• 1 كانون أول 2025
  • مقابلة خاصة

 

 القدس - أخبار البلد - كتب خليل العسلي 

 " … كان يتابع العلم وأهله وينشرح لانجازاتهم..ولا يتكبر عن السؤال والمعرفة..ويعرف حقيقة كيف تمشي الأمور.. لا يثير الخلاف..ويبحث عن المخارج للأمور بالتوافق رافضا الصدام..حاضر الذهن ..تسعفه الفكره..ويسوقه الإلهام.. ويقبل النصيحة.يقوم بالواجبات رغم ضعف الجسد.شجاع بالمواقف. 

هذا هو الشيخ عبد العظيم سلهب  رحمة الله عليه "

 بهذه الكلمات المختصرة الصادقة اجمل القاضي "محمد سرندح"  عضو مجلس الاوقاف والشؤون الاسلامية والقاضي في المحكمة الشرعية والخطيب في الأقصى  صفات رئيس مجلس الأوقاف منذ عام ١٩٩٣ والذي رحل عن هذه الدنيا الفانية ، تارك القدس يتيمة حزينة على فراق شخصية دينية تعتبر الاهم في المدينة .

رغم  تفضيل الشيخ سلهب عن أضواء الإعلام الوهاجة ، ورغم منصبه رئيسا لمجلس الأوقاف إلا أنه كان معروفا للقاصي والداني وهذا يفسر مشاركة الآلاف من المقدسيين في تشييع جنازته التي انطلقت من المسجد الأقصى حيث أفنى عمره مدافعا عنه ، وكان أول من حمل مفتاح مصلى باب الرحمة وفتحه رغم الغضب الاسرائيلي عام ٢٠١٩ فهو  وزملاءه في المجلس مدعومين بالمقدسيين المخلصين والمسلمين أفشلوا بهذه الخطوة مخططات تهويد باب الرحمة .

 وها هو اليوم يرقد ملاصقا لباب الرحمة حارسا له حتى يوم الدين ويرقد بالقرب من صحابة رسول الله( صلى الله عليه وسلم )  عبادة بن الصامت أول قاضي في القدس ، والصحابي أوس بن شداد.

 جاءت وفاة الشيخ عبد العظيم لتطوى صفحة هامة من تاريخ شخصيات الجيل الأول من المقدسيين المدافعين عن المدينة ومسجدها من أمثال المحافظ أنور الخطيب والشيخ سعد الدين العلمي والشيخ عبد الحميد السائح والشيح حلمي المحتسب  وغيرهم مما تمكنوا من الحفاظ على الأوقاف الإسلامية والاقصى ودفعوا ثمنا باهظا من اعتقال وإبعاد عن المدينة .

وكما قال الشيخ سلهب في مقدمة كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان " صلاة رغم الحراب":

" قدرنا ان نعيش وترابط في ديار الإسراء والمعراج، ندافع عن وجودنا، و نعتكف في مسجدنا ونصون ونحمي عقول أبنائنا، فكل ما على هذه الأرض مستهدف من قبل قوة احتلالية باغية تريد كسر ارادة شعب يسعى لنيل حريته…"

 وقال الدكتور وصفي الكيلاني المدير التنفيذي للصندوق الهاشمي وعضو مجلس الاوقاف ان الانسان ليخجل عندما يتحدث عن قامة علمية دينية وطنية هامة مثل الشيخ عبد العظيم سلهب، خاصة عندما تعرف انه امضى اكثر من خمسين عاما في خدمة الأقصى والتعليم والقدس . بمعنى أنه كرس جل حياته لهذا الهدف، مما يجعل الواحد منا يأخذه مثالا يحتذي به فلا يشعر بالتعب ولا بالملل ولا بالكلل من عمله خدمة للأقصى .

 وأذكر ذات يوم قرر الشيخ عبد العظيم ان يعتلي سطح قبة الصخرة المشرفة من اجل الاشراف على اعمال الترميم وتفقد الفسيفساء والزخارف الجصية ، وهذا عمل شاق خاصة وانك بحاجة الى تسلق السلالم العالية وغيرها لتصل الى قبة الصخرة المشرفة وهي أعلى نقطة ليس فقط في الاقصى بل في القدس ، فما كان منه إلا أن خلع الجبة والعمامة وتسلق السلالم وكأنه شاب صغير، الجميل جدا ان الشيخ رحمة الله عليه يمتلك   دقة ملاحظة في أعمال الترميم  في الأقصى فهو يعرف كل شيء وتاريخ كل معلم في المكان المقدس .

 وأنهى الدكتور الكيلاني حديثه بالقول إن الشيخ عبد العظيم سلهب له مكانه خاصة في الأردن ، فمنذ منتصف الثمانينات والشيخ موجود في كل وفد مقدسي جاء الى عمان وزادت هذه العلاقة بعد توليه مهام  منصبه رئيسا لمجلس الأوقاف في عام  ١٩٩٣ ، ومعروف أن هناك تقليد هاشمي ملكي يقضي بدعوة مجلس الأوقاف لعمان مرة أو مرتين في  العام من أجل التشاور والاطلاع وتبادل الآراء وتنسيق المواقف خاصة وان مجلس الأوقاف هو تجسيد للوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس 

 وكان جلالة الملك عبد الله الثاني أول من قدم العزاء بوفاة الشيخ عبد العظيم سلهب،  حيث أعرب جلالة الملك عبدﷲ الثاني عن تعازيه بوفاة رئيس مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس سماحة الشيخ عبدالعظيم سلهب، رحمه الله، في برقية بعثها إلى الشيخ “محمد عزام” الخطيب التميمي، نائب رئيس المجلس. وأعرب جلالته في البرقية، عن أصدق مشاعر التعزية والمواساة بهذا المصاب الأليم، مشيدا بجهود الفقيد عبر مسيرته الزاخرة بالعلم والعمل في خدمة المسجد الأقصى المبارك وأوقاف القدس والقضاء الشرعي والتعليم في المدينة المقدسة،.

 سائلا المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.

 كما بعث جلالة الملك برقية مماثلة إلى أسرة الفقيد.

 وكان الملك عبد الله الثاني قد أنعم على الشيخ عبد العظيم سلهب بوسام الاستقلال من الدرجة الأولى عام ٢٠١١، وكذلك وسام المئوية الاولى لتأسيس الدولة الاردنية عام ٢٠٢٢. 

 ولعل  اكثر ما يذكره المقدسيون موقف الشيخ سلهب من عملية التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية ذلك الموقف أعرب عنه في مقابلة مع المركز الفلسطيني للإعلام : 

" كل محاولات التطبيع ستبوء بالفشل، يخرج من يخرج للاحتلال ويتآمر من يتآمر معه؛ لكن المقدسيين متمسكون بأرض القدس وفلسطين وثابتون على مواقفهم مهما كلف الثمن”. 

وأضاف: “المسجد الأقصى قرة عيوننا، ودائرة أوقاف القدس هي التي ترعاه، وهي جزء لا يتجزأ من وزارة الأوقاف الأردنية، والرعاية الهاشمية قائمة منذ عقود، وهي استمرار للرعاية الإسلامية للمسجد الأقصى في كل العصور من لدن رسولنا الكريم حتى هذه اللحظة، وهذه الرعاية متفق عليها بين جميع الدول”. 

 وتمتع الشيخ عبد العظيم سلهب بذاكرة قوية تثير الإعجاب ، أذكر ذات  يوم اني سالته بعد انتهاء اجتماع مجلس الأوقاف الإسلامية والذي عقد في القبة النحوية قبالة قبة الصخرة في المسجد الأقصى ، عن كتاب قديم للغاية في الأحكام الإسلامية فقال لي بدون تردد  تفاصيل اذهلتني عن هذا الكتاب وعدد أجزائه واين يوجد واي جزء خرج من الأقصى ولم يعد وعلى يد من  أحد الاشخاص ، بل واخذ بيدي وتوجهنا الى خزانة خشبية  زجاجية انيقة حيث يحفظ فيها هذا الكتاب من بين الآلاف الكتب في الأقصى .

هذا العمل يحتاج  الى ذاكرة كذاكرة الشيخ " عبد العظيم سلهب " لحفظها وحمايتها من الضياع  ..

في كل مرة كنا نجتمع ونلتقي  كنت اعيد واكرر طلبي ان يحكي حكاية القدس التي هي حكايته وحكاية الاقصى ، فكان تقول لي رحمة الله عليه : ليس وقتها… وانا لست الحكاية بل شاهدا عليها، فليس المهم من انا المهم الاقصى والعمل من اجله والحفاظ عليه.

 وكان للقدر رأي آخر ولم ياتي ذلك اليوم الذي يحكي فيه الشيخ سلهب حكايته، لتبقى الحكاية المقدسية ناقصة فصلا هاما في السردية المقاومة، في انتظار من سيكمل هذه الحكاية .

 بعد أن غيب الموت الشيخ عبد العظيم سلهب رئيس مجلس الأوقاف ومن قبله بأشهر قليلة الدكتور مهدي عبد الهادي عضو مجلس الأوقاف مدير الجمعية الفلسطينية الاكاديمية للشؤون الدولية " باسيا" فقد مجلس الأوقاف اثنين من أهم أعمدته في هذا الوقت بالذات الذي يواجه  فيه المجلس ومن وراءه دائرة الأوقاف الاسلامية بالقدس برمتها الأخطار التي تحيق بالبشر والحجر وخاصة بالأقصى. 

وفي الحوار الهاتفي الأخير بيننا ، قال لي الشيخ عبد العظيم الكثير الكثير مما في ذاكرته الواسعة الجامعة وبعضا يسيرا مما عشاه ويعرف وقليلا من أوراق الماضي ، كم كنت سعيدا بهذا الحوار فكنت بمثابة التلميذ المؤدب الصامت الذي يستمع إلى أستاذ عملاق يتحدث ولا يقاطعه ، كم تمنيت أن يستمر هذا الحوار ، ولكنه قال لي بهدوءه المعروف: 

خلص بكفيك هذا يا خليل، كنت امل ان نعاود الحديث …….   ولم نعاود الحديث … 

واكتفينا بقراءة الفاتحة على روح هذا الإنسان المخلص الصادق للقدس وللأقصى والمدافع العنيد على الوصاية الهاشمية.

 

 

الشيخ عبد العظيم سلهب في سطور

 من مواليد الخليل عام ١٩٤٦ 

درس المرحلة الأساسية في المدرسة الإبراهيمية في مدينة الخليل، والثانوية في مدرسة ال حسين بن علي الثانوية، وحصل منها على الثانوية العامة في الفرع العلمي عام 1964.

 ونال درجة البكالوريوس في الشريعة من كلية الشريعة في عَمَّان عام 1968 في فوجها الأول، تتلمذ الشيخ عبد العظيم خلال دراسته في الجامعة الأردنية على يد علماء، أبرزهم الشيخ عبد العظيم جودة فياض الصوفي. 

عمل موظفاً في المحاكم الشرعية، فكان رئيسا لكُتَّاب المحكمة الشرعية في القدس، ثم قاضياً شرعيا ً في مدن أريحا ونابلس والخليل والقدس، ثم عضو في محكمة الاستئناف الشرعية.

 وقائماً بأعمال قاضي القضاة في القدس ابتداء من عام 1998، انتدب عام 1989 ليتولى منصب مساعد الأمين العام لشؤون الضفة الغربية ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن، ثم مساعداً للأمين العام لشؤون القدس بالإضافة لعمله قائماً بأعمال قاضي القضاة في القدس. 

عين عضواً في مجلس الأوقاف في القدس دورات متعاقبة ثم أصبح رئيساً له 

عضو مجلس أمناء كلية الدعوة وأصول الدين ثم رئيساً له وعضو مجلس أمناء كلية العلوم والتكنولوجيا وعضو مجلس أمناء مدرسة المعهد العربي

 عضو مجلس أمناء جامعة القدس

 وساهم في تأسيس جمعية لجنة العلوم والثقافة الإسلامية المشرفة على مدارس الإيمان في القدس عام ١٩٨٣ ثم أصبح رئيساً لها عام 1993، ورئيس مجلس أمناء مدرسة الإيمان في القدس.

 ساهم الشيخ عبد العظيم بإدارة مشاريع إعمار المسجد الأقصى المبارك بالتعاون مع إخوانه في دائرة الأوقاف الإسلامية ولجنة الإعمار، وفي عهده تم تبليط المصلى المرواني و مصلى الأقصى القديم ومساحات عديدة أخرى، وإعمار قبة الصخرة المشرفة وجميع القباب في ساحات المسجد الأقصى ومآذنه والكثير من المدارس التاريخية المحيطة بالمسجد الأقصى، وإقامة المرافق العامة للمسجد، وله العديد من المؤلفات.