• 22 حزيران 2025
  • مقابلة خاصة

 

  عمان - أخبار البلد -  يسرنا ان ننشر الورقة  التي قدمها الاستاذ الدكتور زيدان عبد الكافي الكفافي في مؤتمر السياحة المستدامة في الاردن التحديات والفرص“ والذي نظمه منتدى الاردن لحوار السياسات يوم السبت الماضي .

 وتشكر جريدة ” أخبار البلد“ المقدسية الصديق الدكتور الكفافي على ثقته ، على امل ان يستفيد من هذه الورقة الهامة اكبر عدد ممكن من المهتمين بالشان السياحي وبالشان الديني. 

بسم الله الرحمن الرحيم

صاحب المعالي العين المهندس جمال الصرايرة  الأكرم

أصحاب العطوفة والسعادة

السيدات والسادة الحضور

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

نلتقي وإياكم في هذا الصباح العطر، وعلى طريق الخير والمحبة والسلام، في هذا المؤتمر، لنتحدث في موضوع عنوانه "السياحة المستدامة في الأردن: التحديات والفرص". أما أنا فاستميح اللجنة المنظمة، ورئيس الجلسة  سعادة النائب وصفي حداد عذراً أن أسهب بعض الشيء في كلمتي ، لأنني أود أن أفرغ كلاماً يسكن عقلي حول موضوع السياحة الدينية، خاصة وأن عنوان مداخلتي هو "السياحة الدينية وأثرها في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني".

يبدأ الكلام حول الانسان الذي يحمل المعتقد في عقله وقلبه، فمنذ أن خطى هذا الانسان خطواته الأولى على وجه البسيطة حار في أمور كثيرة، فوضع أسئلة حاول الإجابة عليها، فاهتدى إلى الإجابة حول بعضها، لكنه لم يهتدي للأخرى. وكان منها كيف أتى إلى هذا الكون؟ وماذا يحصل بعد مماته؟ وجاءته الإجابات من خلال الديانات، ومن هنا أخذ يعمل على أداء الواجبات المطلوبة منه في الدنيا والآخرة. ونبدأ مع الانسان الذي عاش متجولاً، وصياداً، وجامعاً لقوته، فهذا الانسان وفرت له الطبيعة بخيراتها مأكله وشربه، لكن كان أشد ما حيّره هو كيفية التناسل، والتكاثر الانساني. فماذا فعل؟ وجد أن المرأة هي أصل هذا التكاثر، فنحت دمى أنثوية تظهرها في حالة حمل، وكان هذا قبل أكثر من عشرين ألف عام. وخير مثال على هذا دمية "فيلندورف" التي عثر عليها في المكان الذي يحمل اسم الدمية في فينا.

وبعد أن تغير حال الدنيا، وانقلبت موازينها المناخية، وجد الإنسان أنه مرتبط بمكان واحد، فكان الاستقرار والزراعة، وتدجين الحيوانات. من هنا ارتبطت حياة الانسان وديمومته بالطبيعة بمظاهرها المختلفة من برق، ورعد، ومطر، ورياح، وشمس، وقمر. فكان أن رأى فيها أنها مصدر حياته ولا بد له من عبادتها. فصنع دمى ترمز إلى هذا القوى العظمى التي لا يستطيع الوصول إليها، لكنه حار في كينونتها، وقوتها.  وبدأ الناس كل في بيته يتقرب بممارسات تختلف عن الآخر إلى هذا القوى، والتي كانت بشكل أو بآخر، هي الآلهة الأولى. ومن ثم وبعد أن تكاثر الناس في هذه المستقرات البشرية، وتشكلت العائلات والقبائل، أصبح البيت الشخصي لا يفي بغرض التعبد للإله، فكان المعبد الأول "بيت الله". وإذا كانت أولى بيوت الله قد عثر عليها في "غوبكلي تبه" بجنوب شرقي تركيا الحالية، وتعود لأكثر من عشرة آلاف عام، فإننا في الآردن لنا في أسلافنا في قرية عين غزال خير مثال على وجود "بيت الله" الأول. حيث كشف النقاب عن مجموعة منها، بنيت بأشكال مختلفة.

ومن قال لنا أن هؤلاء الفلاحين الأردنيين الأوائل، أصحاب الفكر الديني المتقدم، كانوا مجرد أناس بسطاء، فلحوا الأرض، ورعوا الأغنام فقط. لا...لقد قام هؤلاء بتقديم الأضاحي الحيوانية، كما أنهم بقوا يقدسون المرأة الحامل. وتطور الأمر خلال الألفين الخامس والرابع قبل الميلاد، حيث مارس سكان تليلات الغسول، وهو موقع يبعد حوالي خمسة كيلومترات إلى الشمال الشرقي من البحر الميت، وعلى مقربة من معمودية السيد المسيح، السحر. حيث عثر المنقبون في الموقع على رسومات مرسومة على جدران المعبد تمثل موكب ديني، وحيوانات خرافية، ومشاهد غير مفهومة. من هنا أستدل على الحالة الفكرية الدينية لهؤلاء الناس.  لقد أقام الفلاحون الأوائل "بيت الله"، فقاموا على خدمته، وصيانته لمدة طويلة.

وخلال النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد وصل الناس في بلاد الشرق الأدنى القديم إلى حالة حضارية متقدمة جداً، فتطورت القرية إلى مدينة، وتشكلت المراكز الحضارية التي سيطرت على مناطق واسعة تحيط بها. لكن ما هو دور المعبد "بيت الله" في كل هذا الأمر؟

أيتها السيدات، أيها السادة،

أصبح لزاماً، ومن الشروط الضرورية لإضفاء على أي مكان صفة مدينة، ضرورة وجود معبد رئيسي، ومعابد أخرى فيه. والمهم ليس البناء، بقدر من يقوم على خدمة هذا المكان، وهم الكهنة. فأصبح المعبد، صاحب الكلمة العليا في المجتمع، فهو الذي يتحكم بالاقتصاد، والناس. وتشير النصوص السومرية أن كهنة المعبد هم الذين كانوا يخصصوا الوظائف للناس، وبيت الله هو الذي يجمع المحصول ويوزعه على الناس. فمن هنا كان ارتباط المجتمع بالمعبد كبيراً، ولا انفكاك عنه. ووجد القائمون على المعبد أنه لا بد من توفير الحماية اللازمة لهم وللمعبد، فكان انشاء الجيش. بعدها أصبح لزاماً، على سبيل المثال لا الحصر، على الملك السومري أن يأخذ مباركة الإله قبل أن يسمح له بتولي سلطاته. وحيث أن الوقت لا يسمح لي بمزيد من الإطالة، أقول أن ملك مدينة كيش السومرية، وقبل حوالي أربعة آلاف عام، ذكر أن الوحي قد نزل عليه من السماء وقال أنه هو الكاهن، والملك في نفس الوقت. 

تميزت المجتمعات المدنية بتعدد الآلهة، وخصص لكل إله معبد، ورمز. ومثل هذا ينسحب على الميثولوجيا الكنعانية، واليونانية. إذاً مع ظهور المدنية، حصل تقدم فكري ديني هائل، وانعكس هذا في طبيعة الآثار المكتشفة، وحتى في التصور الديني. من هنا نرى أن الفرعون المصري "أخناتون" يدعو إلى الوحدانية في حوالي 1350 قبل الميلاد. ليس هذا فقط، فإن الديانة الموسوية انطلقت أيضاً من مصر، ويقدر الباحثون تاريخ خروج موسى من مصر في حوالي 1200 قبل الميلاد. كما أن عالماً ألمانياً خرج علينا بفكرة أن النبي "موسى" هو "أخناتون" نفسه. ومن هنا بدأت الديانات السماوية، والتي ترتبط بعبادة إله واحد. سادت الديانة الموسوية بعض مناطق جنوبي بلاد الشام، جنباً إلى جنب مع الديانات الوثنية. وحسب رأي التوراة فإن أول بيت لله في الديانة اليهودية كانت "خيمة".

بعد قدوم الاسكندر المكدوني في حوالي 332 قبل الميلاد إلى الشرق، واختلاط الحضارتين الغربية والشرقية، رأت بعض الطوائف اليهودية أن شرقيتها في خطر، ودعت إلى إصلاح الحال. وبناء عليه اعتزلت طائفة منهم (الإسينيين) في مناطق وعرة على شاطئ البحر الميت الغربي، وأعتقد أن من بينهم خرج السيد المسيح والنبي يحيى "يوحنا المعمدان". وإذا كانت فلسطين هي المكان الذي ولد، وترعرع فيه السيد المسيح عليه السلام، فإن الأردن هي الأرض التي حضنت الديانة المسيحية بين ذراعيها، وحسبي أن الأنباط هم من تحملوا عبء حماية هذه الديانة. وبدأ المؤمنون بالمسيحية ببناء بيوت الله في كل مكان، فانتشرت الكنائس على طول الأردن وعرضه. وحسبي أن السيد المسيح، وتلاميذه، وأتباعه، وجدوا في كل الحالات في الأردن ملاذاً. فلما طاردتهم الجيوش الرومانية واضطهدهم اليهود في "اورشليم" عام 69/70 ميلادية، وجدوا الأمن في طبقة فحل. 

وبشرت المسيحية "أتباع المعلم"، بقدوم نبي الله المصطفى، وهذا ما ذكرته مخطوطات البحر الميت. وأشار الراهب "بحيرى" بأصبع البنان إلى سيدنا محمد (صلعم) بأنه يحمل صفات النبوة، حين التقاه في ميفعه "أم الرصاص". وكان أول من خاطبهم النبي محمد، وبشرهم بدعوته هم المسيحيين. فأرسل الرسل إلى النجاشي في الحبشة، وملك الروم في بلاد الشام. وعندما انتقلت الدعوة من الكلمة إلى السيف، كان أول من ساعد المسلمين في حروبهم ضد الروم، هم المسيحيون العرب. الذين رأوا في هؤلاء القادمين من الجزيرة العربية أخوة لهم، فزودوهم بكل ما يستطيعون من طعام، وشراب. لذا، وحسب معرفتي المتواضعة، فإن النبي محمد وعندما دخل الكعبة، وجد فيها رسومات تمثل السيد المسيح، والسيدة العذراء فأمر بإبقائها، بينما قام بتحطيم الأصنام. 

انتشر الاسلام، بعد انتصار المسلمين في معركة اليرموك عام 636م، في كل بلاد الشام. ورد المسلمون لإخوتهم المسيحيين المعروف بمثله، فسمحوا لهم بالاستمرار بممارسة طقوسهم الدينية، وبناء كنائسهم. وما اكتشف من كنائس حول مدينة مأدبا خير دليل على ذلك. ويكفيني قولاً أن راهب القدس "صوفرونيوس" سلم مفاتيح القدس للخليفة عمر بن الخطاب سلماً. ولا ننسى أن عمر رفض أن يصلى في كنيسة القيامة خوفاً عليها مما يتبع، فانتحى مكاناً بعيداً وصلى به، فكان جامع عمر في القدس، وبقيت أجراس الكنائس تدق في القدس، ترد عليها أصوات المؤذنين في أخوة صادقة. وبقي الحال على ما هو، والحمد لله، حتى الوقت الحاضر. ومن لم يصدقني فليزر المدن الأردنية حيث تتلاصق بيوت الله في مكان واحد.

وعودة إلى موضوعنا وهو " السياحة الدينية وأثرها في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني"، إذ أننا  وعندما نتحدث عن سياحة دينية في الأردن فإن الكلام يدور مواقع  وكنائس ومساجد وجوامع ومقامات ومزارات تخص الديانتين المسيحية والإسلامية.  ولنبدء بالحديث حول السياحة الدينية المسيحية ومقوماتها في الأردن.  على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة من المؤسسات العامة والخاصة بخصوص السياحة الدينية المسيحية، إلاّ أنني أرى أننا لا زلنا بحاجة لكتابة سردية الديانة المسيحية  في الأردن ابتداء من زيارة السيد المسيح لموقع جدارا "أم قيس"، وتعمده في مياه نهر الأردن في منطقة وادي الخرار، ولجوء المسيحيون الأوائل في عام 69 ميلادية إلى طبقة فحل هرباً من اضطهاد اليهود والوثنيين الرومان ، ودور المسيحيين الغساسنة في انتصار المسلمين في معركة اليرموك وما بعدها. كما يجب أن تتضمن السردية طبيعة حياة المجتمعات المسيحية الأردنية، واستمراريتها في الفترات الإسلامية الأولى. لأن الناس هم نفسهم، لكن منهم من اعتنق الإسلام ومنهم من بقي على مسيحيته.

أمر آخر أرى من الضرورة بمكان أن  تصبح منطقة شمالي الأردن  أيضاً مقصداً سياحياً  للسياحة الدينية المسيحية كغيرها من المناطق الأردنية الأخرى (مادبا، والمعمودية)،  فأينما ذهبت في  محافظات إربد وعجلون والمفرق  تجد كنائس بيزنطية.  وحتى تصبح هذه المناطق مقصداً سياحياً  لا بد من تحسين أو بناء البنية التحتية ، وخاصة الموتيلات. فهل يوجد موتيل واحد في الأغوار؟ لا أعرف.

صحيح أن وزارة السياحة والآثار قد أخذت على عاتقها تطوير موقع أم الجمال  للأغراض السياحة، لكن يجب ربط هذا المكان مع بلدات أخرى مجاورة ، مثل دير الكهف ودير القن.   باعتقادي إن الأخذ بمثل هذا المقترح يطيل إقامة السائح في الأردن، كما يساعد على رفع المستوى المعيشي لأصحاب هذه المناطق البعيدة عن الأعين، حتى الآن.

أما بخصوص السياحة الدينية الإسلامية، فأود أن أشير إلى  أنها لا تزال بحاجة إلى كثير من الجهود لرفع مستواها لتصبح مقاصد  سياحية، خاصة أنه أنه إضافة للمواقع، والمباني الدينية، أن هناك أماكن كانت مفاصل في التاريخ الإسلامي، وهي غير معروفة حتى الآن، وأذكر منها:

  1. منطقة العشّه في محافظة إربد حيث هناك إطلالة على صخرة خالد وموقع معركة اليرموك التي وقعت عام 636م، إضافة لمؤتة وطبقة حل.
  2. مقامات ومزارات الصحابة في الأغوار ومؤتة.
  3. أقدم المساجد/القسطل.
  4. محافظة معان: أذرح/جبل التحكيم، الحميمة/ انطلاق الدعوة العباسية.

هذه بعض من مقومات السياحة الدينية الاسلامية  والتي  لا تزال بحاجة لتعميم المعرفة بها، وتطوير بنيتها التحتية للأغراض السياحية.

بناء على ما سبق، فإن المواقع الأثرية هي بضاعة السياحة الدينية، وحتى  تستمر في أن تقوم بهذا الدور السياحي، وتضيف دخلاً إضافة للدخل الحالي لا بد من المحافظة عليها أولاً، ومن ثم إدراجها ضمن الخارطة السياحية للأردن.

أيتها الأخوات ، أيها الأخوة،

أرجو أن يتسع صدركم لقولي، بأنني أرى أن الديانات لا تختلف بمكنونها، قد اختلافها بطرق تعبدها، وممارسة شعائرها. فمفهوم الإله واحد لديها جميعها، وبيت الله هو: المعبد، والكنيس، والكنيسة، والمسجد، والجامع. فإن اختلفت المفاهيم فالهدف واحد. ومن هنا أرى أن هذه الورشة تصب في قناة الصالح العام، وتؤكد على مفاهيم تاريخية دينية. ولنا في رسول الله محمد "صلعم" وأهله من آل هاشم قدوة لنا.

أشكر الأخوة المنظمين، وأتمنى للمشاركين، والحاضرين مؤتمرا ناجحاً. حمى الله الأردن وأهله في ظل صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني إبن الحسين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته