- 5 آذار 2025
- نبض إيلياء
ها قد أصبحنا جزءا من شهر البركة والرحمة والمغفرة بعد عام حل خلاله بمدينة الأنبياء ما حل من كرب وقهر وموت ودمار .
ولكن في رمضان يتضاعف حسن وجه القدس تحلو نضارتها وتصفو رؤيتها.
في رمضان تحاول القدس ان تمسح جراحها وهي تنظر حولها وقد ساد الظلام وغطى السواد الوديان والجبال ، وساد الخوف في جنباتها وعلى أرصفتها وفي أزقتها ،
ما علينا ،
المهم ان القدس في رمضان تحاول أن تسهر الليل قليلا فالداخل إليها من باب العامود سيرى النور مشع في بابها وهي تستقبله بقلب مفتوح ، وعندما تسير في شارع الواد ترى مناظر الجنة وتشتم بعض روائحها ، الدكاكين على حالها منذ أن تركها آخر سلطان عثماني والطريق الى الحرم الشريف على حاله وفي منازلها سكن بعض أهلي وبعض أهل غيري
هذه المسابح المعلقة وحوانيت بيع الحلوى الرمضانية والكنافة والقطايف كلها أليست هي بعض دمشق القديمة وغيرها من المدن العربية القاهرة ، الحجاز ؟ التاريخ وأحد وأصابعه كثيرة .
في القدس وفي رمضان تفتح القلوب، وتصفو النفوس، وتخلص الضمائر إلى الله وحده
في رمضان تتحدث القلوب قبل الالسن و تتهامس الضمائر قبل غيرها ، فرمضان قبس قدسي نور سماوي وأمر رباني .
وفي رمضان يشتد حديث القدس في صراحته حتى يكاد أن يصبح صراخا … أو نداءا، لمن يجب ان يكونوا مخلصين لعقيدتهم .
وهنا تذكرت ما كتبه الصحفي والكاتب المقدسي المخلص لمدينته والعاشق لها الاستاذ ناصر الدين النشاشيبي في أحد كتبه :
" قالت لي القدس : لقد أحبني عدوكم فأقام بين احضاني الجامعات وإنشاء الحدائق وبني المتاحف والمستشفيات، اما انتم اين جامعاتكم ؟ اين مستشفياتكم ؟ اين معالم حبكم؟ اين مدارسكم ؟ اين مظاهر عمرانكم؟
كلها تبصر النور لحظة واحدة حتى أيقن العالم ان القدس عندكم ليست سوى مدينة كبقية المدن، وانها ان ضاعت، فالعزاء في القاهرة .. او بيروت، او الرياض …..
هل نسي العرب أن القدس هي تاريخ العرب ؟ القدس تعني سيادة.. تعني لغة … تعني شعبا ، تعني أحياء وأسماء وزوايا ، وطرقات وميادين!
واختتم الأستاذ الكبير ناصر الدين النشاشيبي حديثه عن القدس بقوله :
قالت لي القدس : انا مدينة وتاريخ! انا كل تاريخكم واغلى مدنكم! واعدائي هم أعداء تاريخكم وأعداء دينكم ، واعداؤكم الذين وقف باسمهم ( الجنرال اللنبي ) عام ١٩١٨ على بوابة باب الخليل وفي الساحة التي تحمل اسم عمر بن الخطاب وقال وقد انتفخت أوداجه وظهرت عروق وجهه المتصبب عرقا:
اليوم فقط انتهت الحروب الصليبية
وهكذا توالت عند ابوابي الضربات، بعضها قادم باسم الحروب الصليبية وبعضها قادم باسم العودة لأرض اسرائيل كل هذا واعز اهلي في غيبوبة عني…"
ونقول لعاشق القدس استاذنا المرحوم " ناصر الدين النشاشيبي" الذي أفنى عمره يكتب عنها أن حال القدس هذه الأيام أسوأ بكثير مما تركتها ، فالقدس سجينه في رمضان وغير رمضان ، العرب ليسوا في غيبوبة بل انهم حذفوا القدس من ذاكرتهم ومن كتب تاريخهم ،بل ان بعض العرب حملوا المعاول لهدم القدس خدمة لمن أصبح حليفا .
القدس يا استاذنا ليست بخير ورغم ذلك فبيت المقدس في رمضان هو حالة استثنائية من الروحانية والآمال والتحدي والصمود .
لأن القدس تحاول بدموعها أن تغسل عثرات الحاضر وتهيئ نفسها للغد الذى يحمل الأمل على جناحيه .
وللحديث بقية … إن كان في العمر بقية
خليل احمد العسلي