضعيفة  منهوبة ، وتتمتع بإدارة سيئة في غالب الأحيان ، وانغلاق كامل، وان وجدت مكتبات ذات قيمة فان بعض القائمون على هذه المكتبات يحرصون على إيصال المخطوطات أولا الى المراكز الأجنبية والإسرائيلية ،  وهكذا اختفت المئات من المخطوطات وبات محتجزة في اقبية الارشيف العالمية والذين يعاملون معها بمهنية ، لانها اصبحت ملكا لهم بدل ان تعود لأصحابها العرب  وخاصة أصحاب المكتبات الخاصة .

 هذه الأيام نشرت المكتبة الوطنية الإسرائيلية قصة ممتعة وفريدة من نوعها عن شخصية مقدسية لا يعرف عنها الكثيرون شيئا وكان يعتبر من اعلام المدينة ، انه الدكتور محمد هادي الحاج مير.

 نعم ان هذا الاسم قد لا يعن شيئا بالنسبة للمقدسيين والذين لا يعرفون شيئا عنه، ولكن المكتبة الوطنية الإسرائيلية خصصت له ملفا ، يسعدنا في شبكة " أخبار البلد"  ان نعيد نشر ذلك على امل ان تصل المعلومة الى اكبر عدد ممكن من المقدسيين والمهتمين بالشان الثقافي العربية في المدينة . واليكم الحكاية :

" ربما حرب عام 1948 قد وضعت أوزارها، إلّا أنّ العديد من القصص والحكايات فُـقدت أثناء الحرب. ومن أكثر الحكايات التي آلمت أصحابها، هي حكاية مكتباتهم المفقودة التي فارقوها خلال الحرب آملين بعودتهم إليها واستعادة هذه الثروة المعرفية التي امتلكوها؛ مثل كتب خليل السكاكيني، محمد هادي الحاج مير، محمد إسعاف النشاشيبي، فايز أبو رحمة، توفيق كنعان وغيرهم من روّاد الثقافة الفلسطينية خلال عهد الانتداب البريطاني.

اختلفت سبل وتوجهات كلٍّ منهم بالمطالبة بمكتبته وتتبع أماكن وجود كتبهم، وكان من بين الأشخاص الأستاذ والمربي محمد هادي الحاج مير الذي تكاتب، برسالة بخط اليد، كتبها للبروفيسور هوجو بيرغمان مستفسرًا عن حال مكتبته أو كما سمّاها بالثروة العلمية.

ارتأينا أن نشارككم قصّة مكتبة الحاج مير وبحثه الضّنين عنها. فمن هو الأستاذ محمد الحاج مير؟

وردت بعض القصص والذكريات من الكلية العربية في كتاب “الكلية العربية في القدس: ذكريات وتاريخ” لـ مالك المصري وذلك توثيقاً لتاريخ هذا الصرح العلمي الأصيل والغني؛ حيث عرّف بكل الأساتذة فيما ترك الختام للأستاذ محمد هادي الحاج مير، وذلك للإسهاب في الحديث عنه كقامة تربوية وعلمية، فأخبرنا المصري: “لقد تلقى الدكتور الحاج مير دراسته العليا في ألمانيا، ومنها حصل على شهادة الدكتوراة، ومنها عاد إلى فلسطين ليمارس مهنة التعليم، حيث ارتقى حتى أصبح مدّرساً لمادة التاريخ في الكلية العربيةولقد كان دائمًا يخبرنا أنّ التاريخ كالرياضيات، هكذا كان يقول الحاج مير، المقدمات تؤدي إلى النتائج.” لقد كان الحاج مير أستاذًا لمادة التاريخ المتوسط والتاريخ الحديث، ومن المربيين الذي دعموا الطلبة لتحصيل المعرفة وكذلك ممن يمازحون طلبتهم ويهتمون بهم وبأحوالهم الشخصية والعائلية وذوي الهيبة بين طلبتهم. (الكلية العربية في القدس: ذكريات وتاريخ، 1995)

كتب الأستاذ الحاج مير العديد من المقالات في مجلة الكلية العربية ، منها مقالة " الفوضى الثقافية في الشرق العربي "  الصادرة في العام 1946، وكذلك نشر بعض  الاقتراحات لتدريس مادة التاريخ  في العام 1928. ظلّ الالحاج مير من أبرز المدرّسين المتميّزين في كلٍّ من الكليّة العربيّة والمدرسة الرّشيديّة في القدس  حتّى أتى العام 1948 وغيّر أحوال البلاد وأهلها.

ماذا حلّ بـ الحاج مير؟

في تاريخ 14 تموز 1951، بعد ثلاثة أعوام من الحرب، أرسل الأستاذ الحاج مير  رسالة بخط اليد باللغة العربية  للبروفيسور هوغو بيرغمان يطلب منه مساعدته لإيجاد مكتبته، ونفهم من خلالها ماذا حلّ بحياته بعد خروجه من بيته في القدس وأين انتهى به المطاف

حضرة الأستاذ هوغو بيرغمن المحترم،

أرجو أن تكون وعائلتك بصحة وعافية.
أكتب لك هذه الرسالة من أدنبرة – اسكتلندا راجيًا أن تفيدوني عن مسألة تهمني جدّا ألا وهي: مكتبتي library

عندما غادرتُ البقعة في 5/5/1948 وكنت أسكن في بيت القوّاس في البقعة الفوقاء في جوار مدرسة الأمة على الطريق المؤدي إلى ميكور حاييم – تركت بيتي كما هو؛ أيّ بكل ما فيه من أثاث وغيره.

لكنّ الذي يهمني في الحقيقة مكتبتي الذي لا أشك بأنكم تقدّرون ما فيها من مؤلفات في جميع المراجع الإنسانية من تاريخ وفلسفة وفن واقتصاد والعلوم الإسلامية وكتب قّيمة جدًا في الصهيونية وتاريخها عدا عن بعض المخطوطات والآثار. كما أنّي تركت ثروة عظيمة من المحاضرات والمواضيع التي كنت جهّزتها للطبع وخاصة في تاريخ الحروب الصليبية وغيرها من المواضيع الإسلامية والأدبية.

وبما أّني أعتقد باهتمامك في هذا التراث العلمي القيّم وددتُ أن أتصل بك حتى تفيدني عما تمّ بذلك كما أنّي أرجوك أن تهتم بالمحافظة على هذه المكتبة لأنّي أعتقد بأنّك لا تشكّ بأنّ الأمر لو كان بالعكس؛ أي لو كانت مكتبتك في منطقة تخصني لما تأخرتُ أصلاً عن المحافظة كتراث علميّ أقدّر قيمته وعلى أمل أن أحصل على جواب مطمئن منك.

أتقدم باحتراماتي،
المخلص،
محمد الحاج مير

فما كان من البروفيسور هوجو بيرغمان إلا أن قام بالرّد عليه برسالة باللغة الألمانية “ليطمئنه” وذلك في تاريخ 29 تموز 1951، قمنا بترجمتها للعربية هنا:

 

عزيزي الأستاذ الحاج مير،
لقد استلمتُ رسالتك، شكراً لك. كنت أتمنى لو كان بمقدرتي أن أساعدك من الناحية القانونية لتتبع مسار مكتبتك. خلال القتال آنذاك، سعت مكتبتنا جاهدة لمنع تلف ودمار المكتبات وذلك من أجل الحفاظ على الكثير من الكتب، وهذه المكتبات الآن تحت رعاية السلطات المخوّلة بالحفاظ عليها. لقد توجهتُ إلى المدير الحالي للبحث والفحص مع مجموعة من الخبراء فيما لو كانت كتبك ضمن المجموعة التي حُفظت. بكل أسف، لقد أعلموني أنّ كتبك لم تكن ضمن المجموعة المحتفظ بها. أعتذر لهذا الخبر.

يُسرني أنك الآن في أدنبرة وأنك قد باشرتَ العمل على أبحاثك العلمية.
تحياتي الحارة وأطيب الأمنيات بالخير والسعادة،

مع الاحترام،
هوغو بيرغمان

لم يكن توجه الحاج مير لهوجو بيرغمان عبثًا، فلقد كان هوجو بيرغمان بروفيسورًا في الجامعة العبرية ولاحقاً رئيساً لدار الكتاب القومي والجامعي (المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة)، ومن نخبة المثقّفين الأوروبيين وصديقاً للعديد من الكُتّاب والفلاسفة مثل فرانز كافكا. لقد علم الحاج مير أن هوجر بيرغمان سيقّدر هذه الثروة العلمية ويساعده، وهو ما لم يحدث، مع الأسف. ولكن السؤال الأهم: أين المكتبة؟

لم يتمّ العثور على مكتبة محمد هادي الحاج مير حتّى هذه اللحظة، بعد ثلاثة وسبعون عامًا منذ أن افترق عنها في حي البقعة عام 1948. ربما اختفت المكتبة لعدم توثيق الكتب باسمه، وربّما أحيلت تحت قانون “أملاك الغائبين” وما زالت مقفلة في إحدى المخازن، وربما هُرست كما أسلف بعض الباحثين، إلّا أن عمله كمربي وأكاديمي لم يختفي وما زال حاضرًا حتى يومنا هذا.

هوغو بيرغمان: هو فيلسوف وأكاديمي إسرائيلي من أصول نمساوية ولد في مدينة براغ في العام 1883 وتوفي في مدينة القدس في العام 1975. قدم إلى البلاد عام 1920 وترأس دار الكتب القومية ولاحقاً في عام 1925 (افتتاح الجامعة العبرية في القدس) أصبح بروفيسورًا ورئيسًا للجامعة العبرية ولدار الكتب القومية والوطنية. بالإضافة لتأليف أكثر من عشرة كتب في مجالي الفلسفة والسياسة، والعديد من الكتب المترجمة والدراسات البحثية إلى اللغة العبرية.