• 21 تموز 2022
  • مقابلة خاصة

 

 

بقلم : أ.د. زيدان عبدالكافي كفافي

 

يتعرض تراثنا العربي والاسلامي بشكل مباشر أو غير مباشر لكثير من الأخطار التي تهدده، ومن هنا لا بد من وقفة من أبناءه لدرء هذه الأخطار. وإذا جاز لنا في هذا المقام أن نذكر أمثلة على ذلك، فخير مثال نقدمه هو على ما يجري في القدس وللحرم الابراهيمي الشريف في الخليل،  الذي يتعرض للتهويد من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني. لكن الأخطر من ذلك كله هو عملية التجهيل المعرفي السائدة بين كثير من العرب حول أهمية هذا التراث، والذي يشكل بالأصل الهوية، ليس فقط الحضارية، وإنما السياسية. وللأسف، ولا نريد التعميم هنا، فإن كثيراً من الناس لا يهتمون في الوقت الحاضر إلاّ بصرعة غربية جديدة، أو بوسائل الاتصال والمعرفة الحديثة التي صرفت أنظارهم عمّا هو أهم، وهو المحافظة على تراثهم.

إننا نرى فيما يجري في مدينة الخليل مثال لما يحصل ليس فقط في مدن فلسطين، وإنما في باقي العالمين العربي والاسلامي. ويعلم المتخصصون في الآثار والتاريخ القديم أن الناس في بلاد الرافدين ومصر عرفوا الكتابة قبل أكثر من خمسة آلاف عام، بينما عرفها اهل بريطانيا قبل ألفي عام. ومن هنا نجد ان حضارتنا وثقافتنا سابقة لغيرها من الحضارات العالمية. وإذا كان الآجداد قد تركوا لنا إرثاً مكتوباً على هذا المدى البعيد من السنوات، فإنهم أيضاً خلفوا إرثاً مادياً حضارياً عمره ملايين السنين. لقد زخرت بلادنا العربية بالعديد من الوثائق والمخطوطات المكتوبة، والتي هي أساساً المرجع والمصدر لمن يكتب حول تاريخ هذه البلاد، وإن جاز لنا أن نذكر مثالاً بهذا الصدد، فإن مخطوطات البحر الميت تعدّ أفضل مثال.

هذه الأرض العربية التي نعيش فوقها هي مهبط الديانات السماوية الثلاث، وجالها الأنبياء ومن تبعهم، مبشرين بها، لذا نرى أنه لا غضاضة علينا كعرب أن نفخر بما تركه لنا أنصار  موسى (الأوائل)، وعيسى، ومحمد، فهم من أبناء هذه الأرض وأن كل من اتبعهم بادئ ذي بدئ هم من سكانها المحليين.

وتتميز الخليل عن غيرها من المدن الفلسطينية ليس فقط بموقعها وإنما بمكانتها الدينية، فهي ، حسب الموروث الديني، مكان إقامة النبي ابراهيم واحفاده، أحياء وأمواتاً. ومن هنا تقرأ الخليل في كثير من أسفار التوراة، فكانت ولا تزال مهددة بمن يرون أن القصة التوراتية تبدأ بها. لذا أضحت هدفاً ومقصداً للباحثين التوراتيين. ففي عشرينات القرن الماضي قام  العالم الأمريكي وليم فوكسول أولبرايت (William F. Albright) وهو صاحب مدرسة بحثية توراتية، لها تابعوها في كل أنحاء العالم، بالتنقيب في موقع "تل بيت مرسم" إحدى خرب مدينة دورا  في محافظة الخليل. ولا تزال نتائج أبحاثه تعد الأساس في دراسة وتدريس الآثار التوراتية لدى بعض الجامعات العالمية، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

من المتفق عليه بين الناس أن معرفة ماضي الأمة، أية أمة، يقوي الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن. وأن التراث الثقافي المادي وغير المادي هو من صنع الانسان. ومن المعلوم أن هذا الانسان عاش ملايين السنين قبل معرفة الكتابة، وتحديد نسبه، أو حتى عرقه، لذا نقدر على القول بأن تراث ما قبل الكتابة هو ملك لجميع أبناء البشرية. لكننا نستردف بالقول بأن الآثار المدفونة في أرض ما هي ملك لتلك الأرض بغض النظر عن مكانها الجغرافي في العالم. لكن، وبعد أن عرف الناس الكتابة، وسجلوا لنا تاريخهم عبر العصور، وسموا الأشياء بأسمائها، فإننا نفخر بهويتنا العربية المرتبطة بأرضنا العربية على اتساع الوطن، على الرغم من الخصوصية في بعض الحالات، إلا أننا نجتمع في اللغة، والدين، والجغرافيا، والعرق، بل والنسب الممتد على طول وعرض الأرض العربية. من هنا نستطيع القول أننا نجتمع مع العالم العربي عامة، وبلاد الشام خاصة، بهوية ثقافية مشتركة، ومتوارثة، شكلت هويتنا الوطنية العربية عبر العصور.

محافظة الخليل: الموقع والطبيعة

تشكل محافظة الخليل الجزء الجنوبي للضفة الغربية، وتبلغ مساحتها الحالية 997 كيلومتراً مربعاً، أي ما معدله 16% من مساحة الضفة الغربية. علماً أن مساحتها قبل تشكيل دولة اسرائيل في عام 1948م كانت تبلغ 2076 كيلومتراً مربعاً. يحدها من الشمال محافظة بيت لحم، ومن باقي الجهات الأخرى أراضي فلسطين المحتلة عام 1948م، والبحر الميت من الشرق. وتبعد حوالي 36 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة القدس الشريف. 

وبالإضافة إلى مدينة الخليل، تتكون المحافظة من أكثر من مائة بلدة كبيرة (مدينة) وقرية، من أهمها: حلحول، ويطا، والسموع، ودورا، والظاهرية، وترقوميا. علماً أن اسرائيل احتلت عدداً من قراها الهامة ودمرتها عام 1948م ، ونذكر منها: الدوايمة، وبيت جبرين، وعجّور. كما وأنه نتيجة لاحتلال جزءاً كبيراً من أراضي فلسطين في عام 1948م هاجر إليها عدد من سكان المدن والقرى المحتلة، فتم بناء مخيمين للاجئين في المحافظة، هما: الفوار، والعروب.

أما بخصوص عدد السكان في المحافظة، فللأسف لا توجد إحصائيات دقيقة متوفرة لدينا حتى الآن، لكن هناك إحصائية منشورة في الويكيبديا، اعتماداً على إحصاء لسكان المدينة جرى عام 2008م، تقدر عددهم بحوالي 400 ألف نسمة، وأن العدد الاجمالي لسكان المحافظة هو794 ألف و 510 نسمة. ومن الواجب ذكره في هذا المقام أن عدداً كبيراً من أهالي هذه المحافظة يكوّنون جزءاً من النسيج السكاني الأردني.

وبعد وقوع المحافظة تحت وطأة الاحتلال الاسرائيلي في عام 1967م ، استولت اسرائيل على أجزاء كبيرة من مساحة المحافظة، وفي داخل المدينة بهدف إقامة المستوطنات، والبؤر الاستيطانية. 

ومن المعلوم أن طبيعة محافظة الخليل جبلية بشكل عام، ويتراوح معدل ارتفاعاتها عن مستوى سطح البحر بين 300 متراً في منطقة بيت جبرين وحوالي 1032  متراً عند مدينة حلحول. وتختلف سلسلة جبال الخليل ليس فقط في معدل ارتفاعاتها بل أيضاً بوعورتها، فهناك الوعر، والوعر جداً، والمنبسط،  إضافة لوجود الهضاب والتلال. وتختلف سفوحها الغربية عن الشرقية من حيث كثرة العيون، والينابيع، والغطاء الشجري، والمناطق الزراعية. ومن المعلوم أن محافظة الخليل تشتهر بكروم العنب، والتين. ويتراوح معدل هطل الأمطار السنوي في المحافظة بين 500 – 600 مليمتراً، مما يجعل أراضيها صالحة للزراعة البعلية.

مارس أهل الخليل، ولا زالوا يمارسون عدداً من الصناعات، خاصة اليدوية، مثل الدباغة، والزجاج، والنسيج، والخزف، والصناعات الخشبية. ولهذا السبب نجد أن أهلها قد أطلقوا على بعض أسواقها أسماء هذه الحرف، مثل: سوق الغزل، وحارة القزازين. وساعدت هذه الصناعات، وموقع المدينة المتوسط بين بلاد الشام ومصر بشكل خاص على وجود طبقة من التجار. ولا زال أهل الخليل من أهم التجار ورجال الأعمال المعروفين ليس فقط في العالم العربي، وإنما في العالم أجمع.

ويقطع المدينة عدد من الشوارع نذكر منها : عين سارة، وباب الزوية، وراس الجورة، والجوازات، ووادي التفاح، والحرس، وتل ارميدة. كما أن المدينة لا تزال تحافظ على طابعها المعماري القديم مثل الأزقة، والسوق العتم، والمارس القديمة (القيمرية، والفخرية، والسلطان حسن)، والحمامات (ابراهيم الخليل، وداري، والشيخ بدير)، والأسبلة والقنوات والبرك. ولهذا السبب فإننا نعتقد لو أن المدينة رشحت للائحة التراث العالمي لدخلتها. وحتى نعطي الأمر حقه نقدم أدناه دراسة موجزة لتراث محافظة الخليل العربي والاسلامي من عصور ما قبل التاريخ وحتى الوقت الحاضر.

لمحة حول التراث العربي الاسلامي في محافظة الخليل:

على الرغم من غنى محافظة الخليل بالموروث الثقافي، وتعرضه لتهديدات كثيرة، إلاّ أنه وللأسف لم يلقَ نفس الاهتمام لدى الباحثين والدارسين، مقارنة ببقية محافظات فلسطين. من هنا نستطيع القول أنه لا يزال يشوب الغموض تاريخ هذه المنطقة القديم. ومن هنا وجدنا أنه من الواجب لفت الانتباه لهذه الحالة، ودعونا في عام 2013م  لانشاء مركز الخليل للتراث العربي والاسلامي.

بدأت النشاطات الأثرية المنظمة في فلسطين خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر على يد بعثات أوروبية أولاً، وأمريكية ثانياً. وهدفت هذه الدراسات في المقام الأول لإثبات صحة ما جاء في التوراة. لكن، وخلال  هذه الدراسات، خاصة تلك التي أجريت في جبال الجليل والكرمل بشمالي فلسطين تم الكشف عن أقدم البقايا الانسانية، أرخ بعضها لأكثر من مليون سنة خلت. وكان من أوائل المهتمين بدراسة عصور ما قبل التاريخ في فلسطين، العالمة البريطانية دوروتيا غارود (Dorothea Garrod). علماً أنه لم يكشف النقاب  وحتى الآن في محافظة الخليل عن بقايا انسانية معاصرة. لكن هذا لا يعني عدم وجودها، بل ربما تكشف المسوحات والتنقيبات الأثرية المستقبلية في محافظة الخليل عن بقايا تعود لهذه العهود.  كذلك الحال لم يكشف النقاب عن قرى زراعية أولى في المحافظة حتى الآن، سوى العثور على بقايا بسيطة هنا وهناك، كما هو الحال في بيت جبرين، وإن كانت هناك مؤشرات على وجود مثلها في مناطق بيت لحم والقدس. وربما يكون السبب في هذا الأمر أن محافظة الخليل لم تلق نفس الاهتمام الذي شهدته المناطق الفلسطينية الأخرى في مجال البحث والتنقيب عن الآثار.

وإذا جاز لنا الكلام هنا حول مرحلة ، أو بدايات تأسيس المدن، فيمكننا القول أن حفريات تل بيت مرسم  تعدّ الأهم في المنطقة. إذ كشفت لنا الحفريات التي أجراها وليم أولبرايت خلال أعوام 1933 – 1936م عن بقايا تؤرخ للفترة بين حوالي 2300 وحتى 539 قبل الميلاد . 

ومن المواقع الأثرية الهامة الأخرى في محافظة الخليل بلدة "بيت جبرين"، والتي تبعد مسافة 21 كيلومتراً شمال  غربي مدينة الخليل. ويدل اسمها على أصولها الآرامية، علماً أنها ازدهرت في الفترات الكلاسيكية، والبيزنطية والاسلامية. ولقد زارها عدد من الرحالة خلال القرن التاسع عشر وما قبله، ومنهم "إدوارد روبنسون Edward Robinson".  وبعد سقوطها بيد الاسرائيليين في عام 1948م قاموا باجراء حفريات هناك وذكروا أن أقدم البقايا الأثرية في الموقع تعود لحوالي 6500 من الآن.

ومن الواضح أن علماء التوراة، اهتموا اهتماماً كبيراً  في البحث عن الآثار التوراتية سواء في قرى الخليل أو في المدينة نفسها. ففي عام 1920م قام أولبرايت بصحبة آثاريين آخرين بزيارة استطلاعية لجبل الرميدة في مدينة الخليل. ونتج عنها أن قامت بعثة أثرية أمريكية بالتنقيب في الموقع بين أعوام 1964 و 1966. وكشفت التنقيبات في الموقع عن أن الاستقرار في الموقع استمر من حوالي 4000 قبل الميلاد وحتى الآن دون انقطاع. وبالطبع كان الهدف من هذه الحفريات البحث عن بقايا أثرية تخص العصر الحديدي (حوالي 1200 – 539 قبل الميلاد)، أي الفترة المفترضة للأحداث التوراتية. كما وكشفت البعثة عن قبور تعود للعصر البرونزي المتأخر (حوالي 1550 – 1200 قبل الميلاد). وكان العنصر الأساسي من سكان الخليل خلال العصور القديمة، خاصة البرونزية، الكنعانيون والأموريون.

وعلى أية حال، فإن حال الخليل خلال الفترة بين حوالي 1200 – 900 قبل الميلاد كان كحال باقي فلسطين، إذ تصمت المصادر الكتابية كاملة عن التحدث عن تاريخ فلسطين في هذه الفترة. ولهذا السبب يعتمد الباحثون في دراستهم للبلاد، كل الاعتماد، على المصادر التوراتية عند الحديث عنها. وهذا يعني أننا لا نرى إلاّ وجهاً واحداً من قطعة العملة، وكم نتمنى لو سمحت اتفاقية أوسلو للسلطة الفلسطينية بالتنقيب في مدينة الخليل، وفي تل الرميدة على وجه الخصوص، حتى تزودنا بقطع أثرية تكون مصدراً لكتابة تاريخها.

تذكر التوراة بأن الخليل كانت مقراً للملك داود قبل احتلاله القدس من سكانها اليبوسين. ولا نرى أي ضير في أن تكون الخليل قد كانت مقراً لداود، لأننا نرى فيه شخصاً فلسطينياً آمن يرسالة موسى. وتذكر التوراة أن قبيلة "كاليب" قد سكنت جبل الرميدة خلال العصر الحديدي، وأقام أهلها في بيوت من سبقوهم في هذا المكان. هذا قول توراتي ولا يعتمد على أي نص تاريخي. لكن يظهر من المخلفات الأثرية، خاصة الجرار التي تحمل طبعات مكتوب عليها "لملك حبرون" أن الخليل كانت مركزاً إدارياً خلال العصر الحديدي الثاني (حوالي 923 – 586 قبل الميلاد). كذلك عثر على طبعة ختم مطبوعة على يد جرة، وتتكون من خنفساء طبع أعلى صورتها كلمة "للملك Lamelekh" أرخت للقرن الثامن قبل الميلاد من قبل الباحثين الاسرائيليين.

كما أن الخليل كانت من بين المدن التي قاومت الهجوم الأشوري على فلسطين، قبل سيطرتهم عليها. لكن دور المدينة تراجع مع تكرار الهجمات الآشورية، ومن بعدها البابلية الحديثة عليها.

وبعد الاحتلال الاسرائيلي لمدينة الخليل في عام 1967م، قام معهد الآثار في جامعة تل أبيب وفي عام 1984 باستئناف الحفريات الأثرية في الموقع ولمدة ثلاثة مواسم. وكشفت هذه التنقيبات عن وجود مدينة كنعانية  عمرها حوالي خمسة آلاف عام، محاطة بسور عرضه ثلاثة أمتار وارتفاعه 5 أمتار، بني فوق الصخر الطبيعي. وذكر المنقبون الاسرائيليون أنهم عثروا على عدد من اللقى الأثرية الهامة، منها: لوح طيني مكتوب بالخط المسماري، ويتعلق النص بأمر اقتصادي لنقل قطيع من المواشي (ربما لملك الخليل) ، وجرة فخارية مكتوب عليها الاسم "حبر Hebr"، والذي ربما يعني الخليل، حيث أن الكلمة "حبر" تعني "الصديق، الخليل". والشيء بالشيء يذكر، فإن لمدينة الخليل عدداً من الأسماء التي عرفت بها عبر العصور. فمثلاً عرفتها التوراة بأسماء "قرية أربع، وممرا، وحبرون".

ومن المواقع الأثرية الهامة في محافظة الخليل، بلدة "الدوايمة" التي تبعد حوالي 24 كيلومتراً عن  الخليل واحتلت عام 1948م، وهي قريبة من بلدات إذنا، ودورا، والقبيبة، وبيت جبرين . وبعد الاحتلال أقامت اسرائيل فوق أنقاض القرية مستعمرة اسمتها  "Amaziya أماتزياه" نسبة إلى الملك "إمصيا" الذي حكم في الفترة بين 800 – 783 قبل الميلاد حسب النصوص التوراتية، علماً أن اسم هذا الملك لم يرد في أية وثيقة أو مصدر كتابي. 

وللكشف عن آثار هذه البلدة قام الاسرائيليون في أعوام 2010 و2011ميلادية باجراء حفريات فيها وكشفوا النقاب على أنها سكنت لأول مرة في حوالي 3300 قبل الميلاد (العصر البرونزي المبكر الأول)، وحتى الوقت الحاضر.

يعد الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل من أهم المعالم التراثية الاسلامية والعربية. فهو يضم رفات مجموعة من الأنبياء وزوجاتهم، وعلى رأسهم نبي الله ابراهيم والذي يعتقد أنه عاش في القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وللأسف فإن المصادر التاريخية لا تساعدنا كثيراً في تحديد تاريخ البناء بدقة. لكن الباحثون يرون في صفات البناء العمائرية ، مماثلة لتلك المؤرخة لزمن الملك هيرودتس أنتيباتر، مما يشير إلى أنه كان في الأصل مبنى لمعبد بني في الفترة الرومانية، وهذا ما ذكره المؤرخ اليهودي "جوزيفوس". وبني المبنى فوق مغرة مزدوجة من حجارة ضخمة مشذبة ومحاطة بإطار مدقوق "مسمسم". والمبنى مستطيل الشكل، إذ يبلغ طوله حوالي ستين متراً ، وعرضه حوالي أربع وثلاثون متراً، ويبلغ سمك الجدار متران وثمانية وستون سنتيمتراً.

والناظر إلى شكل جدار المبنى من الخارج يستطيع رؤية أنه يتكون من جزئين: الأسفل مصمت من الحجارة، والعلوي فترتفع منه دعامات مدمجة بالجدران، يبلغ عددها ثمان وأربعون دعامة. وتذكر لجنة إعمار الخليل في تقرير لها أن هناك مداميك حجرية تعلو البنيان، ربما أضيفت في الفترة العثمانية. إذ يعتقد أن المبنى حول إلى مسجد في عام 15 هجرية، أي بعد الفتح الاسلامي لفلسطين. وبقي المبنى كذلك طوال الدهر، عدا إبّان الحروب الصليبية، حين حوّل إلى كاتدرائية. لكن وبعد أن استطاع صلاح الدين في عام 1189م طرد الصليبين من البلاد عاد المبنى ليكون مسجداً. ويعدّ منبر المسجد من أقدم المساجد، إذ تم صنعه زمن صلاح الدين الأيوبي في مصر، وهو مصنوع من خشب الأبانوس المطعم، وبني بطريقة التعشيق، أي دون مسامير معدنية. وظل المسجد على حاله حتى الاحتلال الاسرائيلي للمدينة في عام 1967م، لكن المحطة الأدهى والأهم كان في عام 1994م حين قام المحتلون في 15 رمضان بمجزرة رهيبة قتل فيها عدداً كبيراً من أبناء المدينة. ونتج عن هذه المجزرة تقسيم الحرم إلى مسجد وكنيس.

ومما يجب ذكره أننا لا نستطيع في هذا المقام التحدث حول تاريخ وآثار جميع قرى محافظة الخليل، بل سيترك هذا لوقت آخر.