• 24 كانون أول 2024
  • مقابلة خاصة

 

بقلم : الدكتور زيدان كفافي

  

دعيت قبل حوالي خمسة عشرة عاماً  للمشاركة في مؤتمر حول مدينة القدس عقد فيرحاب جامعة الكويت ، للبحث فيما يتهددها من أخطار لتغيير هويتها العربية، فاخترت أن أحاضر حول بلدة سلوان المستهدفة من قبل الاستيطان الصهيوني.  وتم نشر نص المحاضرة التي شاركت بها في مجلد خاص نشر من قبل المنظمين لأعمال هذا المؤتمر، وعنوانها كما هو أدناه:

كفافي، زيدان 2012؛ سلوان بين الآثار والتوراة. الصفحات 271 – 288 من الاصدار الخاص، القدس .. ريحانة الضمير العربي (2-3 نوفمبر 2009). المجلة العربية للعلوم الانسانية. الكويت: جامعة الكويت، مجلس النشر العلمي.

مرّ بي قبل أيام الصديق الأستاذ خليل العسلي  رئيس تحرير جريدة " أخبار البلد" المقدسية وطلب إلي كتابة ما تجود به الذاكرة حول بلدة سلوان، فخطر ببالي أن أستل من هذا البحث المعلومات المدونة أدناه.

الموقع:

تقوم بلدة سلوان على جانبي وادي ستنا مريم (وادي سلوان) وتحتل الأراضي القريبة لسور القدس من جهته الجنوبية، ويفصلها عنها وادي حلوة. وقد ضُمت إلى مدينة القدس في عام 1961، وأصبحت تعد حياً من أحيائها. وعلى مقربة من البلدة تتوزع مجموعة من المصادر المائية مثل، "عين سلوان"، و"عين ستنا مريم أو أم الدرج"، و"بركة سلوان"، و"البركة التحتانية"، و"بئر أيوب"، و"عين اللوزة". وربما كانت هذه هي السبب الذي دفع المجموعات البشرية للإستقرار فيها منذ الألف الرابع قبل الميلاد. وتشكل سلوان في الوقت الحاضر حاضنة المسجد الأقصى. والبلدة غنية جداً بمواقعها الأثرية والتاريخية، والتي تشهد على تاريخها وأصولها العربية.

بعد احتلال القوات الاسرائيلية للضفة الغربية في حرب عام 1967، وضعت سلطات الاحتلال نصب أعينها البحث في أرض سلوان من خلال إجراء حفريات أثرية، سعياً منها في العثور على بقايا مدينة داود في هذا المكان. كما أنها بدأت بتشريد سكان البلدة مستخدمة كل الوسائل ومتعللة بكافة السبل والمعاذير، سعياً لإحلال مستوطنين يهود، بدلاً عنهم، وتهويدها، وحفرت عدداً من الأنفاق التي تتجه صوب المسجد الأقصى. 

آثار سلوان:

استقر الناس في منطقة بلدة سلوان لأول مرة قبل أكثر من خمسة آلاف عام، وربما كان الحافز لهم وجود مياه دائمة في المنطقة، مثل عين أم الدرج أو عين ستنا مريم، الواقعة على المنحدر الغربي لوادي ستنا مريم. وساعد وجود مياه العين والوادي الناس على زراعة الأراضي المحيطة بها، فكانت بساتين سلوان. وقد عثر على بقايا أثرية ومقابر تؤرخ إلى منتصف الألف الرابع قبل الميلاد. وكما ذكرنا أعلاه، يفصل بلدة سلوان عن المنطقة المزعومة المسماة "مدينة داود" وادٍ يسمى "وادي حلوة"، لكن بلدة سلوان امتدت فوق هذه المنطقة وأصبحت جزءًا منها. لذا، يحاول الإسرائيليون الآن بكل ما أوتوا من قوة ودهاء إخراج أهلها منها، وإعادة بناء مدينة داود المزعومة. 

تسمى المنطقة الواقعة خارج الأسوار، في الجهة الجنوبية- الشرقية من الحرم الشريف، عبر وادي ستنا مريم، وتحديدًا على السفح الجنوبي الغربي المسمى باسم "الظهورة". ومع بداية القرن العشرين، بدأ سكان سلوان باستغلال هذه المنطقة للزراعة، وما زالوا يزرعونها، كما بنوا مساكنهم فوقها، فأصبحت تشكل جزءاً من بلدتهم. وخلال نهاية القرن التاسع عشر بدأت الحفريات الأثرية في هذه المنطقة بإشراف جمعية صندوق استكشاف فلسطين البريطانية (Palestine Exploration Fund) . أما في الوقت الحاضر، فإن منطقة وادي حلوة التي كانت تعد فاصلاً بين سلوان وما يعرف باسم مدينة داود، أصبحت ملك لأهالي بلدة سلوان وربطتها بها. وكون أن هذه المنطقة، برأي الإسرائيليين، هي المكان الأول لاستقرار اليهود في المنطقة، لذا أصبحت هدفاً للحفريات الإسرائيلية بحثاً عن آثار مملكة داود وسليمان.  وقد حاول الإسرائيليون في بداية الأمر ربط عيون مياه "أم الدرج" و"سلوان" مع القصص التوراتية، والآن يحاولون تأكيد روايتهم عن طريق المكتشفات الأثرية، لدعم فكرة أن هذه المنطقة هي مدينة داود المذكورة في التوراة (صموئيل الثاني 5: 9). وكان المنقب الفرنسي ريموند فايل (Raymond Weill) الذي نقب في المنطقة خلال عامي 1913 – 1914 قد اقترح أن هذه المنطقة هي قلعة داود (Weill 1920; 1947). وعلى أية حال، نود أن ننوه أن تقارير الحفريات الأثرية التي جرت في هذه المنطقة قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 لم تطلق على هذه المنطقة اسم "مدينة داود" ولا "قلعة داود"، وإنما "الظهورة". ومن أهم تلك الحفريات التي جرت في الظهورة:

1. الحفريات التي جرت في تسعينيات القرن التاسع عشر في الجهة الجنوبية – الشرقية من هذه المنطقة بحثاً عن أنفاق تحت الأرض وقام بها كل من بلس وديكي (Bliss and Dickie 1898).

2. الحفريات التي قام بها الفرنسي فنسنت في عام 1911 بحثاً عن النظام المائي فيها (Vincent 1911).

3. الحفريات التي قام بها كل من ماكلستر ودنكن في الفترة بين 1923 – 1925 بحثاً عن القلعة اليبوسية، والتي تقول التوراة أن الملك داود قد احتلها من اليبوسيين (Macalister and Duncan 1926).

4. الحفريات التي قامت بها الإنجليزية كاثلين كنيون في الفترة بين 1961 – 1967 (Kenyon 1974). 

أثبتت نتائج هذه الحفريات أن المنطقة العليا في الظهورة وسفحها الشرقي  كانتا مسكونتان من الألف الرابع قبل الميلاد وحتى الآن. لكن بعض الباحثين الإسرائيليين يرى أن منطقة السفح لم تعد مسكونة بعد تدمير القدس على يد نبوخذنصر في حوالي 587 قبل الميلاد، وانحصرت السكنى في قمة منطقة  الظهورة (Greenberg 2009: 39- 41)

بعد احتلال الجزء الباقي من فلسطين عام 1967، قامت إسرائيل بالعديد من الحفريات الأثرية في منطقة سلوان، مواصلة بذلك ما تم خلال النصف الأول من القرن العشرين، وبحثاً عن الأهداف ذاتها. ونذكر منها ما قام به ييغال شيلوح (Yigal Shiloh) من الجامعة العبرية بين السنوات 1978 وحتى 1985 (Shiloh 1984; 1993). ويبدو أن طريقة التنقيب التي اتبعها وتفسيراته العلمية للمكتشفات الأثرية لم تشبع رغبات الحاخامات، لذا نجده يصطدم مع اليهود الأرثوذكس لأنه نقب عام 1981 في قبور اعتقدوا أنها ليهود، وأنه بهذا دمر تراثاً يهودياً. ويدل ذلك دلالة واضحة على أن رجال الدين في إسرائيل يزعمون أن كل ما يعثر عليه في هذه المنطقة هو يهودي. على أية حال، وكما ذكرنا أعلاه، فإننا نعتقد أنه بعد هذا الحدث وضعت حكومة إسرائيل هذه المنطقة تحت تصرف الحاخامات، وهم وراء المخططات الهادفة إلى تحويلها لمتنزه تاريخي. 

يذكر الآثاري الاسرائيلي رفائيل غرينبرغ (Greenberg 2009:41) أنه، وخلال الانتفاضة الأولى، قامت منظمة إسرائيلية غير حكومية تحمل اسم "إيلعاد" (El'ad) وتعني "إلى مدينة داود" (יל עיר דיפד) بادعاء ملكية المنطقة المحيطة بوادي حلوة. بعدها فوضت إسرائيل إدارة المنطقة لمجموعة من المستوطنين الذين بدأوا بتأسيس المتنزه التاريخي فيها. 

كما وجرت تحت إشرافهم بعض الحفريات مثل تلك التي قام بها مازار (Mazar 2006)، الذي ادعى بأنه عثر على مبنى لقصر يعود إلى زمن الملك داود. لكننا نود التبيه إلى أن مؤسسة "إلى مدينة داود" أسست عام 1986 (www.cityofdavid.org.il/IrDavidFoundation_Eng.asp)، أي قبل بدء الانتفاضة الأولى، وأن الأمور كان مخطط  لها سابقاً. وهذه المؤسسة تنشط الآن إمّا بشراء الأراضي المحيطة بالمنطقة، أو بالاستيلاء عليها بالقوة. وبني فوق المنطقة المسماة بمدينة داود، حيث استوطن المستوطنون حديثاً:  كنيس يهودي، وحضانة أطفال، ومركز دراسات أثرية. كما ساعد تعيين إرئييل شارون عام 1992 وزيراً للإسكان في إسرائيل المستوطنين في بناء وحدات سكنية فوق مرتفع الظهورة، وبنوا مبانيهم حتى فوق الآثار (Greenberg 2009: 42). واستطاع المستوطنون بعدها أن يمدوا سلطانهم على مناطق في سلوان والمناطق القريبة منها والواقعة على مجرى وادي ستنا مريم. وبدأت، ولا تزال، سلطة الآثار الإسرائيلية تقوم بالتنقيب في المنطقة، وكشفت النقاب فيها عن بقايا أثرية يعود أقدمها للعصر البرونزي المبكر (الألف الرابع قبل الميلاد)، لكن ترك أمر تلك المكتشفات الأثرية بأيدي المستوطنين. وهم للأسف من يختار أي منها يجب إبرازه للناس.

برأينا أن محاولة بناء القصة التاريخية لمدينة القدس، ومن ضمنها سلوان، يجب أن تعتمد على النصوص التاريخية والمخلفات الأثرية، لا على القصص التوراتية التي كتبت بعد موسى عليه السلام بمئات السنين. أما بخصوص الآثار المكتشفة في المدينة، فلا بد من الإشارة إلى أن مكتشفيها، اللهم إلا من رحم ربي، هم توراتيون، بل وإسرائيليون. وحتى المادة الأثرية المكتشفة، خاصة المؤرخة للفترة الواقعة بين حوالي 2000 و900 قبل الميلاد جاءت قليلة ومبعثرة (Prag 2007)، وجاءت التفسيرات حولها متحيزة أحيانًا، ويجب التأكد من صحتها قبل البناء عليها.  كما أن بعضاً من الباحثين قدم  نظريات حول طبيعة الاستقرار في المدينة خلال تلك الفترة، يشير بعضها إلى أن المدينة أيام داود وسليمان كانت قرية صغيرة وليست مملكة كما يدعي التوراتيون (Steiner 2007; Auld and Steiner 1996: 32).

وعمومًا، فإن الإسرائيليين، لا سيما التوراتيين منهم، قاموا بتفسير آثار المنطقة استنادًا إلى القصص التوراتية، وليس إلى المنهج العلمي والموضوعي، فهم لا يلقون بالاً للآثار المؤرخة لفترات أخرى تخرج عن نطاق الآثار التوراتية، مثل الاسلامية. لقد صب التوراتيون جهدهم في البحث عن آثار المرحلة الأخيرة من العصر البرونزي المتأخر والعصر الحديدي لاعتقادهم بأنهما الفترتان اللتان تمثلان استقرار اليهود في فلسطينن وقيام مملكة إسرائيل القديمة فيها، وذلك لتعزيز شرعية الكيان السياسي "لدولة" إسرائيل الجديدة. 

إلا أن المكتشفات الأثرية في سلوان قد أثبتت أن الناس سكنوا في المنطقة قبل وجود مملكة إسرائيل الفلسطينية بأكثر من ألفي عام. وأن المدرج، الذي يحاول التوراتيون إثبات أنه "الميلّو" الذي بناه داود وسليمان هو، وحسب رأي العالمة الإنجليزية كاثلين كنيون، أقدم بمئات السنين من قيام دولة اسرائيل الفلسطينية.

 

مقابر سلوان:

تقع القبور المحفورة في الصخر في سلوان، والبالغ عددها ما بين 50 – 60 قبراً، على المنحدر الشرقي لوادي ستنا مريم، في الجهة المقابلة للحرم الشريف، أي إلى الجنوب الشرقي لبلدة سلوان، وبالتحديد إلى الجنوب من نبع ستنا مريم. وهي تتكون من ثلاثة أشكال من القبور، هي: القبور ذات السقف المستوي، والقبور ذات السقف المسقوف ببلاطات تشكل شكلاً هرمياً gabled والثالث هو القبر المحفور في داخل حجر منصوب.

اعتقد بعض الرحالة الذين زاروا سلوان في القرن السابع عشر، أن الملك سليمان استخدم قبور البلدة المحفورة في الصخر لإسكان زوجاته ومحظياتهن (Ussishkin 1993: 3). إذ قام عدد من الرحالة والمستكشفين الغربيين قبل عدة قرون بزيارة بلدة سلوان في أثناء زياراتهم لفلسطين، لكنها تكررت كثيراً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ونذكر من أهم هؤلاء: 

R. Richardson, J. S. Buckingham, W. K. Kelly, U. J. Seetzen, C. W. Wilson, F. de Saulcy,  and J. L. Porter.

وقد قدم هؤلاء في تقاريرهم وصفًا للبلدة وسكانها، وقام بعضهم بإجراء تنقيبات أثرية استكشافية في المقابر الصخرية الموجودة فيها(Ussishkin 1993: 1- 13) ، ومنها ما قام به الفرنسي دي سولسي من دراسة لأحد هذه القبور، والمسمى " قبر بنت فرعون " المحفور في الصخر على شكل غرفة، فقاس أبعاده، ورسم واجهته ووصفها (Saulcy1882). وتابع الفرنسي شارلز كليرمونت- غانو في عام 1870 دراسة هذه القبور الصخرية، حيث اكتشف نقشين نقشا بالخط العبري على واجهة أحد القبور "قبر رقم 35"). وتم قص الصخر الذي نقشا عليه عام 1971 بمساعدة القنصل البريطاني في القدس آنذاك، وبتمويل من المتحف البريطاني في لندن. وهما الآن ملك المتحف البريطاني في لندن (Ussishkin 1993: 7). وحصل الإسرائيلي ناحام أفيغاد على طبعة لهذين النقشين من المتحف البريطاني وقام بنشرهما (Avigad 1953; 1955).

وللحصول على مزيد من المعلومات حول هذه القبور، وقبل عام 1948، قام الباحثان أدولف رايفنبرغ (Adolf Reifenberg) وناحام أفيغادNaham Avigad) )  من الجامعة العبرية بدراستها، وذكروا أنهم وجدوا نقشاً على واجهة القبر رقم  34، وبناء عليه اقترحا أنها تخص الملك داود وعائلته (Reifenberg 1948: 134 – 137). ثم قامت بعثة أثرية إسرائيلية برئاسة ديفيد أوسيشكن ابتداء من عام 1968 وحتى عام 1971، أي بعد عام على سقوط سلوان بيد الإسرائيليين بإجراء مسوحات وحفريات أثرية فيها (Ussishkin 1993). ويذكر هذا الأخير في تقريره أنه لاحظ وجود بقايا أثرية بين البيوت العربية الحديثة، علماً أن القبور تقع على المنحدر الصخري وهي من أملاك الكنيستان الروسية والفرنسيسكانية. ولا ينكر هذا الإسرائيلي أن بعض هذه القبور تحولت في الوقت الحاضر لمساكن للناس، أو تشكل أجزاء من بيوت لبعض العائلات.

أما بالنسبة لتأريخ هذه القبور، فلم يتفق الباحثون الإسرائيليون أنفسهم عليه. إذ ذكر بعضهم أن قبر بنت فرعون، وربما بعض القبور الأخرى، تعود لما بعد القرن الخامس قبل الميلاد، وهي الفترة التي يسميها الباحثون الإسرائيليون ما بعد النفي "Post-Exilic "(Lofreda 1973). أما أفيغاد (Avigad ) فقد أرخ القبر 35 المسمى بـقبر كبير خدم الملك "Tomb of the Royal Steward" إلى حوالي 700 قبل الميلاد. لكن الإسرائيلي أوسيشكن يرى غير ذلك ويؤرخها للقرن العاشر قبل الميلاد، وهي الفترة التي يسميها فترة الهيكل الأول ، أي الذي بناه سليمان"First Temple Period"، ويعتمد في تأريخه هذا على عدة أمور أهمها شكل الخط المنقوش على واجهات القبور (Ussishkin 1993: 325-327). ويقول إن هذا الخط كتب على نفس الشاكلة التي كتب فيها الخط العبري القديم.

ومن نافل القول أن نذكر أن طريقة حفر هذه البيوت في الصخر تذكرنا بالأنباط العرب ونحتهم عمائرهم في الصخر كما هو الحال في مدينة البترا في الأردن.كذلك نود الإضافة إلى العلاقات التي ربطت بين الأنباط العرب والقدس خاصة مع نهاية الألف الأول قبل الميلاد وبداية الأول الميلادي، إذ تزوج ملكها هيرودتس أنتيباس من ابنة ملك الأنباط الحارث الرابع  (9 قبل الميلاد – 40 ميلادي)، واسمها "سعده".

ونستطيع القول، أن هذه القبور المحفورة في الصخر والمستخدمة منذ إنشائها وحتى الوقت الحاضر يصعب تأريخها لعدة أسباب:

1. أنها تخلو من أية مكتشفات أو مواد أثرية تساعد في تأريخها.

2. أنها استخدمت عبر العصور المختلفة (الرومانية والبيزنطية والإسلامية)، ولا تزال قيد الاستخدام، ولا توجد أية إشارات إلى بداية استخدامها.

3. لا يمكن ربط هذه المقابر مع بعضها بعضاً لتكون وحدة واحدة، لذا من المستبعد جداً أن تكون خدمت عائلة واحدة. لكننا نعترف أنها تقع جميعاً في نفس المنطقة ولهذا يمكن عدَها وحدة أثرية واحدة، لكن غير متعاصرة.

4. يرى أوسيشكن أن منطقة القبور حفرت في نفس الفترة، وأن المنطقة برمتها تحولت إلى محجر. لكنه في نفس الوقت يذكر أن الحفر في المنطقة مر بأربع مراحل زمنية، لكنها في إطار الفترة الواحدة.

5. يعتقد المنقب أوسيشكن أن جميع تلك القبور قد استخدمت لأغراض دينية، لأن من حفرها استخدم نفس الأدوات والتقنية، ونفس الصخر، ومتشابهة، وأنها تعرضت للحت بفعل العوامل الجوية بنفس المقدار (Ussishkin 1993: 17).

6. عثر الدارسون لقبور سلوان على أربعة نقوش جنائزية منقوشة بخط عبري واحد منها على واجهة القبر المسمى (قبر بنت فرعون ) قصير جداً لا يتعدى محتواه الحرفين (Avigad 1953; 1955; Ussishkin 1993:241- 254)، وهذا غير كاف للاستدلال على صاحبه. أما أطولها فهو المنقوش على واجهة القبر رقم 35، لكن جميع النقوش جنائزية.

ويمكن الاستنتاج مما ذكر أعلاه أن جميع التواريخ المقترحة لمقبرة سلوان اعتمدت على افتراضات وليس على حقائق علمية ثابتة.

النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في سلوان

كُتب الكثير عن آثار مدينة القدس وأجريت فيها الكثير من الحفريات والمسوحات الأثرية من قبل الإسرائيليين وغيرهم، هدفت جميعها إلى البحث عن آثار مملكة إسرائيل التوراتية. ونتج عن هذه الأعمال الميدانية الأثرية مكتشفات أثرية كثيرة حاول مكتشفوها وضعها ضمن إطار زمني، وتاريخي معيّن، ونسبتها إلى مجموعة معينة من البشر، وحاولوا ربطها مع الحدث التوراتي لنسج تاريخٍ لكيان إسرائيل الصهيونية المعاصرة (Abu el-Haj 2001; Feige 2007).

مر أكثر من خمس وسبعين عاماً على سقوط غربي القدس ، وأكثر من سبع وخمسين عاماً على شرقيها، تغيرت خلالها المعطيات الأثرية والتاريخية، وحتى القانونية الدولية، كثيراً. حيث قامت إسرائيل بإجراء عدداً كبيراً من الحفريات الأثرية داخل المدينة وفي محيطها (Greenberg and  Keinan 2007)، خاصة في المنطقة القريبة من الحرم الشريف، مما أدى إلى تغيير ملامح المنطقة كلياً عما كانت عليه عند الاحتلال عام 1967، وإلى تصدع جدران المباني القريبة من منطقة الحفريات. وبالمناسبة لم تجرى في مدينة القدس  نفسها  حفرية أثرية عربية واحدة. 

تربط إسرائيل بين النصوص التوراتية، والمكتشفات الأثرية في إعطاء نفسها الحق لسلب البلاد من أهلها، وفي تأكيد حقها التاريخي المزعوم في فلسطين. إن ما تقوم به إسرائيل من أعمال ميدانية أثرية في الأراضي المحتلة يعد أمرًا مخالفًا للمواثيق الدولية، وعلى المؤسسات الدولية المعنية، مثل، اليونيسكو، مطالبة اسرائيل التوقف عن المضي بذلك، لأنه لا يجوز لها اجراء حفريات أثرية في مناطق محتلة، ولا يحق لها العبث في ممتلكات غيرها التراثية. 

إن قرب موقع سلوان من منطقة الحرم القدسي الشريف قد صبغ عليها صبغة تاريخية، وانعكس ما يجري في المدينة المقدسة على أهلها فأصبحت جزءاً منها. ومن هنا نرى أن جميع الدراسات الإسرائيلية والتوراتية الغربية تربط بين سلوان والمكان الذي اتخذه الملك داود عاصمة له (Gonen 2003). ونتيجة لهذا فقد قررت إسرائيل مؤخراً تحويل بلدة سلوان إلى متنزه تاريخي، يرصد الزائرون فيه، حسب زعمها، الأحداث التي تمت في عهد الملكين داود وسليمان. ولتنفيذ هذا المخطط سلمت الأمر لجماعات المستوطنين(Greenberg 2009: 36) ، الذين باشروا الضغط على أهالي البلدة لإخراجهم منها عنوة. وكانوا في الأصل قد بدأوا بإجراء حفريات أثرية في مناطق متعددة من سلوان.

إن تسليم أمر الدراسات الأثرية وتطوير بلدة سلوان للمستوطنين يعني الربط بين الأيديولوجيا الصهيونية وبين الدين لتحقيق أهدافهم على أرض الواقع. أي أن الحاضر الصهيوني هو امتداد للماضي اليهودي. ولتحقيق هذا المأرب، لا بد من إخراج سكان سلوان العرب منها. وحسب إحصائية إسرائيلية فإن العرب يشكلون الآن ما نسبته 90% من سكان سلوان الذين يتراوح عددهم بين 40.000 – 50.000  ألف نسمة (Greenberg 2009: 36). إن الجمع بين الآثار، والأيديولوجيا الصهيونية، والتاريخ، والدين، والسياسة، لتنفيذ مخططات إسرائيل في سلوان كغيرها من مناطق فلسطين الأخرى، لا يساعد، بل يهدد، فرص السلام المستقبلية بين العرب والإسرائيليين. لذا، فإن على إسرائيل وقف مخططاتها التهويدية في سلوان، ومنها إقامة متنزه تاريخي فيها، وطرد أهلها العرب وتهجيرهم منها.

إن الاستقرار في مدينة القدس سبق وجود مملكة داود وسليمان بأكثر من ألفي عام، وأول مرة تذكر فيها القدس في النصوص التاريخية كان في حوالي 1900 قبل الميلاد (كفافي  2005)، حين كانت إحدى المدن الكنعانية في بلاد الشام، سكنها بعد ذلك اليبوسيون، ومن ثم سقطت بيد اليهود الفلسطينيين، ثم دخلها اليونان وتبعهم الرومان، ومن بعدهم البيزنطيين، ومن ثم فتحت على يد الخليفة عمر بن الخطاب فدخل أهلها الإسلام. لذا، فالقدس كانت دوماً مدينة متعددة الهويات الثقافية في إطارها الزماني، لكن فضاءها عربي الهوية. 

 

المراجع 

1. العربية

كفافي، زيدان 2005، القدس في الألف الثاني قبل الميلاد. الصفحات 335-343 في يوسف محمد عبدالله وآخرون (محررون)، صنعاء الحضارة والتاريخ، المجلد الأول. صنعاء: جامعة صنعاء.  

كفافي، زيدان 2012؛ سلوان بين الآثار والتوراة. الصفحات 271 – 288 من الاصدار الخاص، القدس .. ريحانة الضمير العربي (2-3 نوفمبر 2009). المجلة العربية للعلوم الانسانية. الكويت: جامعة الكويت، مجلس النشر العلمي.                                          

2. الأجنبية

Abu el-Haj, N. 2001; Facts on the Ground: Archaeological Practice and Territorial Self-Fashioning in Israeli Society. Chicago. 

Auld, G. and Steiner, M.  1996; Jerusalem 1: From the Bronze Age to the Maccabees. Cities of the Biblical World. Cambridge: Lutterworth. 

Avigad, N. 1953; Israel Exploration Journal 3: 137 – 152.

Avigad, N. 1955; Israel Exploration Journal 5: 163 – 166.

Bliss, F. and Dickie, A. C. 1898; Excavations at Jerusalem. London.

De Saulcy. F. 1882; Jérusalem. Paris.

Feige, M. 2007; Recovering Authenticity: West Bank Settlers and the Second Stage of National Archaeology. Pp. 277- 298 in P. L. Kohl, M. Kozelsky and N. Ben Yehuda (eds.), Selective Remembrances: Archaeology in the Construction, Commemoration, and Construction of National Pasts. Chicago: Chicago University Press. 

Gonen, R. 2003; Contested Holiness: Jewish, Muslim and Christian Perspectives on the Temple Mount in Jerusalem. Ktaf: Jeresy City.  

Greenberg, R. 2009; Towards an Inclusive Archaeology in Jerusalem: The Case of Silwan/ The City of David. Public Archaeology Vol. 8. No. 1: 35 – 50. 

Greenberg, R. and Keinan, A. 2007; The Present Past of the Israeli Palestinian Conflict: Israeli Archaeology in the West Bank and East Jerusalem. Tel Aviv: The S. Daniel Abraham Center of International Religion Studies, Tel Aviv University. 

Kenyon, K. 1974; Digging Up Jerusalem. London: Benn. 

Loffreda, S. 1973; The Late Chronology of some Rock-Cut Tombs of the Selwan Necropolis, Jerusalem. Liber Annuus 23: 7-36. 

Macalister, R. A. S. and Duncan, J. G. 1926; Excavations on the Hill of Ophel, Jerusalem. Annual of the Palestine Exploration Fund 4. London. 

Mazar, E. 2006; Did I find King David's Palace? Biblical Archaeology Review 32/1: 16- 27, 70. 

Prag, K. 2007; Jerusalem in the Third and Second Millennia B.C. The Archaeological Evidence. Pp. in Z. Kafafi and R. Schick (eds.), Jerusalem Before Islam. British Archaeological Reports International Series. 

Reifenberg, A. 1948; Journal of the Palestine Oriental Society 21: 134-137. 

Shiloh, Y. 1984; Excavations at the City of David. Qedem 19. Monographs of the Institute of Archaeology. 

Jerusalem: Hebrew University.

Shiloh, Y. 1993; Jerusalem. Pp. 701 – 713 in E. Stern et al (eds.), The New Encyclopedia of Archaeological Excavations in the Holy Land. Vol. 2. New York: Simon and Schuster. 

Steiner, M. 2007; Jerusalem in the Late Bronze and Iron Ages. Archaeology Versus Literary Sources. Pp. 69-73 in Z. Kafafi and R. Schick (eds.), Jerusalem before Islam. British Archaeological Reports International Series. 

Ussishkin, D. 1993; The Village of Silwan. The Necropolis from the Period of the Judean Kingdom. Jerusalem: Israel Exploration Society.

 Vincent, L. H. 1911; Jerusalem sous terre. London. 

Weill, R. 1920; La Cité de David 1913-1914. Paris. 

Weill, R. 1947; La Cité de David 1923-1924. Paris.