• 3 حزيران 2024
  • نبض إيلياء

 

 بقلم : خليل احمد العسلي 

 

 هل تذكرون سؤال أين وطني ؟

 الذي سألته الكاتبة "مي زيادة"  في المقالة السابقة .. ولم استطع الاجابة عليه، فهو سؤال فلسفي عميق وليس كما يحاول السطحيون ( على رأي صديقي المحامي)  الاجابة عليه .

  وقبل الإجابة عليه أو حتى محاولة الاجابة على هذا السؤال،  اليكم حكايات اصدقاء اعرفهم خير المعرفة، هذه الحكايات تثبت عمق الأزمة التي نعيشها في الشرق  المنهار الوحشي ،  وتثبت  الخوف من المستقبل المجهول .  

 اليكم الحكايات الثلاث لاشخاص يبحثون عن وطن ويحاولون الإجابة عن السؤال أين وطني ؟!

 الحكاية الأولى لشخص مقدسي عتيق يعشق المدينة ويكتب عنها ، يطلع العالم على جمال المدينة وروحانيتها التي لا نراها نحن ولا نحس بها ، ولهذا وبحق كان هو خير سفير للقدس في العالم ولكنه قوبل بالكثير من الجحود والكثير من العزل في مجتمعه الذي لم يتعود الثناء على من يعمل من أجل المدينة والمجتمع ،   حتى أنه بات وحيدا في مدينته ، والان لتكمل معاناته يواجه مجموعة ممن يطلق عليهم أهل القدس  "زعران"  ولكن بأسلوب مختلف حيث يبحثون عن الوحيد الضعيف الذي لا سند له أي عائلة كبيرة أو عصابة تدعمه، يقوم هؤلاء القوم بالانقضاض عليه تخويفا وترهيبا من أجل الاستيلاء  أما على عقار يملكه ابا عن جد أو  الاستيلاء على  مال له .

هذا الأكاديمي الباحث الهادئ فقد وطنه ومدينته التي لم يعد يشعر فيها إلا بالغربة والعزلة لا يستطيع أن يواجه هذه المجموعة التي تتمثل باشكال مختلفة،،،

 لهذا فهو هذه الأيام بصدد بيع آخر ما تبقى له في القدس وبدأ البحث  عن وطن آخر له عسى أن يعيش ما تبقى من حياته بهدوء وسكينة وأمان الذي  يفتقده في مدينته ووطنه .

 وقال لي:  انت تسال اين وطني ؟ وانا اقول لك نحن لا وطن لنا ….فلا كرامة لنبي في قومه ..

أما الحكاية الثانية فهي لابن مخيم ولد فيه وعاش فيه وكان خير ممثل له  في وسائل الاعلام المحلية والاجنبية في فترة  ما قبل السلطة بل كان نجما إعلاميا بمثابة أحد الناطقين باسم الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى .

 كل هذا لم يشفع له في أول خلاف مع السلطة الفلسطينية أو مع أحد رجالاتها اضطر بعدها إلى ترك وطنه المخيم واللجوء الى دولة عربية من أجل استكمال حياته بعد أن حرم من ذلك في  بلده ، بل حرم من العودة إليه ورؤية أحفاده .

 وحكايته لم تنته بعد في هذا البلد تمكن من جمع شمل نفسه وبدأ يعمل ايجابيا من اجل فلسطين وبات معروفا هناك إلى أن جاءت لحظة مواجهة غير عادية مع الأمن هناك لحظة لا علاقة لها بأفكاره و عقيدته وعمله، ولكنها كانت لحظة حاسمة عرف بعدها انه يجب عليه ان يبحث عن وطن ثالث او رابع خارج المنظومة العربية. وهذه الأيام يبحث عن هذا الوطن ليرتحل إليه بعد ان وصل إلى هذا العمر .

 قال لي انه يحاول ان يحل الموضوع بهدوء والدبلوماسية وأن يكون رحيله بهدوء الى وطنه الجديد الذي لا يعرفه حتى الآن وتسائل : 

هل عرفت الآن الجواب على  سؤالك أين وطني ؟!

 الحكاية الثالثة هي  لصديق عربي نكب وطنه بويلات الحرب والدمار والكثير الكثير من الدم والقتل والتشريد في السنوات الاخيرة ، فوجد ملاذا له في احدى الدول الاسلامية غير العربية، هناك استقر هو وعائلته الصغيرة وبدأ الاندماج في هذا المجتمع الجديد ثقافة ولغة وحياة ، وفعلا كان هذا الصديق المثقف الكاتب والصحفي خير من كتب بإيجابية عن هذا البلد وكان مدافعا بصورة مستميته عنه ،  وأخذ البعد الثقافي الاجتماعي وهو مجاله لخوضه والتعمق فيه وكم مرة اعطاني نصائح حول كيفية قراءة وفهم هذا المجتمع الجديد علينا ثقافيا .

 وبعد أن أمضى قرابة العقد والنصف في البلد الجديد الذي اصبح وطنه الثاني بعد أن ضاع وطنه الأول،  لم يتمكن من تجديد اقامة طفله الوحيد ، ولم تشفع له كل الخدمات التي قدمها لهذه الدولة ثقافيا واعلاميا ، فوجد نفسه بين عشية وضحاها يبحث عن وطن ثالث له واضطر أن يرحل تاركا وراءه الكثير من الاسى والحزن والكثير الكثير من الكتب .

 قال لي : 

اتمنى ان تكون قد عرفت جوابا  على سؤالك أين وطني ؟ 

يا صديقي انه لا وطن لنا في أوطاننا ، وهذا الشرق المدمر قاتل أبنائه ، لن تقوم له قائمة إلا بمعجزة من  عند رب العالمين.

 غادر هذا الصديق العربي المدينة التي عشق بحثا عن مدينة أخرى، يشعر فيها أنه غريب .

 هذه الحكايات الثلاث أصابتني بحالة رعب حقيقي وطرحت على سؤال آخر:

 هل سأفقد مدينتي وهي وطني كما حدث مع الاصدقاء و سأجد نفسي في مهب الريح بين ليلة وضحاها ؟ 

فنحن في القدس نعيش في الزمن المجهول زمن لا يمكنك أن تخطط  فيه للمستقبل فيه ولا حتى لغدك، بانتظار القادم،

 ذلك القادم الذي يقول عنه الصديق المتفائل جدا بأنه سيكون ايجابيا،  واتمنى ان يكون صادقا هذه المرة …

 وللحديث بقية ...

 طالما في العمر بقية ...