• 26 تموز 2022
  • ثقافيات

 

 القدس - أخبار البلد - كتب الكاتبة نزهة الرملاوي  حول كتاب " وطن على شراع الذاكرة "  الصادر عن  دار الأسوار في عكّا وهو عبارة وهو رسائل متبادلة بين الأديبة الفلسطينيّة د. روز اليوسف شعبان المقيمة في بلدة طرعان في الجليل الفلسطيني، والسّفير الفلسطيني الدّكتور الشّاعر د. عمر صبري كتمتو المقيم في أوسلو.  وجاء في نص الرسالة التي وجهتها الكاتبة نزهة الرملاوي وقامت شبكة " أخبار البلد" المقدسية بنشرها : 

بعد التّحية والسّلام، والرسائل الباعثة للإلهام، ها أنا ألملم شتات روحي وبقايا تأثري بعد انتهائي من قراءة رسائلكما الموسومة في كتاب وطن على شراع الذاكرة، تلك الرسائل التي ولدت من رحم الصّدفة ومن لقاءات ثقافية مميّزة في فضاء أزرق رحيب.

 رسائل رومانسية كتبتني على أشرعة الأبجديات، رسمتني كمنارة شامخة قبالة السّاحل، هناك حيث تغازل الشّمس عكّا فتنطوي خجلا خلف الأسوار، تستحمّ  في بحرها الأبيض، تمشّط شعرها بالنّور، وتطلق تراتيل عشق للحياة، وصلوات أمل بالحريّة.

رسائل حنين أخذتني إلى البعيد البعيد، إلى الجليل وطرعان وقصائد شوق تحيي تشرين من قلب روز الجميلة، حملتني إلى عكا وعمر الصغير وبيته العتيق، إلى شجرة تين تنتظر طيورا هجّرت وما عادت، تنتظر كهلا فارقها صغيرا، آنست ذاكرته جذورها الباقية، وبيتا يسكنه مهجّر آخر، بكى، ترك القلب معلّقا في فضاء المدينة، ثمّ مضى في شوارع الاغتراب.

رسائل أغرقتني بعواطفها الجيّاشة، أبكتني، أخذتني إلى منازل الغربة، نبشت حقول الذاكرة وعرّتها، جالت بالأمكنة وتنهّدت، كعبق جميل يلاحقنا يغلّف أجواءنا لنحيا، صور معلقة على جدران أزمنة جميلة، لا نستطيع نسيانها؛ بل نستمد منها العزيمة والثبات.

رسائل صنعت من الوقت الرّاحل حكاية المستقبل، أخذت تثبّت أشرعة الذاكرة بقوّة؛ كي لا تمزقها رياح الغربة، ويبقى عمر في غياهبها فتنساه الأماكن.

شاركت روز الفرح وهي تراقـص الـورود والأزهـار، وتشـدو مـع العنـادل والبلابل، وشاركتها الحزن لانطفاء النور وانحناء السنابل قهرا وذلّا.

 أيها الكهل العائد من سفر بعيد، ما نسيتك عكا ولا رمال شاطئها، ولا تسابيح فجرها النادي، ما نسيتك فاطمة ولا مطعم خريستو ولا قناديل الحارة ولا تكبيرات الجزار ولا طاسات العذراء، بل كان فرحهم بعودتك بحجم السماء، فتحت لك المدينة قلبها، فأسمعتك دقات الاشتياق السّاكنة في زوايا الحارات ولمّة الأحباب في بيوتها الدافئة.

أحبائي: قرأت رسائلكما المكتوبة بحبر الحزن والألم، قرأت بين ثناياها الأمل بعودة قريبة، رغم قذارة النكبة ووحشيّة اللجوء وعقود الشقاء.

 رسائل أزاحت السّتائر عن مشاهد نكبتنا المؤلمة، طفل يمسك بيد أخته وعيناه لا تفارق ألعابه الباكية وخربشاته المتروكة بالدفاتر تحت ظلال تينة وفيّة ثابتة، بكت المهاجرين وأصواتهم، والمؤمنين وصلواتهم، بكت أناشيد الطفولة وحقائب سفر مزّقتها المراكب الراحلة، بكت ألعاب الطفولة وروضة ما غابت عن خيال الصغير.

التينة تنوح في مسامعي وقلبي يعلو بالصّراخ: يا إلهي: أيّ تين يحمل جبالا من الهموم، ينتظر وفود العائدين ولا يعتريه اليأس، ولا يطويه الملل إلا تين الوطن؟!

أحبائي: شكرا لرسائل أبهجتنا، امتلكت حلاوة السّرد بحروف جميلة رقيقة، وجمل متماسكة دقيقة، أثارت عواطفنا وتماهت ما بين القلب المغترب والقلب الشاعر بالاغتراب، ما أرقّ تلك المشاعر حين تغرقنا بالأمل، نتوسّم النصر على الفقد ومرارة الغياب!