• 2 تموز 2024
  • مقابلة خاصة

 

 القدس - أخبار البلد - تقرير خاص : 

 هناك الكثير من الجيل الجديد من ابناء الشعب الفلسطيني لا يعرف العديد من الشخصيات التي سطرت في حياة هذا الشعب سطور الكرامة والعزة ، تاركة بصمات يحتفظ بها التاريخ والكتب  والقليل من الشباب يعرف عن هذه الشخصيات  التي غابت بهدوء .

 ومن بين هذه الشخصيات  المربي " فتحي البلعاوي " 

في تأسيس أول تنظيم طلابي فلسطيني عام 1951 عرف باسم: رابطة طلبة فلسطين، وكان أول سكرتير لها، وأسس مجلة (نداء فلسطين) وكان رئيس تحريرها. كما كان كتلة من النشاط والحماس ، واشتهر كخطيب جماهيري ناري الكلمات… وكان عنيفاً وجريئًا لا يهاب عاقبة الاندفاع الثوري الذي تميز به ، مما أدى الى سجنه في مصر وابعاده الى قطاع غزة حيث 

بادر مع زملاء له من مختلف التيارات الفكرية لإنشاء ( نقابة المعلمين الفلسطينيين ) في غزة عام 1954، وفاز بمنصب أول نقيب للمعلمين ، وقاد العديد من الفعاليات والمظاهرات الوطنية ، وكان له دور بارز في قيادة المظاهرات الشعبية ضد التوطين والإسكان عام 1955 .

 بعد حرب العراق عام 1990، طُلب منه مع بعض زملائه في المجلس الوطني الفلسطيني مغادرة قطر، فاستقر في تونس، وأسند إليه الرئيس ياسر عرفات وظيفة مدير مدرسة القدس في تونس، بالإضافة إلى منصب ممثل فلسطين في منظمة التربية و الثقافة و العلوم بالجامعة العربية .

بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية لأرض الوطن، عاد إلى غزة في نوفمبر 1994 وعُين بقرار من الرئيس الشهيد ياسر عرفات وكيلاً مساعداً لوزير التربية والتعليم العالي، وكان له نشاط فعال في إحياء الحركة التعليمية، كما أُسندت إليه إحياء الفعاليات الشعبية في قطاع غزة. كتب البلعاوي العديد من المقالات الأدبية والسياسية في الصحف المحلية ومن أشهر مقالاته ما كتبه إلى عرفات صديق مسيرته بعنوان: ( كثر مستشاروك وقل ناصحوك )، وعرفات الذي قال عنه في أكثر من مناسبة: ( إنه “البلعاوي” الذي علمني السير على درب الثورة ) .

 توجهت " أخبار البلد" الى ابنه الدكتور بسام فتحي البلعاوي  من اجل القاء مزيد من الضوء على شخصية والده الفذه ، فاكتفى الدكتور البلعاوي الذي يعتبر وبحق سفير الثقافة والفن الفلسطيني في روسيا والجمهوريات الروسية الواسعة من خلال نشاطه منقطع النظير في  التعريف بمعاناة الشعب الفلسطيني حيث أقام العشرات من المعارض تحت عنوان فلسطين بعيون الفنانين الروس 

 اكتفى الدكتور بسام بنشر وصية والده له لتكون نبراسا للأجيال القادمة ، 

ونحن في "اخبار البلد" المقدسية يشرفنا ان نكون أول  وسيلة إعلامية  تقوم بنشر هذه الوصية من والد الى ابنه  والتي تحمل الكثير من الحكم والعبر .

 

 قال د بسام فتحي البلعاوي : 

"  أن هذه وصية والدي فتحى البلعاوى لي وهو يودعني للدراسة فى الخارج قبل 41 عاما لن أنسى ذلك اليوم فى حياتى أبدا.

 لقد كان ذلك يوم 7 سبتمبر أيلول  1983 وهو يقود سيارته ويوصلني إلى مطار الدوحة لاطير الى دمشق ومنها الى العاصمة السوفيتية موسكو لمواصلة تحصيل العلم.

 قال لي بصوت حنون : 

أريد منك يا ولدي أن تصغي إلى بانتباه شديد وتعي وتفكر فى كل ما سأقوله لك.

 فقلت له: حاضر يا ابي.

 كان يتحدث والأفكار جميعها تداهمه وهو يفكر بي, كيف سأعيش؟ كيف سأدرس فى الاتحاد السوفيتى؟ هذا البلد الشيوعي الأكبر في العالم.

 ثم بدأ كلامه : 

يا ولدي أنت ذاهب لتدرس وتعيش فى بلد يدرس فيه طلاب من أكثر من 150 بلدا حول العالم, وهؤلاء الطلاب ينتمون لمنظمات وأحزاب سياسية مختلفة, وقد تكون بين الكثير من هذه البلدان عداوات وحروب وثأر تاريخي ، وقد يكون هناك طلاب من بلد واحد ولكن من منظمات مختلفة أيضا بينهم وبين بعضهم عداوات.

 فأرجوك أن تنتبه جيد لكل ما هو حولك, فعليك أن تكون فى السنة الأولى مستمعا ومفكرا جيدا فقط ، لا تدلي بأية آراء مهما كانت, وفي العام الدراسي الثانى تواصل الاستماع والتفكير فى كل ما سمعته ودار حولك فى العالم الدراسي الأول ويدور حولك في العام الدراسي الثاني, وفى العام الثالث تواصل أيضا الاستماع والتفكير فى ما سمعته فى العامين السابقين وما تسمعه،  فى العام الثالث ويمكنك وقتها إبداء رأيك أو وجهة نظرك بعد تفكير عميق فى كل كلمة ستقولها أو رأي سوف تبديه في أي موضوع مهما كان هذا الموضوع.

 وتذكر جيدا يا ولدى بأن من لا يجيد الاستماع لا يجيد التفكير ومن لا يجيد التفكير لن يأتي بأي جديد يفيد فيه الناس والمجتمع.

 كذلك يا ولدى أريدك أن لا تتذمر من أي أوضاع ستعيش ، وان تقبل بالسكن الجامعي مهما كان عدد الطلاب الذين ستشاركهم الغرفة الواحدة, فان كانوا 6 وانت السابع فاقبل بدون أي نقاش.

 أريدك أن ترتدي ملابس مثل الملابس التى يرتدونها فلا تميز نفسك عنهم أبدا, وتذكر يا ولدي بأنهم يعيشون جميعهم فى حال متوسط ولا يوجد بينهم أغنياء, فهم يتقاسمون ما يملكونه مع الدول الفقيرة فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية, ويدعمون الشعوب المناضلة من أجل الحرية و يدعموننا نحن الفلسطينيين فى جميع المجالات بما فيها المجالات العسكرية. 

عليك أن تأكل طعاما مثل الذي يأكلونه ما عدا ما هو محرم علينا مثل الخنزير والمشروبات الروحية .

عليك أن تكون صديقا مخلصا ووفيا لهم, وأن لا تخون أحدا فى حياتك قط, كذلك أذكرك يا ولدى بما سبق وأوصيتك به من قبل, لا تصادق الكاذبون أبدا وابتعد عنهم لأن من يكذب يمكنه أيضا أن يخون, وإن شاءت ظروفك أنك كنت فى أي مكان ما من العالم, وحدث انك ارتكبت خطأ أو جريمة عن دون قصد, قوانين ذلك البلد صارمة, وفى المحكمة جاءك المحامي ويريد منك أن تحفظ بعض الكلمات التي ستخرجك من القضية وانت تعلم ان هذا غير صحيح وهو كذب, فلا تطعه يا ولدى وقل الحقيقة للقاضى حتى لو كان الحكم عليك بالإعدام,.

 فالأفضل لك أن تشنق وتموت شريفا عزيزا صادقا بدل أن تعيش الف عام كاذب ومخادع وتجلب لنا ولاولادك واحفادك من بعدك العار .

وأخيرا وليس آخرا, أرجوك يا ولدي, أن وضعت فى ظروف صعبة جدا ولم يكن لديك ما تأكله و جاءتك فكرة  أن تمد يدك لتحصل على ما هو ليس لك حق فيه, فاقطع يدك قبل ان تمتد اليه.." 

 رحمك الله يا ابى فهذه الايام يمر على رحيلك بجسدك عنا 28 عاما وأنا ما أزال سائر على خطاك ووصيتك التى أكسبتنى محبة الناس وكانت أحد أهم أسرار نجاحي فى بلاد الغربة التى منحتنى محبتها وما تزال تحتضنني وتقف إلى جانبي وتؤازرنى فى مأساة شعبي وتتضامن معى وتعيش آلامنا وأحزاننا وآمالنا وتحاول التخفيف عنا بكل ما تستطيعه.