• 22 تشرين الثاني 2014
  • حكايات مقدسية

د يوسف النتشه *

 قيل الكثير عن مكانة القدس في التصوف عبر التاريخ الاسلامي، بل ان هناك  من قال ان  القدس كانت عاصمة التصوف، ويستدلون على ذلك بكثرة الزوايا والخلوات التي لم يبقى منها الا القليل ، هذا القليل الذي لا زال يحافظ على طابعه التصوفي الرائع رغم ابتعاد الناس في القدس عنه ، الا انه لا زال يثير اهتمام الكثيرين

 ومجلة " اخبار البلد"  تفتخر بان تقوم بنشر دراسة موسعة قام بها الباحث والخبير بكل ما هل علاقة بالقدس واعمالها واعيانها والتصوف فيها ،  انه الدكتور  يوسف النتشة  ونشكره على انه خص المجلة بهذه الدراسة القيمة:  

 

ماهية التصوف

الصوفية لغويا، لفظة عربية اشتقت من الصوف، واطلقت على من لبسه رغبة في التقشف.  والمعنى الاصطلاحي للتصوف هو العكوف على العبادة، والانقطاع الى الله تعالى، والابتعاد عن زخرف الدنيا، والزهد فيما يقبل علية الجمهور من لذة ومال وجاة.  والصوفية بهذا المعنى والمضمون بدات مبكرة في الاسلام، فهذا في الواقع مسلك الرسول محمد عليه السلام ومسلك كثيرمن الصحابة. 

لم تبقى الصوفية في الاسلام في العقود والقرون التالية على بساطتها ونقاوتها، بل تطورت وتعقدت افكارها ومسالكها ومرت بادوار ومراحل واصبحت لها مدارس، مثلها في ذلك مثل مباحث اخرى في الدين الاسلامي. فبعد صوفية الزهد والعبادة البسيطة، ظهرت مدارس للصوفية المتفلسفة نشدت تفسيرا لعلاقة المتصوف مع الخالق والكون. وتم الخوض في صفات الخالق والخروج بنظريات فلسفية في تفسير الوجود ووسائل المعرفة .

ويبدو ان هذه الصوفية قد تأثرت بالتيارات الفكرية والدينية والفلسفية التي سادت في الثقافات التي عاصرت الاسلام. فهذه رابعة العدوية(ت185/801-02) تصرح بان طاعة الله لا تكون خوفا من ناره ولا طمعا في جنته، بل ابتغاء مرضاته.  وابو يزيد البسطامي (ت 260/875) تحدث عن نظرية الفناء والاتحاد، لكن الفناء عنده ليس كالهندية يؤدي للعدم، بل هو فناء المحب(الصوفي) في المحبوب (الله). والحلاج (ت 309/922) نادى بنظرية الحلول والتي هي صورة من صور الاتحاد واندماج الطبيعة الانسانية في الطبيعة الالهية.  وابن العربي(ت638/1240) قال بوحدة الوجود.

اختلاف الفقهاء مع المتصوفة

لم يكن الامر سهلا طيله فترة اذدهار التصوف والطرق الصوفية بل ظهر تباين واختلاف بين الفقهاء والصوفية، فبين جزع الفقهاء على نقاوة الدين وبساطته، وعصي فهم العامة لما ينادي به بعضا من المتصوفة، ومع تسمم وفساد الاجواء السياسية واستغلالها لتصفية الخصوم بذريعة حماية الدين والشريعة، وتحت وطأة مهاجمة علماء الشريعة للفلاسفة والمتصوفين المتفلسفين، صفي بعض اقطاب هذا المسلك مما مهد الطريق لاختفائه، وظهور دور اخر للصوفية، كان من ابرز اعلامه الامام الغزالي (ت505/1111)، الذي اقام في القدس مدة خصصها للرد على الفلاسفة وخرج بنظرية صوفية من اجتهاده صاغها في كتبه وشكلت منطلقا جديدا للصوفية. ومفاد هذه النظرية ان عقل الانسان رغم انه اجل اداة للفهم والتفكير، الا انه قاصر في امور الغيبيات والالهيات، وان الوسيلة الوحيدة المؤمونة لادراك ومعرفة اليقين هي بواسطة التصوف الذي يعتمد على القلب في ادراكه للحقائق وعلى الذوق والكشف دون البرهان العقلي، وهذه لا تتم الا بعد تصفية النفس، وتكون الهاما لا يدري العبد كيف حصل له ولا من اين جاء اليه.

وبما ان تصفية النفس لا تتيسر للكثيرين، وهي بحاجة الى مجاهدات ومكابدات وتجرع مرارات والبعد عن الحظوظ وما للنفس فيه من متعة، فان الذي ينشد الحقيقة لا بد له وان يتدرج في طبقات الصوفية الثلاثة: مريد طالب؛ ومتوسط سائر؛ ومنتهة واصل؛  وان يمر في مقامات ومدراج الصوفية للوصول للمعرفة الحقة للذات الالهية. وعبر هذه الطبقات الثلاثة على الصوفي ان يمر بمقامات ثمانية، تبدأ بالانتباه أي الخروج من الغفلة، والتوبة أي الرجوع الى الله، والانابة أي الرغبة في الذكر، والورع أي ترك ما اشتبه عليه، والارداة وتكون بترك الراحة، والزهد وذلك بترك الحلال من الدنيا، والصدق ويتحقق باستواء السر والعلن والجوع والشبع والنوم والسهد، واخيرا مقام الرضى ويكون بتلذذ الصوفي بالبلوى وحصول  الخلاص عنده بالفناء.  وبما ان القدرات الانسانية تتفاوت من شخص لاخر، لذا لا بد ان يتم هذا باشراف صوفي متمرس حصل له الكشف والصفاء اطلق علية تبسيطا شيخ، لكنه وصف بالعارف بالله وان له سرا قدسه الله. وحيث ان الهدف والغاية واحدة الا ان الطرق قد تختلف، لذا كان طبيعيا ان تتنوع وتتعدد الطرق الصوفية في الاسلام وان تندرج وتنسب الى اقطاب مشهورين كعبد القادر الجيلاني (ت 561/1166) صاحب الطريقة القادرية وجلال الدين الرومي (ت 672/1273)صاحب الطريقة المولوية، ، وغيرهم من الطرق الصوفية كالنقشبندية والخلوتية والبسطامية والشاذلية التي وجدت طريقها للقدس حتى بلغت سبعين طريقة.

علاقة الصوفية بالحكام والامراء

بمرور الزمن ضعف منهج الغزالي وحججه وتعددت المناهج والطرق الصوفية ونشأت علاقة حميمة بين شيوخ الطرق الصوفية واتباعهم من جهة وبين الدولة ممثلة بالحكام والامراء والسلاطين والمتنفذين فيها من جهة اخرى، ادت الى رعاية الدولة للمؤسسات الصوفية الممثلة في الزاويا والخوانق والاربطة والتكايا، وردت الصوفية واتباعها هذا الجميل بدعم وتاييد الحكام والسلطة امام العامة.  وهذا النوع من الصوفية بدأت بذوره في العهد الايوبي وتعمق وساد  في القدس في الفترة المملوكية والعثمانية واليه تنسب العشرات من العمائر والمباني والمؤسسات الصوفية التي لا يزال اغلبه  من ناحية معمارية قائما، لكن توقف الاغلب عن اداء وممارسة المظاهر والتقاليد والعادات الصوفية. ولم يقتصر الامر على ذلك بل امتد لاحقا حيث مال كثيرا من شيوخها المتأخرين الى بسط سيطرتهم على عقول السذج من العامة والتركيز على الكرامات، وقل الاخلاص في الزهد والعبادة، مما افرغ الصوفية من قيمها البسيطة في الزهد والتقوى، واصبح الامر يرتكز على مظاهر من اللباس المخصص مع بعض الاشارات.

مؤسسات التصوف

كما سبق القول مرت الصوفية في الاسلام بمراحل وادوار، ففي بداياتها كانت المساجد والبيوت الشخصية مقر الصوفية ومريدهم، ثم لاحقا تطور الامر بانبثاق صوفية عامة مشتركة استلزمت وجود مؤسسة(مقر) ذات نظام محدد، وبدأت ملامح هذا التطور بالنسبة للقدس في العصر الايوبي، وتوسع وتتطور وتنوع هذا النوع من المؤسسات في العصر المملوكي والعثماني. وعرفت هذه المؤسسة بعدة اسماء، اشهرها واولها كان "زاوية"، وهي عربية الاصل، وثانيا خانقاة، وهي لفظة فارسية الاصل، وثالثا رباط، وهو من المرابطة والذكر، . وايا كان الاسم ا لذي اطلق على مبنى الصوفية، فانه لا يوجد فارق كبير في التخطيط المعماري او النظام الاداري والمالي بين هذه المباني. ووجد في عمارة القدس هذه المسميات الثلاثة.

اساسيات ومكونات المؤسسة الصوفية

وطبيعى ان يكون لكل مؤسسة او عصر او منشئ ظروف خاصة به تنعكس على تفاصيل المؤسسة الصوفية، من حيث الامكانيات المادية والتخطيط المعماري بما يحويه من تفاصيل زخرفية وفنية. ومع  امكانية وجود هذه الفوارق الذاتية، فان المؤسسة الصوفية سواء كانت تسمى زاوية او خانقاة او رباط او مسمى اخر، يجب ان تشمل من ناحية معمارية على:

مجموعة من الغرف الصغيرة توفر جو من الوحدة والتفرد للصوفي تعرف باسم الخلاوي او الحجرات ، قاعة كبيرة لاجتماع الصوفية معا للقيام بالذكر والسماع والاوراد والجلسات الصوفية , وغالبا ما كان يتوفر مسجد صغير للصلوات والدعاء والدرس والوعظ ومطبخ  متواضع

 

 

 

وغالبا ما يلحق بالمبنى مأذنة لما لها من دلالة اسلامية واهمية في ايصال نشاط الزاوية للمجاورين وهي بمثابة الاداة الاعلامية للطريقة الصوفية،

 

ساحة مفتوحة، قد يكون جزء منها حديقة صغيرة مزروعة بالاشجار والورود واخيرا بئر لتجميع المياه. 

وكفل نظام الوقف الاسلامي، بما يشمله من شروط وتكاليف، يجب ذكرها في الوقفية، ارساء لائحة من البنود المرجعية تشكل نواة مصغرة لايرادات ونفقات ورواتب وواجبات وصلاحيات المنتسبين لهذه المؤسسة، وحددت علاقتهم مع السلطة القضائية والتنفيذية.

القدس مركز للصوفية

نظرا لمكانة القدس الدينية في الاسلام، فقد شدت اليها مجموعة كبيرة من الزهاد والعباد والمتصوفة المنقطعين للعبادة.  ولقد اورد مجير الدين العليمي مؤرخ القدس المشهور قائمة طويلة باسماء الزهاد والعباد الذين نزلوا بالقدس واقاموا بها بعد الفتح الاسلامي.

فبعد صوفية الزهد والعبادة البسيطة، ظهرت اعلام  للصوفية المتفلسفة في عدة مدن اسلامية ووجد هذا الضرب من التصوف صداه في القدس سواء أكان بتسرب افكاره اليها او بعيش بعضا من اعلامه فيها كالمتصوف المتكلم ابن كرام السجري (ت 255/869)، مؤسس الفرقة والخانقاة  الكّرامية في القدس، بحث في الصفات الالهية وقال بالتجسيم وان الايمان باللسان وان انكره الوجدان والقلب، لكن هذا النوع من التصوف وان عرفته القدس الا انه لم يستمر فيها، مثلها في هذا مثل بقية مدن العالم الاسلامي، بل حل مكانه تصوف من نوع اخر هو الذي ساد بدعم من المؤسسات التي اسست من قبل الحكام والامراء والتي اقترح زيارة بعضا منها في هذا المسار.

تنوع الطرق الصوفية في القدس

انعكس تنوع وتعد الطرق الصوفية في الاسلام على حياة ونشاط التصوف في القدس بحيث مثلت اغلب الطرق الصوفية في القدس خاصة في العصر المملوكي والعثماني، ومن هذه الطرق نذكر اشهرها وهي: الطريقة الرفاعية للشيخ احمد بن علي الرفاعي، الطريقة القادرية لعبد القادر الجيلاني، والطريقة المولوية لمولانا جلال الدين الرومي، الطريقة البسطامية نسبة الى ابي يزيد طيفور البسطامين والطريقة النقشبندية ومؤسسها بهاء الدين البخاري، والطريقة الشاذلية اليشرطية ومؤسسها علي نور الدين اليشرطي، وهناك طرق اخرى كالعلاوية، والتيجانية، والوفائية،والقلندربة، واليونسية.

 

نماذج من مؤسسات القدس الصوفية

الخانقاة الدوادارية 695/1295

الموقع :تقع مباشرة إلى الجنوب من المدرسة السلامية في طريق باب العتم المتفرع من طريق المجاهدين مجاورة للحرم الشريف من جهة الشمال.

المؤسس

الدوادارية التي تعرف حسب كتابتها التأسيسة بدار الصالحين، استمدت اسمها الأصلي (الدوادارية) من مؤسسها الأمير علم الدين أبو موسى الدوادار. وكانت هذه إحدى الوظائف الهامة في عصر المماليك والتي يتولاها الأمراء الكبار، وقد وليها الأمير علم الدين سنجر كما ولي عدة مهمات ومناصب هامة جدا خلال سيرته الحافلة بالنشاط الادراي والعسكري والعلمي حين وعرف عن علم الدين عطفه على الصوفية ورعايته للعلم والعلماء حتى شبّه بيته بمسجد.

شروط ومواصفات نظامها

يفهم من الكتابة التي تعلو المدخل، معلومات هامة عن سبب إنشاء الخانقاة ومصادرها المالية.  فتنص الكتابة على أن الخانقاة قد أسست ابتغاء لوجه الله لإيواء ثلاثين نفرا من الصوفية من العرب والعجم، منهم عشرون عازبا وعشرة متزوجون، وان يتم ضيافة من يرد إليها من طائفة الصوفية لمدة عشرة أيام. واشترط أيضا أن يتم تدريس الحديث الشريف والقرآن الكريم والمذهب الشافعي فيها. 

اوقاف الخانقاة

لضمان استمرارية هذه الخانقاة في دورها ولتامين المصاريف الجارية لها، فقد زودها المنشئ بأوقاف سخية، منها قرية بيرنبالا شمال القدس، وقرية حجلا بالقرب من أريحا وعدة عقارات متناثرة في القدس ونابلس وبيسان.

روعة العمارة

وتتميز الدوادارية بأصالة تصميمها وروعة فنها المعماري، فمدخلها الوحيد الذي فتح في الواجهة الغربية هو بحق تحفة معمارية فريدة في عمارة القدس، لكن يوجد أمثلة مشابهة له في عمارة دمشق. وقد بني من المداميك الحمراء الرمادية اللون(الأبلق) حتى مستوى بداية القبو الذي يغطي المدخل المتراجع. ويعلو فتحة المدخل عتب حجري يليه مباشرة عقد تخفيف مؤلف من صنج  معشقة.  ويعلو العقد شريط الكتابة المذكور أعلاه، ثم يشاهد ثلاث صفوف من المقرنصات الحجرية الجميلة التشكيل. ويتقدم صفوف مقرنصات طاقية المدخل باتجاه الشارع، عقدان ثلاثيان فتحاتهم مدببة يتقدمهما عقد مدبب  مشكل من صنج معشقة ملونة.

 ويؤدي المدخل مباشرة إلى ساحة مكشوفة مستطيلة الشكل، مبلطة بالبلاط الحجري الكبير الحجم، والساحة محاطة من الشمال والجنوب بخلاوي صغيرة الحجم كانت مكان سكن المتصوفة، في حين إن الجهة الجنوبية محاطة بقاعة كبيرة مستطيلة التخطيط مكونة من ثلاث أقسام، استخدمت لتدريس الحديث والقران وكمكان لاجتماع الصوفية الذين كانوا مقيمين في هذه الخانقاة.

 

الخانقاة المولوية  القرن العاشر/ السادس عشر

الموقع:  يقع المجمع المعماري للخانقاة المولوية في شمال البلدة القديمة من القدس، الى الشمال قليلا من منتصف  الطريق المعروف بطريق المولوية، الواصل بين طريق المأذنة الحمراء من الشرق والطريق الرئيسي  لحارة السعدية من الغرب.  

المؤسس

وممن ساهم في رعاية وتطوير مجمع المولوية عدة امراء، اشهرهم واخرهم كان امير الامراء الكرام خداوردي بيك الشهير بابو سيفين حاكم لواء القدس في سنة 995/1586-1587، فهو الذي أضاف الطابق الثالث المكون من قاعة السماع خانة، حيث كان يجلس الصوفية لذكر الله وللتعبد حسب الطريقة المولوية.

اوقاف الخانقاة

زود خداوردي المولوية بوقف سخي نقدي بلغ 500 قطعة ذهبية، ومن ريع هذا الوقف حصل وفر كبير جدا في القرن الثاني عشر/ السابع عشر، بعد صرف كافة النفقات والرواتب التي نص عليها كتاب شروط وقف خداوردي، والتي كان من ضمنها متولى للوقف، وامام وشيخ ومقرئ للقرآن، ومؤذانان، وفراش وشعال، وبواب.

الطريقة المولوية للخانقاة

وكانت وظيفة هذا المجمع وظيفة دينية لعبادة الله، وقد تركزت وتعمقت هذه الوظيفة حينما توسع فيه في العصر العثماني واتخذ  مقرا للطريقة الصوفية المولوية في القدس.  وهذه الطريقة منسوبة الى الصوفي الذائع الصيت، مولانا جلال الدين الرومي، االمدفون في مدينة قونية في تركيا.  واشتهرت هذة الطريق بغطاء الرأس الطويل، وبمصاحبة الموسيقى والرقص الايقاعي لجلساتهم الصوفية. وقد بقيت هذه الطريقة نشيطة في القدس حتى اوائل القرن الرابع عشر/ العشرين، الا انها ضعفت وتلاشت في النصف الثاني من ذلك القرن فتحولت كثيرا من مرافق الزاوية لدور سكن، لكن لا زالت الصلوات اليومية تؤدى في المسجد، ويرتفع من اعلى المأذنة الآذان.

الوحدات المعمارية

تعود وحدات المولوية المعمارية الى عدة فترات زمنية، فالقاعة التى في مستوى الطريق صليبية او قبل هذه الفترة بقليل، واما قاعة المسجد فهي من الفترة الصليبية على وهناك عدة وحدات سكنية في الطابق الثاني من الفترة المملوكية، في حين ان المئذنة، وقاعة السماع خانة، التي تقع في الطابق الثالث، مؤرختان للقرن العاشر/ السادس عشر.

مسجد الخانقاة يقع الى الشمال من الساحة المكشوفة، وهو ذو مسقط مستطيل، يتشكل من ثلاثة اروقة، اوسعها الاوسط، ويغطى هذه الاروقة اقبية متقاطعة تستند على صفين من الدعامات الكبيرة، وعندما تحولت هذه القاعة الى مسجد اضيف محراب في وسط الجدار الجنوبي.  والمئذنة تلاصق الزاوية الجنوبية الشرقية للمسجد، حيث لها قاعدة كبيرة تلفت النظر، وبدن المئذنة اسطواني الشكل على نمط المآذن العثمانية القلمية، لكنه هنا اقل رشاقة من تلك المآذن ويغلب عليه الطابع المعماري المحلي. وفي الساحة قبر للشيخ علي احد المنتمي للطريقة المولوية، والى الجنوب منه يوجد غرفة تنخفض ارضيتها عن مستوى ارضية الصحن فيه قبر لثلاثة من اقطاب المولوية.

ويتوصل للسماع خانة ولمدخل المأذنة عن طريق مجوعة من الدرجات. والسماع خانة قاعة مطلة على مدينة القدس، وفوق عتب مدخلها توجد كتابة تأسيسية تذكر تاريخ الانشاء واسم المؤسس خداوردي. ولقد زار الرحالة المتصوف عبد الغني النابلسي المولوية وترك لنا وصفا حيويا عن الموقع وعن الذكر والسماع والموسيقى التي اديت على شرف زيارته للخانقاة من قبل طائفة المولوية.

زوايا القدس الصوفية

الزاوية الخلوتية(الحمراء) 939/1532-1533

الموقع:  تقع الزاوية الخلوتية في القسم الشمالي من البلدة القديمة، في الجهة الغربية لطريق المأذنة الحمراء، قريبا من عقبة البسطامي.

المؤسس

تنسب هذه الزاوية الى الشيخ علاء الدين ابو الحسن الذي كان مندرجا في سلك الطريق الخلوتية، ولهذا نسب هو وزاويته الى هذ الطريقة فعرف بالخلوتي. ومن الالقاب والوصف الذي وصلنا يمكن القول بان الشيخ علي كان من اقطاب الصوفية في القدس في القرن العاشر/السادس عشر.  فقد لقب "بقدوة الراشدين وزبدة الصلحا الناسكين". واصحاب ومريدي هذه الطريقة، خاصة من نسل الشيخ علي، قد لعبوا دورا بارزا في حياة القدس الاجتماعية والدينية، والبعض منهم تولوا للعديد من المناصب الكتابية في ذلك الوقت عوضا ان استمراريتهم في تولى ادارة هذه الزاوية ورعاية اوقافها. فعبد القادر شلبي كان كاتبا لوقف بيرام جاويش.

اوقاف الامراء  عليها

يبدو ان مسلك الشيخ علي المتقشف والورع قد لفت نظر الامراء المتنفذين، مما ادى الى رعايتهم للشيخ وللزاوية وذلك بايقاف الاراضي والعقارات، مثلما فعل حاجي بيك وقاسم بيك، حاكما نابلس وصفد في النصف الاول من القرن العاشر/السادس عشر. وكان من اوقافها طاحون وحانوت الحياكة الذين كان من اوقافها.  

ما بقي من عوادي الزمن من هذد الزاوية ينحصر في الساحة المكشوفة، والمأذنة الجميلة فالساحة الحالية مستطيلة الشكل، يوجد فيها بئر ماء ووحدة مراحيض، وهي مزروعة بالاشجار والورود.  وتقع المئذنة في الجهة الشمالية الشرقية من الساحة المكشوفة، وترتفع هذه المئذنة حوالي 18م، وهي مبنية من الحجارة البيضاء اللون والتي تحولت الى الرمادي بفعل العوامل الجوية، ويتخلل هذه المداميك بعض الاحجار ذات اللون الاحمر، وللمئذنة قاعدة مربعة، تسند بدنا اسطوانيا رشيقا، وتحولت القاعدة المربعة الى مثمن بفضل المثلثاث الركنية ، وتقوم شرفة المؤذن حيث كان يقف المؤذن ليصدح بالاذآن، على مقرنص على شكل كابولي. والشرفة مستديرة تنتهي بقبة صغيرة عليها ظلة لتحمي المؤذن من الحر والمطر. والمسجد عامر تقام فيه الصلوات الخمسة كل يوم، ومن هذه المئذنة يسمع الاذان خمس مرات يوميا ايضا.

الزاوية القرمية  قبل788\1386

الموقع:  في مركز البلدة القديمة في الجهة الشرقية من طريق القرمي، وحيث إن زاوية القرمي

المؤسس

تنسب القرمية إلى الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد التركماني القرمي، أحد شيوخ الصوفية المشهورين.  وقد ولد الشيخ القرمي في سنة 720\1321، ونشأ في دمشق، لكنه ارتحل للقدس للمجاورة والإقامة فيها، نظرا لمكانتها الدينية في الإسلام، حيث ذاعت شهرته فيها كصوفي مرموق. 

الاوقاف والعطف على الزاوية

وكعادة الأمراء والحكم والموسرين في العصرين المملوكي والعثماني في العطف على الصوفية ورعاية مؤسساتهم، فقد حظيت القرمية برعاية الأمير ناصر الدين محمد الجيلي، الذي تطوع ببناء هذه الزاوية وأوقف عليها ثلث ماله ضمن أوقاف أخرى خصصت للشيخ القرمي وذريته. والأمير ناصر الدين كان من غزة، لكنه اختار الإقامة في القدس حيث التحق بفرقة الشيخ القرمي الصوفية واصبح من مريده واتباعه.  وتوفي الشيخ القرمي في القدس في 788\1386 ودفن في زاويته، وتولى الزاوية بعده، ولده الشيخ زين الدين عبد القادر، وكان صوفيا مشهورا كأبيه، وحينما توفي في سنة 843\1439-40 دفن أيضا في الزاوية بجوار أبيه. 

الزاوية معماريا

ويغلب على نسيج الزاوية المعماري بساطة التكوين وقلة الزخرفة مما يتناسب وسلوك الصوفية الحقة.  والواجهة الشرقية هي الواجهة الوحيدة المكشوفة، وهي على ارتفاع مستوى طابقين. القسم السفلي فتح فيه مدخل الزاوية الذي يحف به من كل جانب مسطبة حجرية صغيرة، وحجارة عضاداته حمراء ورمادية، ويعلوه عتب، فوقه مباشرة صف من الحجارة البسيطة المعشقة لكن أوسطها(المفتاح) أكثرها رونقا وجمالا، ويعلو هذا الصف شباك صغير مربع.  ويكتنف هذا المدخل عقد مدبب يحيط به إطار من الزخرفة القالبية التي تمتد فوق العقد مباشرة وتستمر أيضا على جانبي المدخل. والى الشمال من المدخل بني شباكان مستطيلان الشكل يفتحان على غرفة الضريح وزودا بحماية من مصبعات معدنية مملوكية الطراز.   

ويتألف تخطيط الزاوية من وحدتين معماريتين: الأولى عبارة عن قاعة مستطيلة طويلة مكونة من ثلاث بلاطات معقودة بثلاث أقبية متقاطعة تستند على الجدران في كلا الجانبين للقاعة.  ويوجد محراب بسيط في الجدار الجنوبي لهذه القاعة التي تشكل بيت الصلاة للزاوية ، وفي الجدار الشمالي للبلاطة الغربية يقوم باب يفضي إلى غرفة دفن مربعة معقودة بقبو متقاطع تكون الوحدة الثانية من وحدتي الزاوية.  واسفل هذه الغرفة يوجد رفات الشيخ القرمي وذريته التي دفنت معه في هذه الزاوية.

الزاوية القادرية (الافغانية) 1043/1632-1633

الموقع:  في طريق برقوق المتفرع من طريق باب الغوانمة أحد أبواب الحرم الشريف.

طريقة الزاوية

القادرية استمدت اسمها من اسم الشيخ عبد القادر الجيلاني، مؤسس ورائد الطريقة الصوفية القادرية في العالم الإسلامي. وتعرف هذه الزاوية اليوم باسم الزاوية الأفغانية، لإقامة مجموعة من أفغان القدس فيها في العقود الماضية ونظرا لان من تولى إدارتها مؤخرا كانوا من تلك الجماعة.

المؤسس

بنى هذه الزاوية محمد باشا، حاكم القدس، في سنة 1043/ 1632-33، واشتهر محمد باشا برعايته للمؤسسات الصوفية في القدس، وهو ممن اهتم بعمارة القدس وتطورها المعماري، وقد احب القدس واستقر بعد تقاعده فيها، وكان تاجرا موسرا للماشية. وخصص محمد باشا لزاويته مبلغا كبيرا من المال للنفقات الجارية، وحتى يكفل استمرارية الدخل، فقد اشترط أن يستثمر المبلغ في التجارة ومن واقع الربح السنوي يتم تامين المصاريف المطلوبة.

اهمية الزاوية المعمارية ومكوناتها

تتميز الزاوية القادرية في أنها حافظت على نسيجها المعماري الأصيل وفي أنها لا زالت تقوم بوظيفتها حيث لا يزال مريدوها يحرصون على التواجد في الزاوية والالتقاء مع شيخهم الحالي الشيخ عبد الكريم الأفغاني وذلك مرتين أسبوعيا على الأقل بالإضافة إلى يوم الجمعة.

المدخل الوحيد للزاوية له عقد مدبب، يظهر للزائر كم هو متواضع، خاصة إذا ما قورن مع مدخل الدوادارية. ويرتفع مدخل القادرية عن مستوى أرضية الشارع بثلاث درجات، ويكتنف المدخل مسطبة حجرية على كلا جانبيه، ويعلو المدخل كتابة تأسيسة، ذكر فيها اسم الزاوية وطريقتها واسم صاحب الطريقة وتاريخ البناء.

ويؤدي المدخل عبر ممر قصير إلى ساحة مكشوفة مستطيلة الشكل إلا أنها غير منتظمة الأضلاع، والجزء الأكبر من هذه الساحة مزروعة بأصناف متعددة من الأشجار والنباتات، مما يتفق والوصف الذي ورد في الوقفية قبل أربعة قرون.  ويحيط بهذه الساحة من الجنوب والغرب إحدى عشرة خلوة صغيرة للصوفية، وفي الجهة الشمالية تقع مرافق الخدمات للزاوية وقاعة الاجتماعات الخاصة بالصوفية، وهي مكونة من طابقين، الأرضي الاصيل، في حين الثاني العلوي أضفيت لاحقا واستخدمت لسكن شيخ الزاوية. ويوجد للزاوية مسجد يقع إلى الشرق من المدخل ويتوصل إليه بواسطة درج فهو من المساجد المعلقة.

الاربطة

الاصل الرباط كان على الثغور للحراسة والمجاهدة، واذا كان داخل المدن فهو لاقامة الحجاج والزوار والمجاورين، فهو في ذلك مثل الخوانق والزوايا، ولكن لاحقا اصبحت الربط خاصة في القدس لايواء الفقراء والمحتاجين والمنقطعين. وفي القدس سبع اربطة مملوكية وعثمانية، منها رباط كرد المنصوري ورباط علاء الدين البصير، ورباط المنصور قلاوون، والرباط المارديني، والرباط الزمنى، ورباط بايرام جاويش، ورباط العمارة العامرة.

 

الرباط المنصوري 681/1282-1283

الموقع: يقع  الرباط في  الجهة الجنوبية من طريق باب الناظر بالقرب من مدخل الحرم الشريف .

المؤسس

االسلطان المنصور قلاوون هو الذي أمر ببناء هذا الأثر في القدس، في سنة 681\1282-1283، وذلك لإيواء حجاج القدس وفقرائها. وقلاوون هو من سلاطين المماليك المشهورين ممن ارسوا دعائم الدولة المملوكية في مصر والشام، فقد تولى الحكم (678-689\1279-1290) بعد زميله السلطان بيبرس. ولقلاوون نشاط معماري كبير تركز في القاهرة، لكن كان للمدن التي لها مكانة دينية كالقدس والخليل نصيب من هذا النشاط المعماري، فقد انشأ رباطا وبيمارستان في الخليل ضمن أعمال أخرى.

وحيث إن هذا المبنى قد أسس من قبل أعلى شخصية في الدولة المملوكية، واعتمادا على تقصي الباحثين للوثائق، فقد أمكن التيقن أن هذا الرباط قد خصص له ريع سلسلة طويلة من العقارات الواقعة في أنحاء مختلفة في فلسطين، مما مكنه من الاستمرار في وظيفته طيلة الفترة المملوكية وحتى قبيل نهاية العصر العثماني. وفي أواخر العصر العثماني أقام في هذا الرباط طائفة من المسلمين السودان الذين قدموا للإقامة في القدس من دول متعددة في إفريقيا، ولا زالوا مقيمين في هذه الرباط، ولاحقا استخدام الرباط  كسجن وهذا يفسر سبب تسميته باسم حبس الرباط.

وللرباط واجهة معمارية تطل على طريق باب الناظر وهي مكونة من قسمين : علوي يعود في تاريخه إلى العصر العثماني، وسفلي أصيل يرجع في تاريخه إلى الفترة المملوكية.  ولا يزال بالإمكان مشاهدة بعض من جمال هذه الواجهة المتمثل في نسق الشبابيك ولون حجارتها (الأبلق)، والعقد المدبب الكبير الذي يتقدم المدخل، والإطار الزخرفي الذي يشكل فاصلا بين قسمي الواجهة، وعقد الفارس ودقة زخرفة صنجه.

ويعكس مخطط الرباط الداخلي وظيفته الأصلية.  ويضم الرباط ثلاث وحدات معمارية أساسية هي:

1) مدخل تذكاري مستطيل المسقط تنخفض أرضيته، المفروشة بالبلاط الحجري الكبير، قليلا عن مستوى أرضية الطريق، وعلى جانبيه الشرقي والغربي يوجد مسطبة حجرية كبيرة، وسقفه قبو متقاطع، وفي جداره الجنوبي تقوم اللوحة الكتابية المذكورة أعلاه

2) قاعة كبيرة مستطيلة تقع إلى الشرق من المدخل السابق، ويتوصل إليها بواسطة ممر يلي المدخل مباشرة.  وهذه القاعة الرئيسة تقسم إلى قسمين بواسطة صف من أربعة أعمدة، تحمل عقودا مدببة، تستند على الأعمدة من جهة، وعلى الجدران الجانبية لهذه القاعة من جهة أخرى. ومما لا شك فيه أن هذه القاعة قد استضافت العديد من الحجاج الذين وفدوا للقدس  من أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، وحاليا أعيد تأهيلها لتستخدم للنشاطات الثقافية وهي قاعة متعددة الأغراض

3) ساحة عظيمة مكشوفة، تقع إلى الغرب من مدخل الرباط، وهي محاطة بمجموعة من الغرف والخلوات المختلفة الأحجام، إحداها فيه قبر.  ونزل في هذه الغرف والخلوات خلال عدة قرون أعداد كبيرة من المجاورين والفقراء من القدس ومن أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي وشكلت منزلهم المتواضع، ومما يلفت النظر أن هذه الغرف المتناثرة حول ساحة الرباط، لا تزال تشكل بيوتا للعديد من أحفاد ونسل بعض الطوائف التي اختارت الإقامة في المدينة المقدسة، ونظرا للظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يمر فيها سكان المدينة، فقد امتلأت الساحة بإضافات حديثة شوهت الساحة وذهبت برونقها

* مدير السياحة والاثار بالمسجد الاقصى ومدرس بجامعة القدس