• 10 أيلول 2022
  • مقابلة خاصة

 

 

 

 

  القدس - أخبار البلد - في اطار التعاون بين هيئة اشراف بيت المقدس وبين شبكة ” أخبار البلد“ المقدسية ذلك التعاون  القديم ،التي اثمر عن سلسلة من المقالات والدارسات التي باتت مرجعا لكل مهتم بالشأن المقدسي  الثقافي والاجتماعي والتاريخي .

 في هذا الاطار  يشرفنا في شبكة ” أخبار البلد“  ان ننشر ما يصدر عن الهيئة العريقة والتي هي عبارة عن مركز دراسات مقدسي متخصص باشراف بيت المقدس . جديد هذه الاصدارات  بعنوان ”حكاية جدتي المقدسية“ يكتب رئيس الهيئة الشيخ ”مازن اهرام“ 

رواية القصص التاريخية والشعبية المقدسية توثق التراث والأحداث القديمة في القدس ولم يكن يعرف حينها من هو الحكواتي، فهو يحكي القصص، لأنه اعتاد على سماعها منذ طفولته من جدته وأقاربه  ضمن محيط العائلة ، والقصص كانت وسيلة للتسلية وتعبئة الوقت للصغار والكبار، في ليالي السمر الصيفية  وأيام الشتوية  نتلهف لسماع حدوته من نسج الخيال تعلقت ذٍكراها ومشاهدها بأدق تفاصيلها وإشاراتها  تراثنا الشعبي المقدسي زاخر بالكثير من القصص المميزة، والتي تتناقلها الأجيال ,

الدعوة إلى التمسك بمكارم الأخلاق الحميدة، وحسن التصرف في الكثير من المواقف الحياتية العسيرة,  إن من القصص ما يُذكرنا بأحداث مرت بحياة الأجداد والجدات فهي محفوظة في الذاكرة باختلاف الراوي والرواية مكانها وزمانها وفي قصصهم عبرة وموعظة    

تراثنا مقدسي بامتياز فهو جذرنا الضارب في حواري وأزقة البلدة القديمة منذ ردح من الزمن , وكأن باحة باب العامود أضحت مسرحاً عبر الأجيال والأمم المتعاقبة تشد أبنائها المقدسيون لمشاهدة العروض  المسرحية ,كالمدرجات الرومانية الاستعراضية في قديم الزمان ,ومٍن على أسوارها نشهد ويشهد العالم عروضاً حزينةً وتارة أُخرى مشهداً درامياً  وتارة ثالثة يلحف بها دخان القنابل المسيلة للدموع لبعثرة أهلها عن مجالسهم بحوافر الخيول وقسوة المحتل  وخراطيم المياه العادمة  التي تُلوث قداسة  المدينة ,

كثير من القصص التي لا زالت تُروى، ولم يأتي دورها لعرضها وتُقص في الجلسات العائلية، وليالي السمر، وتُكتب في صفحات صالونات المثقفين والمحافل الأدبية المختلفة , تبرز فيه جمالية الحياة والحنين الى الماضي بأطيافه وألوانه ألامه وأماله من رغد العيش وفُسحة الحياة وقسوة أيام السفر بلك وغيبة شباب العائلة وكأن الغائب في لحظة وداع عيناه تُنبئ هل من عودة الى القدس أم يأتي خبره من بعض أقرانه ومقدسيُ يتجول  في المدينة العتيقة وقد سُلبت منه الإقامة أضحى غريباً عن مسقط رأسه!!

وعلى أبواب المدينة جند جَاسُواْ خلال الديار وكان وعداً مَّفْعُولًا 

وحبشية تلحفت بثياب عسكرية تسمرت على أبواب مدينتنا تستفز أهلها تصول وتجول وتدقق في الهوية الشخصية , نلملم من فوق التراب كرامتنا ونسأل من أي غابة أتت 

ما أشبه البارحة باليوم  

 القدس لم تكن أبدا حفنة من تراب، بل هي شعب له تاريخ  وحضارة ،   انتصارات الإنسان على أرضه يصنع بها مكانا ومكانة وتأثير فكري وعطاء حضاري،   رجال ونساء صنعوا ذاكرة الوطن 

 تضم القصص المقدسية في جنباتها حكايات عن علمائها مساجدها عن تقديس الحاج الوافد للصلاة ركعتان في محراب مسجدها عن كنائسها ورحلة المسيح عليه السلام إليها ,عن كل من أتى يشهد تاريخها  ويشم  عبق شذاها  عن سائح وقف على جبل طور زيتا ليرى شمس الغروب  وهي تتوارى بين  بيوتها  العتيقة  وتغفوا ,عن قمرها في ليلة بدر أضاء سمائها  وعن عائلة هُدم بيتها  فأضحت في خيمة على أنقاضه هدانا إليهم الفضول وشذى  قهوة غُليت على بقايا النوافذ الخشبية المحطمة 

 وقد أقبل الليل بظلامه وسواده، يتلحفون السماء ويفترشون الأرض وبالأمس كان لهم بيت يأوون إليه واليوم  ينسجون من سواده بُرُد الضياء الوضَّاح، ويصنعون من وحشته الأنس والانشراح، وينطقون صمته المهيب بألسنة فصاح لم يغمض لهم  جٍفن في البرد والعراء وتلفح وجوههم أشعة النهار يخفون الدمعة في العين وقد تجمدت الدموع ,الأمر مهول  وطفلة تبحث بين الأنقاض عن دُميتها  , والصغير يحاول العثور على حقيبته المدرسية , وسيدة البيت تُواري دمعتها  وعندما  يبكي  الرجال فأعلم ان الهموم فاقت قمم الجبال , ليس حُزناً على سقف وجدران بل  على من سمسر باع وخان بثمن بخس دراهم معدودة 

ولسان حالهم صامدون لغد قريب آت.. أليس الصبح قريب

تشير القصص المقدسية شجىً في القلوب تدغدغ الأحاسيس والمشاعر فتخلد العظات والآهات واليوم ليست القدس كما ألفناها وعشقناها وعهدناها وأصبحت مدينتنا مثل كراكيب جدتي بين صالح الأشياء و...

فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى

أعيادها أسواقها وشيوخ تُجارها حدث عن جيرانها عن المقاهي عن الفتوة وحفظ الأعراض عن حرائرها عن شيبها وشباتها عن كرم أهلها والبركة التي تحفها والخيرات التي يُجْبَىٰ إِلَيْهِا ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا من الله  , مدينتنا تحكي القصص أيضاً عن علاقة الإنسان بحاضره ومستقبله وأمانيه 

كانت جدتي تحتفظ بالكثير من "الكراكيب" في خزانة الحائط (الخو رنق) القريبة على مقربة من سرير جدتي الحديدي ذو الأعمدة الأربعة بالناموسية البيضاء  

لعلها أرادت من خلال تلك الكراكيب ٍحفاظها على هويتها وذكرياتها وربما طفولتها، هدياها وبقية باقية من زمن عاشته مُره وحُلوه فلا غُرواً  

تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحةِ على فضاءاتٍ مُرصّعةٍ بِدُرَرِ المَعْرفَةِ. وإيماناً منها أن من ليس له جذور فليس له ثقافة وتاريخ 

من كراكيب جدتي الْخَلْخال الفضي المرصع بحجارة كريمة من الكريستال الصافي وإسورةُ مرصعة بحجر الزركون الفضي و تشمل الكراكيب أرجيلة جدي الزجاجية المذهبة المُعشقة  ,وعلب وقطع أثاث مرصّعة بالصدف والعاج  ، ومباخر، وأباريق – كلّها مصنوعة من الفضّة والذهب المرصع بحجارة كريمة ومزخرفة بنماذج نباتيّة، ومكحلة الإثمد والمشط العاجي وقُمقُم : إِنَاءٌ مِنْ مَعْدِنٍ فِضِّيٍّ أَوْ نُحَاسِيٍّ يُجْعَلُ فِيهِ مَاءُ الزَّهْرِ وَنَحْوُهُ، يُرَشُّ مِنْهُ عَلَى الضُّيُوفِ

أرادت جدتي الاستغناء عن بعض الأشياء من الكراكيب المحفوظة في دولاب خزانتها ,جازمةً أنها عفا عليها الدهر وشرب ورماها الزمان وأخذَتْ منه الليالي والأيام رونقَها، واستوفى نصيبها حتى أصبحت في مهب الريح 

وجهان مُتشابهان القدس ترفث الخبث وتنفي الرجال كما ينفي الكير خبث الحديد

والعاشق المقدسي يُولدُ الحكاية ويرويها ويتوارثها كابراً عن كابر وتتناقلها الأجيال عبر الأجيال حاضرة في القلوب وتستأنس لها الأفئدة وتطرب لها الآذان حين سماعها، القدسِ الحبيبةِ موسوعة تُخط بماء الذهب فهي تنبض بالحياةِ أقصاها ومسراها ومعراج سماها وقفاً إسلامياً خالداً عبر الأجيال ,

نبئني أيها القارئ هل ما زالت حجارةُ القدسِ تحكي قصصَ السابقينَ بكلِّ شموخٍ وكبرياء مآذنُها تصدحُ بالأذانِ لكل صلاةٍ ومصاطبِ العِلم يؤمُّها الطلابُ حتى اليومِ يتعلمون علمَ الدِّينِ والدنيا  

 في قاموس المقدسيون تتوج معاني كلمات الخير والعطاء والمحبة لا توجد كلمات شائنة فقد شُطبت عبارات أبى وجودها في صحائفها 

أيها السائل عن حالها اليوم     

وهل بواباتِ المسجدِ الأقصى ما زالت مُشرعةً أمامَ المُصلّينَ الركع السجود المرابطين في جنباتها أمْ أنّ الزمانَ قد صالَ وجالَ وتغيّرتْ في قُدسِنا الأحوالُ ,أحياؤنا المَقدسيةُ هل ما زالت تنطقُ حجارتُها بالتاريخِ العريقِ الممتدِّ عقوداً بل قروناَ  

شوارعُ القدسِ العتيقة ماذا عن أسمائها سكُانها هل بقيتْ حافظةً للعُهدةِ العُمريةِ المجيدةِ   أَم أنها تلاشتْ مع ذرّاتِ الكرامةِ العربيةِ التي طارت أدراجَ الرياحِ؟؟

يندى لها الجبين عن أجوبة نخشى البوح بها .. لكن دعني فإني أعرف القدس كما أعرف باسط كفي , سيهطلُ الغيث من السماء وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَٰنِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلْأَقْدَامَ

القدسُ دُرّةُ الكونِ ودمعةُ الياقوتِ النابضةُ بالحبِّ والثأرِ من أجلِ الحبِّ فكُلما حاربتُ من أجلكِ أحببُتكِ أكثرَ نَعم أنتِ تحيةً لِمن رابطَ فيها أو في أكنافِها وشرفُكم موصولٌ في حديثِ المعصومِ أنكم أحبابُه صلى الله عليه وسلم دُمتِ بخيرٍ يا حبيبة.