• 26 كانون الثاني 2025
  • نبض إيلياء

 

بقلم : خليل احمد العسلي 

 في الأسابيع الماضية قضيت بعضا من الوقت في عملية ابحار سطحية وليست عملية غوص محترفة  فانا لا اعرف فن الغوص ولا أجيد السباحة العميقة في عالم المخطوطات وخاصة المقدسية منها وما كتب في القدس وما اوقف على المسجد الأقصى.

بدأت هذا البحث الشيق في حديث مع الدكتور "محمد العلمي" الذي كان قد نشر مجلدا يعتبر الأول من نوعه، فهو فريد في موضوعه وعميق في بحثه جميل في أسلوبه ، قضيت مع الدكتور العلمي ساعات طويلة استمع الى شرح من خبير عشق المخطوطات والسجلات الشرعية وغيرها واتقن قراءتها ومن اجل عيون المخطوطات اقتنى أمهات الكتب ، فكانت النتيجة كتاب دسم في صفحاته رشيق في موضوعاته غني بمحتوياته أنه كتاب " قضاة القدس الشريف ومجالس حكمهم ".

 جلست معه كالطالب في حضرة المعلم الهادئ الواثق من معلوماته ، الدقيق في سجلاته، هذا الكتاب الذي يعكف حاليا على إصداره باللغة الانجليزية حتى يفهم الفرنجة  وهذا ما خلص اليه،  ان قضاءنا كان أكثر عدلا من قضائهم وان لوائحنا انسانية اكثر من كل شرائعهم .

بعد هذا الجلسة الدسمة التي اشعلت عندي شرارة حب غامض نحو كنز آخر من كنوز القدس التي لم يتناولها الكثيرون من الخبراء لا بالتمحيص ولا بالتحليل بل اكتفى البعض منهم بالنقل والإحصاء.

 أخذتني قدماي الى  متيم آخر بهذا الكنز لديه النظرة الفاحصة والعين الدارسة والغيرة على كل مخطوط سواء كل ورقة او مجلدا أو سجلا ، انه الباحث "يوسف الاوزبكي" جلست في مكتبه الذي اتخذ ركن من المتحف الإسلامي داخل رحاب المسجد الأقصى ، للاستماع الى مزيد من المعرفة عن هذا العالم عالم المخطوطات الذي كتب عنه الروائي التركي الشهير "أورهان باموق"  رواية غاية في الروعة هي " اسمي أحمر" تحدث فيها عن عالم المخطوطات ونسخها وتزينها وغيرها.

 ما علينا .

 المهم  ان الأوزبكي تحدث وانا استمع الى حديث اتمنى ان لا ينتهي ولكن كان الحديث فيه نبرة  من الحسرة والحزن بسبب اختفاء بعض المخطوطات والمجلدات او أجزاء منها والتي استعارها أهل العلم من شيوخ العائلات المقدسية من مكتبة قبة الصخرة المشرفة في الأقصى ولم تعد  !

 نبرة حزن على أن العديد من العائلات المقدسية لا تزال تحتفظ بالعشرات من المخطوطات التي تكاد تكون نادرة لا مثيل لها في العالم في بيوتها دون اية عناية مما يهدد هذه الكنوز بالإعدام والضياع  .

 قلت له انه بمثابة إعدام إرث العائلات بل باعدام ارث القدس والحضارة الاسلامية في المدينة المقدسة إن ضاعت هذه المخطوطات وقضت عليها الرطوبة والحشرات. إن واجب كل عائلة لديها مثل هذا النوع من الكنوز الحضارية أن تعمل على الأقل على فهرستها والحفاظ عليها عندهم مع  توفير نسخة للمسجد الاقصى وان يتم العناية بها ، أنها جزء من تاريخ القدس العريق غير المعروف حتى الآن والذي عمل المحتل البريطاني اولا والاسرائيلي والغربي عامة على سرقتها والاستيلاء عليه، حتى تكون القدس بدون تاريخ وبدون حضارة وبدون مستقبل. 

وهنا دفع لى بورقة عليها عاتب لطيف كان قد نشره في مجلة متخصصة حول نفس الموضوع فقلت له يجب ان يعمم هذا العتاب وأن ينشر في كل مكان  من أجل القدس والثقافة والدين . 

من هذا المبدأ أعيد نشرها كاملة كما كتبها الصديق الخبير يوسف الأوزبكي  : 

" إنَّ تراث مدينتا المخطوط مظهر من مظاهر بركة أرضنا المباركة، وكُلُّ ورقة منها تحمل شاهدًا على تاريخ حافل ومجد رافل. 

لقد بات يُنظر إلى الكتاب المخطوط كقطعة آثار تدلُّ بتفاصيلها على تاريخ وإن لم يُدوَّن، وما تضيفه النُّصوص المصاحبة للمخطوط أو ما يُعرَف بـ(خوارج النَّص) من بيانات تاريخيَّة لا تقلُّ أهمِّيَّة عن المصادر السَّرديَّة للتَّاريخ وتراجم الأعلام وفضائل البلدان، بل ربَّما زادت معلومات مهمَّة لم ترد في المصادر.

إنَّ الكتاب المخطوط بما يحمله من علم وتاريخ مظهر من منتجات الحضارة الإسلاميَّة، وفي حالتنا المقدسيَّة فإنَّه شاهد حقِّ ودليل صدق على عمارتنا الماديَّة والمعنوية لمدينتنا المُقدَّسة، وعليه: فإنَّ فهرسة المخطوطات المقدسيَّة وتصويرها وإتاحتها لطالبيها باب من أبواب النُّصرة لمدينتنا، وشكل من أشكال النِّضال لقضيَّتنا، ولقد ساهم عدد من عائلات القدس في العصر الحديث في هذا الشَّرف فقاموا بفهرسة وتصوير مخطوطاتهم شكر الله لهم ورفع ذكرهم، ولكنَّ عددهم لا يتجاوز أصابع اليدين، ولا يعكس الحقيقة التَّاريخيَّة لمخطوطات مدينة القدس، وقد سجَّل التَّاريخ عددً مُلفِتًا للمكتبات العائليَّة المقدسيَّة وكثير منها لا يُعرف عن مخطوطاتها في هذا الزَّمان أيّ شيئ!

وبناءً على ما سبق: فإنِّي أدعو أهلي وأحبَّتي أهل بيت المقدس جميعًا لتفعيل هذا الباب من النِّضال والمساهمة في السِّباق الحضاري، وأخصُّ بالذِّكر منهم ممَّن قيَّدهم التَّاريخ العائلات الآتية: (الخطيب الكناني الجماعي)، و(العفيفي)، و(قطّينة = الفقيه الحنبلي)، و(الشِّهابي)، (الإمام، بنوقاضي الصَّلت)، و(جار الله = أبو اللُّطف)، و(الفتياني)، و(أبو السعود)، و(العَلَمي)، و(الصَّلاحي)، و(الحسيني)، و(الأنصاري)، و(النَّشاشيبي)، و(البشيري = باب الدين)، و(المؤقِّت)، و(العجمي)، و(بالي)، و(السُّروري)، و(الغوانمة)،  و(الدَّقاق)، و(الدِّجاني)، و(نُسَيْبة)، و(العسلي)، و(الصَّالح)، و(القطب)، و(طوطح)، و(الجاعوني)، و(وهبة)، و(المَعرِّي)، و(العائلات المغربيَّة).

 ونحن نضم صوتنا لصوته ونقول  يا عائلات القدس لا تعدموا ارثكم وتاريخكم بسبب عناد هنا، وخلاف هناك ، هلموا إلى  تنظيم إرث اجدادكم وانشروه وأوقفو ما تستطيعون على المسجد الأقصى من اجل الاجيال القادمة، وخدمة للعلم  ولا تخافوا ان يقوم احد اصحاب النفوس المريضة  من تسريبها للمؤسسات الاكاديمية الإسرائيلية والأجنبية التي تدفع اكثر من اجل ان تحصل على هذه المخطوطات التي هي امانة في اعناقكم .

وللحديث بقية ؛

طالما في الجسد روح