• 6 حزيران 2021
  • ثقافيات

  وتستمر شبكة " أخبار البلد" بنشر شهادات حية او انطباعات شخصية لمثقفين وكتب وصناع راي حول ما جرى في النكسة التي كانت اثارها عميقة في  الجسد العربي المثخن بالجراح .

 وهذا ما كتبته المؤرخة والكاتبة بنت القدس البارة  "نائلة الوعري" خصيصا لشبكة " أخبار البلد " : 

 

 الزمان : صباح الاثنين ٥ حزيران. بداية الحرب

 المكان:  حارة السعدية  في البلدة القديمة في القدس الغالية،  عند مدخل منزلنا كان هناك درج يؤدي الى بيت عتم!! مخيف ! يسكن فيه العم ابو فخري باحة ، وكان ذلك المنزل المخيف مكون من  غرفتي نوم وبئر ماء  ! ومدفون قرب البئر ولي من اولياء الله لا يعرف احد من هو رحمة الله عليه  !!

 كنا ونحن صغار نخاف الاقتراب من هدا المكان ، فالعتمة فيه كانت تثير في قلوبنا الصغيرة الكثير من الخيال المخيف ،  ولكن بعد سماع صوت ازيز الطائرات الحربية التي كانت تحترق سماء القدس التي لم تكن زرقاء في هذا يوم ،  طلبت مني والدتي ان  اصطحب اخواني واخواتي من الطابق الثاني ، حيث نسكن وانزل بهم عند العم ابو فخري ، والذي تدفق عليه الجيران بسرعة من الحارة حتى اني لم اجد مكان اضع اخواني الصغار ..   بينما امي قد بدأت بجمع بعض الماء والطعام واغطية للأطفال !

 كنا نسمع  . صوت الطائرات التي لم تكن بالتأكيد صديقة بل طائرات تقذف الموت وتنشره بكل مكان تسقط فه قنابلها! والقصف  فوق رؤوسنا ، صراخ الاطفال  ادخل الرعب  في قلوب الأمهات الاتي كن يرتعدنا خوفا على أطفالهن  !!

 الرجال مجتمعون قرب راديو ترانزستور الوحيد الذي كان في الجوار لمعرفة ما يجرى خارج الحارة  ! ولكنهم  لا يستطيعون سماع شيء بسبب  صوت الطائرات المرعب ، ولهذا لم يعرفوا ماذا يحصل في الخارج !! أمي تبكي بحرقة وخوف وحولها خمسة أطفال يبكون ويرتعدون ، فهم لا ذنب لهم سوى انهم قدموا الى  هذه الدنيا في هذ الوقت بالذات في هذه المدينة  

 في صباح السادس حزيران نام الاطفال من شدة البكاء والخوف وخرج بعض الشباب من الجيران ليعرفوا ماذا حدث في حيهم وفي بلدهم وفي مدينتهم ، وكان الشعور ان جنود الاحتلال قد وصلوا المدينة بعد ليلة قصف مدفعي وجوي لم تبقى انسان حيا تواجد في الشوارع .

 وبعد سماع خطوات العسكر اليهودي في الحارة قال احدهم جملة لن انساها ما دمت حية، جملة كان وقعها على حتى وانا طفلة عميقا ، وبقيت اثارها في نفسي حتى هذا اليوم .

 قال هذا الرجل بصوت ممزوج بالدموع والحزن : لقد  سقطت القدس، ولم يستطع اكمال عبارته لان صوته اختنق ، فاكمل احد الشباب قائلا ان الجنود ينتشرون في الحارات  انتبهوا يا ناس ! فهؤلاء الجنود متوجهون نحو المسجد الاقصى .يا الله ما اصعب هذه اللحظات !!

 بعد ساعات طلب الجنود الصهاينة  عبر الميكروفون من اهالي القدس رجالا وشبابا بتسليم انفسهم والتوجه نحو الملعب الامريكاني  في الحارة!! رافعين أيديهم، فعلا فعلو حيث تم احتجازهم  هناك لعدة ساعات كنوع من التخويف والترهيب وتأكيد ان هناك حالة قد تغيرت في القدس  ثم تركوهم ..

وجاءت بعض الاصوات من هنا وهناك( بعضها أصوات غير شريف، واصوات لها نوايا سيئة)  الدعاية الى الهرب من المدينة  والخروج باتجاه الاردن او إلى أريحا خوفا من تكرار المجازر  التي حصلت في العام ١٩٤٨.  ولكن الكثير من العائلات رفضت بشكل قاطع  ترك بيوتهم والرحيل ، وجاءت هذه النصيحة  من العم ابو فخري   والذي طالب الأهالي  البقاء في بيوتهم ولا يكرروا مأساة النكبة .. والحمد لله لم يخرج اهالي القدس الا المضطر وهم نغر قليل للغاية  . 

اما خارج اسوار القدس فلقد شهدن وللأسف هروب من الخوف ولكن الخوف والموت كنت بانتظارهم في الطريق من القدس الى اريحا بفعل  طائرات الاحتلال وقنص الجنود للأهالي الهاربة خارج المدينة  رحمة الله عليهم جميعا !  ام القليل منهم فلقد تمكن من عبور النهر بسلام وصل سالما  .

و بقينا في القدس الى ما بعد  الحرب بأسبوع ، حيث طلب والدي منا الالتحاق به في عمان حيث كان هناك مقر عمله  فقد كنا  كعائلة امي واخواني واخواتي ممن تركوا القدس في اول باص باتجاه عمان للانضمام الى والدي الذي كان خائف علينا، ولا يستطيع الوصول الينا . ولا زلت اذكر هذه اليوم الذي غادرت فيه القدس وانا طفلة صغيرة ولكنه حفر في الذاكرة الى الابد فأمام باب الساهرة صعد المغادرون الى الباص المتجه الى عمان  كان الوداع ويوم مغادرة القدس يوما لا ينسى ، نحيب ودموع وصراخ المودعين من اهل وجيران، كلما نتذكر هذا اليوم لا زالت الدموع تنهمر وكانه وقع بالأمس ، انها القدس يا ناس . 

وغادرنا  القدس  ! لا اتذكر اليوم بالضبط ولكن بدأنا رحلة نزوح صعبة عبر الجسر الذي غنت له فيروز واسمته جسر العودة ( لكننا لم نعد )