• 26 تموز 2021
  • ثقافيات

 

 بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام

 

 " لقد كتبت هذه المقالة بمناسبة عيد الأضحى المبارك ، ولكن لم يتم نشرها في الوقت المناسب ورغم ذلك فان أهميتها تكمن في ذلك الموروث الشعبي الذي تحتويه ولهذا نستبيح الباحث الشيخ "مازن اهرام" عذرا التأخير ونقوم بنشرها بعد التعديل":

 مشاعر الوجدان القلبي والمشاعر الدينية  التي تتوالى على المسلمين في أنحاء المعمورة  وإقامة  وتعظيم شعائر الله  من  مناسك  تعبدية  والوقوف في عرفات الله كما أشار رسول الله  صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في الحديث الشريف

( الحج عرفة ) الإمتثال بالأمر الشرعي  والإقتداء بسنن الأنبياء إبراهيم وإسماعيل  وسيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام 

وفي القدس المسرى  والأقصى  الغائبة عن عيون العالم  وحالها يقول (وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا) يتوافد المقدسيون لإداء صلاة عيد الأضحى المبارك ويباشرون أضاحيهم  وتفقد أرحامهم رغم ألآم الجراح والأحزان والأسر  والقهر   يُدخلون الأفراح على أطفالهم ويتبادلون التحيات  والعيديات  يُحبون الحياة  ويعشقون الحرية  يتلمسون الفرج القريب يإذن الله

  في الطريق تسمرت واقفاً  وقد رجعت بي ذكريات الطفولة أنظر إلى الأطفال  يتسابقون على الأرجوحة وأصوات ضحكاتهم  يتسارعون  ليعتلي أحدهم  الأرجوحة 

 هذه الارجوجة  لها أصلا اسطوري منذ الزمن الروماني حيث تقول هذه الأسطورة :  أن المعبود الروماني (باكشيس) "إله الخمر والنبيذ" غضب في إحدى سنوات الجدب على مزارعي العنب (الكرم) بسبب تقصيرهم لإنتاج العنب في ذلك العام وأمرهم بأن يقوموا بألعاب بهلوانية صعبة تعرض حياتهم للخطر . وبهذه الطريقة يكفرون عن ذنوبهم ومن ثم يرضى عن من يشاء منهم ويرزقهم بالمحصول الوفير مرة أخرى . وكان من ضمن تلك الألعاب لعبة عبارة عن التأرجح الفردي أو الجماعي مع الحركات البهلوانية على حبل معلق بين شجرتين عاليتين. وبعد ذلك اتخذت الأرجوحة رمزاً روحانيا ودينياً مقدسا يعمل في الأعياد والمناسبات ولا يقوم بها إلا أناس ذووا خبرة عالية ومراس شديد وذلك للهو واللعب والمرح وتمضية الوقت مع الأصدقاء والأحباب في جميع المناسبات

 ان الارجوحة او المرْجوحة لعبة شعبية يلعبها الناس بمختلف أعمارهم باختيار  شجرة عالية يُربط  بها حبلان متوازيان  ثُم يُثبت مقعد من الخشب في طرفي الحبلان كمقعد يجلس عليه المتأرجح   ويتم تتدافعه من الأمام والخلف فتارة يعلو وتارة يهبط 

الأرجوحة هي لعبة شعبية أُطلق عليها في عدة بلاد  عربية  مُسميات  عدة الأل والزحلوقة  والدوداة  المطوحة  والتريميزان  والميزان  والمرجحانة  والنُواعة  والنَواطة  والطواحة  وكما جاء في تاج العروس  للزبيدي  ولسان العرب لابن منظور  , قال امرؤ القيس  :

لِمن زُحلوقةُ   زُلُ      بها العًيْنان  تنْهلُ

ينادي الأخر الأُذل       ألاخُلًوا , ألاخُلَوا

وفي شعر  أبي طالب  المأموني يصف  الأرجوحة

سفينةُ  لا على ماءِ  ملجلجةِ             تجري براكبها  في لجة  الريح

إذا انتهت بي إلى أقصى نهايتها           عادت كجري  أتيِ سال مسفوح


أتصور أن لكل أحد فينا أرجوحته  فالحياة تكمن على الأرجوحة وهي السر فعلاً، إن ركوبنا الأرجوحة هي أول مؤشر على أننا بدأنا مغامرة الحياة! ألم تكن الأرجوحة ونحن صغار هي دليل على أن ذلك الصغير بدأ يكبر وأصبح بطلاً حتى أنه لم يعد يخشى الركوب في الأرجوحة؟! انها كذلك الآن ايضاً فركوبنا يعني إرادتنا للحياة.

لا أحد ليس لديه أرجوحته الخاصة، إننا ندفع الأرجوحة محاولين الحياة قد لا تتحرك أول مرة فنعرف أننا نحتاج ان دفع ونحاول أكثر وأكثر، وحين  نتأمل  من حولنا نكتشف أن منهم  من يعرفون كيف يقتربون للسماء، بعضهم قد أتقن ذلك بعد ان تعرف على أبجديات الدفع بشجاعة وبعضهم فعلها بمساعدة آخرين!

الأرجوحة هي أن نحاول مراراً حتى نتقن اللعبة جيداً فننتشى ونصرخ وتعلو قيمتنا في أنفسنا ومن حولنا. فنظل نحاول إن نبتكر طرقاً جديدة في الدفع واللعب. وسرعان ما نحلق عالياً ثم   نهوي  ويا للخيبة!

 لكن ليس لأننا أخطأنا أو أننا لم نتبع قوانين اللعب بل لأن القانون الوحيد هنا هو أن نعلو ونهوي، نرتفع ونهبط حتى نعرف حركة الحياة، فتصبح اللعبة أكثر إثارة!

هناك من يتعبه تكرار الهبوط فقد يتوقف ويجلس مقابل الأرجوحة ويمعن النظر فيها! وهناك من يطمع بأن يعلق في السماء دون العودة للأرض!!

يا صديقي إن الحياة أرجوحة تعلو بنا تارة وتهوى بنا تارة ورغم هذا نحاول ونبتسم  ، نحن الذين سنبتسم رغم تزامن ربيع شبابنا مع خريف عمرنا، رغم تناثر وريقات أحلامنا على رصيف أملنا المغطى بحصى الخيبة.

نحن الذين تجمعنا البهجة، ويلم شملنا عيد ومناسبة، نلتقي لنتبادل التهاني والمباركات، ونردد من أعماقنا:

هذا العيد ممتع، والقادم أفضل إن شاء الله  نحن الذين نصمت حبا لا انكسارا، قوة لا ضعفا، لنخالف اولئك الذين ينغصون علينا الحياة حتى في أيام العيد، ونطلق العنان لأقلامنا كي تنثر الفرحة عبر اثير هذا الموقع الأزرق، واقعا لا افتراضا.

سنبتسم، مبرقين رسائل حب وفرح للجميع، مرددين أن العيد للسعادة والمرح، والواجب إظهار الفرحة كيفما كانت أحوالنا

ها نحن نبتسم، ولو تم التقاط ألف صورة أخرى سنبتسم، لننثر البسمة على محياكم أيها الثقلاء الذين تحزنون يوم العيد وكأن على رؤوسكم الطير

واليوم على ارجوحة  الزمن  نعيش  الأمنيات  بين افق  الأمل وقاع الأمل  فإدفعوها  بالتفاؤل  والدعاء
قد نسميها  الاهداف  وقد نسميها الرغبات .. أو احلامنا الجميلة
تعدد الاعتبار والكل لذلك المعنى يشير 
عبر تلكم الارجوحة ،،، التي ترتفع بنا من ارض الواقع الى سماء الاحلام وتحقيقها
ونشوة ذلك الشعور الذي يثير فينا الحماس نحو تحقيق الاهداف  ، والشعور بالاندفاع والرغبة بطي طريق النجاح وبلوغ الامنيات ، هذا الشعور في تصاعد وتزايد ما دمنا محلقين بتلك الارجوحة
هذا الشعور الايجابي الذي يضخ العزيمة ويشعل الرغبة في الانجاز يبقى متقدا ما دمنا في سماء الاحلام
ولكن ما ان ترجع بنا الارجوحة الى ارض الواقع بحكم جاذبية الحقيقة التي لا مفر منها 
وان الامنيات التي رأيناها تتحقق من على السحاب وبين الغيوم لا نلمس وجودها ولا نراها ماثلة امامنا ؟
فنغرق شيئا.. فشيئا في المشاعر السلبية
ويستولي على ذلك العزم والاندفاع الخمول والتراجع !!!
ونتقلب بين حفر التسويف والمماطلة في انجاز وتحقيق اهدافنا وامنياتنا
كسلا أو خوفا من التغيير أو العواقب ، او العيش في مثالية الاحلام والتخيل
تلك الارجوحة بالرغم من روعة فاعليتها في حياتنا الا ان الافراط في التحليق فيها وادامة الصعود بها سيجعلنا
حالمين فقط !!!.. متمنين ... !!!
التوازن بين الرؤية المستقبلية والامكانيات الحقيقية المتاحة امرا يمليه العلم ويوجبه التعقل السليم
واجتهاد ليحقق تلكم الاحلام والاهداف
أركب في تلك الارجوحة ولا تتردد فهي مناسبة لجميع الاعمار
لا تقول فاتني الكثير ... تقدم بي العمر ... راح توهج طاقاتي
لا تيأس
فلا تمهل فما في العمر مهل ولاتصعّبها فالأمر سهل !!
تعلم ، مارس المهارات المختلفة ، تطلع الى علاقات جديدة ، انفتح ولا تنغلق .. كن صاحب رسالة ورؤية في الحياة
وما الحياة إلا أرجوحة
نهواها فنعلوها تأخذنا للأمام تارة ،، وللوراء تارة أخرى
أراها  كالأحزان توجعنا ،، وكالأفراح تسعدنا
كلما أطلنا المكوث عليها
كلما تمنينا ان نعلو أكثر وأكثر
وإذا ما مللنا وأرهقنا التعب
أرانا نهوى النزول
ولكن كسالى ،، بروح متعبة
وإذا ما أصبحنا واقفين
نظرنا إليها
بفضول كبير
أليس المكوث عليها أجمل
لما لا نعاود الكرة
وكأننا لم نمل ،، ولم نسأم
كمن تجرحه الأيام ،، ويظلمه القهر
وتوجعه الآلام
ليقول هل مزيد ..؟؟
فقد تعود البكاء ،، ليعود ليبتسم
تعود أن يجرح ،، ليبرأ بنفسه علته
غريب أمرك أيها الإنسان
تتأرجح وأحاسيسك
على أرجوحة الزمان
تارة لتعود أدراجك لذكرى آلمتك
وتارة لتتناسى الماضي وتبحث عن بريق من أمل
وأراك لا تقنع لا بحزن ولا بفرح
تتأرجح وتتأرجح
فيا أشجان فارقيني بعودتك للوراء
ويا أفراح أقبلي علي
وأبدا لا تهوى النزول
ولكن
مرغم أنت عليه
فلا تطل المكوث ،، متأرجحا
قد تقع أرضاً،، ولا تجد من يأخذ بيدك
نحن ها نحن نبتسم وسنبقى نبتسم

 

 

المراجع  :

1) الحديث الشريف (الحج عرفة  )

2) الحج القصد إلى معظم

3) ابن الجوزي الصواب أُرجوحة

4) تاج  العروس  للزبيدي  عن الأرجوحة

5) الشاعر امرؤ القيس 

6) المرجحانة كتاب (محاضرات الأدباء  ومحاورات  الشعراء البلغاء

7 ) الراغب  الأصفهاني تُوفي (عام1108م)

8) أبي طالب  المأموني (توفي عام 993م) وصف الأرجوحة 

9) خادم أبي الفضل مشرف في قسمي الأسرة والأطفال

10) الكاتب شفيق العبادي