• 16 كانون أول 2021
  • نبض إيلياء

 

 في هذه الأيام يكثر الحديث في الغرف المغلقة  وفي الفنادق  وفي بعض المباني الدبلوماسية عن عودة تمويل المشاريع من قبل الجهات الدولية وخاصة الاوروبية والامريكية للقدس ، بعد توقف استمر أكثر من عامين عجاف على الكثير من المؤسسات المقدسية التي  اضطر القسم الأكبر منها اما الى الاغلاق التام او الى اغلاق جزئي بتسريح جميع الموظفين باستثناء المدير او المديرة ، فتلك المؤسسات كانت تعتمد بشكل كامل أو شبه كامل على التمويل الخارجي وبالتحديد الأوروبي والذي في كثير من الأحيان لا يخرج عن كونه دعم محدود تتحكم فيه المزاجية ومبدا الاقربون فالأصدقاء، ولهذا نجد هذا  الدعم يصب في حضن بعض المؤسسات بعينها ، ومن يتمكن من أخذ الدعم من الأوروبيين من خارج دائرة الأصدقاء والمقربين يكون تعيس الحظ بسبب الإجراءات المعقدة التي لها بداية ولا نهاية لها. ليصل الى درجة ان يلعن الساعة التي حصل فيها على هذا الدعم والذي لا يصل عادة منه الى الشارع المقدسي الا فتات الفتات فقط ، بعد أن تتقاسم  تلك الأموال مؤسسات دولية او مؤسسات مجتمع مدني اوروبية وتحصل على ميزانيات تشغيلية تزيد عن ثلث المنح المقدمة.

 في هذا الوقت بالذات يكثر فيه الحديث عن نوعية الدعم وشكل المشاريع التي يمكن أن تناسب وسياسة الدول الداعمة ، والتي عادة  ما  تفضل مواضيع بعيدة كل البعد عن الاستجابة لاحتياجات المجتمع المقدسي وخدمته بل إنها تتناقض مع هويته الثقافية والاجتماعية ولا تساهم بحل الضائقة التي يعيشها المقدسي من مسكن واقتصاد وهوية ، وكما قال أحد المطلعين والخبير في مجال الدعم ، إنه منذ عقود لم يتم الأخذ بعين الاعتبار الرؤية المقدسية للاحتياجات والأولويات التي يجب أن يكون  على أساسها الدعم ، وما يحدث فعليا هو أن الدعم الاوروبي والامريكي يقدم وفق أجندتهم هم ، ولا يخرج عن كونه دعم لبعض النخب والفئات بعينها وليس له تأثير مباشر على المدينة وسكانها. 

 وهنا  استعنا بآراء بعض الاصدقاء الخبراء والذين يعتبرون مرجعا في القدس لعمق تجاربهم الطويلة في التعامل مع الدول المانحة وفي المشاريع ،  يمكن إجمال ذلك بالقول .

  إن الامور الاهم التي يجب التركيز عليها في الحوارات الشخصية أو العامة في الفنادق أو في القنصليات والسفارات على فنجان قهوة او حفلات استقبال، وفي الأحاديث العلنية والسرية منها  لحماية القدس بعيدا عن المهاترات الكلامية والشعارات الرنانة والمؤتمرات الفارغة  التي تحمل اسم القدس زورا وبهتانا، والهدف منها الاستجداء باسم القدس  وجني الأرباح الشخصية على حساب مدينة السلام مدينة الإسراء والمعراج  ، مدينة السيد المسيح ، مدينة الحضارات .المدينة التي هجرها السلام منذ زمن .

  أول هذه الأمور ضرورة التركيز على توفير الدعم المعنوي والدبلوماسي الكامل الحقيقي وليس الدعم الخجول او الدعم المرتعش خوفا من رد اسرائيلي ، ففي الاوانة الاخيرة هناك حالة خوف ورعب تسود الدبلوماسيين الأجانب وخاصة الأوروبيين  من غضب اسرائيل ونقمتها عليهم، ولهذا نجدهم كما يقول المثل يسيرون الحيط الحيط !! فلا تصريحات تغضب اسرائيل ولا حتى جولات ميدانية ولا شراكات مع مؤسسات تتحدى السياسات الاسرائيلية على جميع المستويات ، ويفضلون قضاء الوقت ببعض الفنادق،  بأحاديث جانبية مع بعض الشخصيات التي لا تمثل الا نفسها،  وتبدع في التنظير والترف الفكري المتناقض مع الواقع وثقافة المدينة وسكانها.. وكما قال أحد الدبلوماسيين في القدس انه لم يعد يعنيه الملف الفلسطيني والمقدسي بل انه يفضل ان يقضي فترة وجوده بالقدس بالسياحة والترف الفكري ، حتى لا يغضب رؤسائه ولا وزارة الخارجية الإسرائيلية .

 ووصل الأمر ببعض هؤلاء الدبلوماسيين الى تجاهل كل ما يدور في المدينة خاصة الانتهاكات اليومية في المسجد الأقصى والبلدة القديمة  التي تسعى إلى تغيير الواقع  واضعاف الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى وعلى الأماكن المقدسة المسيحية ايضا  في المدينة ، وهو عماد البقاء والصمود والشرارة التي بسببها تشتعل المدينة لفترات متقاربة في السنوات الأخيرة ، فإسرائيل خلال السنوات الماضية وحتى يومنا هذا عملت كل شيء من اجل الحاق الاذى بالوصاية الهاشمية وتهميش دور دائرة الأوقاف الإسلامية الحيوي والضروري في المسجد الاقصى - الحرم الشريف، إلى أبعد الحدود وكما قال أحدهم فإن هدف حكومات نتنياهو ومن بعدها حكومة بينت المدعومة من اليسار والقائمة الإسلامية هو تغيير الواقع في الأماكن المقدسة ، وإهانة الأردن والعالم الإسلامي برمته في الأقصى ، وجعل الوصاية  الهاشمية لا تساوي أي شيء ، هذا التصرف من قبل اسرائيل وذراعها الأمني المتمثل بالشرطة والمخابرات، الحق الاذى الكبير والضرر الجسيم بمكانة الأوقاف الاسلامية في أولى القبلتين ، ونصبت إسرائيل نفسها الحاكم والآمر والناهي في كل ما يخص الأقصى  حتى إصلاح عطب في ماسورة مياه قديمة  او حتى ترميم بلاطة محطمة  تعرض حياة المصلين للخطر بحاجة الى موافقة اصغر شرطي  إسرائيلي قبل الوصول الى قائد الشرطة الذي بدوره يعود مباشرة الى مكتب رئيس الحكومة وليس إلى المسؤول عنه وزير الأمن الداخلي،  فملف الأقصى بيد مكتب رئيس الوزراء مباشرة .

 الأمر الثاني هو تعزيز الهوية  الحضارية الثقافية المتعددة للقدس الاسلامية والمسيحية ، بعد ان مسحت اسرائيل هذه الهوية وعملت على طمسها بكل الوسائل وحاولت وتحاول وستبقى تحاول جعل هوية القدس الحضارية فردية هوية يهودية فقط ، متناسية كليا الفترات الاسلامية وحتى  الفترة الصليبية سيئة السمعة التي كانت جزء من تاريخ القدس الذي يمتد لأكثر من سبعة آلاف عام كما يقول العديد من المؤرخين حتى من اليهود أنفسهم . وهنا نذكر أن الأوروبيين من أجل الحفاظ على الهوية المتعددة للقدس في الفترة العثمانية خاضوا حربا طويلة اولا ضد روسيا القيصرية إلى جانب  العثمانيين لمنع السيطرة الروسية القيصرية الارثوذكسية على الهوية المقدسية الجمعية، وبعد ذلك خاض الأوروبيين حربا قذرة على العثمانيين في القدس  واقتسموا المدينة وحولوا مسيحييها الى طوائف، كل يتبع دولة معينة متناسين الهوية الجمعية والحضارية للقدس ، فبات هذا فرنسيا وذلك يوناني وثالث امريكي ورابع اسباني وخامس روسي ،  ولم يعد اي منهم يعترف بهويته المقدسية، فهذه الدول الان تخشي حتى التلميح لا التصريح . 

 والشيء الثالث تعزيز وحماية الوجود العربي في القدس من خلال العمل على أرض الواقع ،  للاستجابة لاحتياجات المنعة والتطوير الفلسطيني في القدس ، من خلال برامج تطوير  قطاع الإسكان والاقتصاد والتخطيط ، وليس كما قال أحد الدبلوماسيين  في اجتماع مغلق  مع بعض الشخصيات المقدسية هل تريدون أن نتوسط لدى الجانب الاسرائيلي لإعطاء مزيد من رخص البناء  في القدس فرد عليه الصديق المتخصص بهذا المجال : نحن لا نريد وساطات فاسرائيل يا صديقي الدبلوماسي غير الخبير بالقدس وشؤونها،  قد حظرت البناء في معظم المساحات المتاحة للتطوير لصالح الفلسطينيين بعد أن سيطرت  على كل الحيز العام لصالح مشاريعها الاستيطانية .

  ما نريده هو أن نتمكن من  فرض واقع  لانفسنا بأنفسنا وفق حاجياتنا وليس وفق الفتات الذي يجمل به الاحتلال سياساته.

هذا ما تريده القدس وغير ذلك فإنه سيكون إهدار للمال وزيادة غنى بعض المتنفذين في المؤسسات المقدسية ، وإنفاق التمويل على الحفلات المؤتمرات والندوات التي  تنحصر عادة بنفس المجموعة من الأشخاص الذين نعرفهم جميعا. يعني نفس الشلة اياها. 

 وللحديث بقية  

              خليل العسلي