• 15 آذار 2025
  • نبض إيلياء

 في كل عام ومع  بداية شهر رمضان المبارك يبدأ الحديث الخافت في أوساط المقدسيين عن الإفطار الملكي الذي بات سنة حميدة  تتبع كل عام  ، كما وصفها الشيخ محمد حسين مفتى القدس والديار الفلسطينية  إلا دعوة جلالة الملك عبد الله الثاني  شخصيات المقدسية والدينية الإسلامية والمسيحية في قصر الحسينية ليحلوا ضيوفا على مائدة إفطاره .

 فمنذ بداية رمضان ويكثر الهمس حول من سيكون صاحب الحظ السعيد الذي ستتم دعوته هذا العام ليكون ضيفا على مائدة الملك،  كما ان هذا الهمس يدخل في مجال تفسير عدم دعوة هذا او ذاك من الشخصيات المعروفة ، ففي القدس تعتبر هذه  الدعوة بمثابة اعتراف بعلو شأن المدعو ومكانته الاجتماعية في أوساط  المجتمع المقدسي، وشهادة يتمنى كل المقدسيين الحصول عليها  .

 كما قال احد المسؤولين في الأوقاف فإنه بعد  توجيه الدعوات لشخصيات بعينها دون اخرى ترتفع أعداد الغاضبين  الذين لم تتم دعوتهم على إعداد الراضين،  فالجميع يريد ان يكون هناك في القصر وأن  يوثق هذه اللحظة الهامة في حياته المهنية والاجتماعية بصورة مع جلالة الملك عبد الله الثاني .

 وهذا العام كان الوفد المحظوظ  أقل عددا عن العام الذي سبقه وأكثر تنوعا وشمل شخصيات مقدسية معروفة لها باع في العمل الاجتماعي والاقتصادي والديني والسياسي، إضافة إلى عدد من أعضاء مجلس الأوقاف وشخصيات مسيحية تمثل الطيف المسيحي الذي هو جزء لا يتجزأ من المشهد المقدسي اليومي التاريخي .

 كما هي العادة يغتنم الحضور هذه الفرصة للحديث مع بعضهم بعضا حول قضايا تهم القدس اولا وتعميق الحوار بينهم في هذه الأوقات العصيبة بالذات مما يعود بالخير على القدس وأهلها ،  فهذا الراهب يعاتب ذلك الشيخ بموضوع مقدسي  و يدعوه لزيارته لاستكمال البحث وهذه الشخصية  تتذكر ايام العيش في البلدة القديمة مع هذا المطران الذي يذكره بأيام العب بالحارة معا ، فلا يحلو الحديث الجامع بين المقدسيين إلا في ضيافة الملك.

المميز هذا العام أن الحديث عن موضوعين أساسيين لا ثالث لهما أولهما موضوع معاناة المدينة المقدسة التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء بل ووصلت الى خطوط لم يتوقعها أحد في أسوأ كوابيسه  بسبب الإجراءات الاسرائيلية التي لم تفرق بين المقدسي المسلم والمقدسي المسيحي فالكل يعاني ، اما الموضوع الثاني فكان عن الوصاية الهاشمية التي تحظى بإجماع كامل في الشارع المقدسي وكما  اكد اعضاء الوفد المقدسي بأنه لولا الوصاية الهاشمية  لكان حال الأقصى وكنيسة القيام بأسوء حال ولكان الخراب قد حل على القدس وأهلها.

  وكان هذا واضحا في كلمة الشيخ عزام الخطيب مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية ونائب رئيس مجلس الأوقاف الاسلامية التي حظيت باهتمام واضح من قبل جلالة الملك عبد الله الثاني : "  إن رعايتكم للقدس والمقدسات  تعزز صمودنا وتقوي عزائمنا للقيام بواجباتنا الموكلة إلينا تجاه القدس والمقدسات والتي تزداد وتيرتها  في شهر رمضان الخير والبركة لخدمة المسجد الأقصى المبارك "

 ويختتم الخطيب كلمته

"  وبفضل الله يستقبل المسجد الأقصى تحت رعايتكم الهاشمية عشرات آلاف المصلين المتلهفين للصلاة  والقيام في أولى القبلتين رغم كل ما يتعرض له المسجد من تدخل شرطة الاحتلال في مهام الأوقاف وحصار المسجد ومنع الاحتلال آلاف المصلين من  الوصول إليه ورغم محاولات الاحتلال المتكررة بكل عبثية وغطرسة تغير الوضع التاريخي والقانوني والديني القائم في المسجد الأقصى المبارك ". 

 وبنفس الوتير تحدث البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والأردن، عن أهمية دور جلالة الملك كصاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مضيفا أنها مسؤولية سياسية وتاريخية كبيرة، وأمانة ذات أبعاد روحية وحضارية، تحمي نسيج الأرض المقدسة وتصون طابعها الفريد. وأشار إلى تزايد محاولات فرض قيود على حرية العبادة والوصول إلى الأماكن المقدسة، واستمرار التهديد بإخضاع ممتلكات الكنائس لضريبة البلدية الإسرائيلية.

 أما المطران وليم شوملي نائب البطريرك اللاتين  فلقد كانت كلمته اكثر وضوحا حدة ونالت اعجاب الجميع : 

في وقت كان فيه الصراع في فلسطين ليس فقط سياسيا أو عسكريا إنما ذا منحى أيديولوجي وديني، فإن الكنيسة الكاثوليكية لا تقبل تطويب أرض فلسطين باسم الشعب اليهودي بناء على التوراة كما تدّعي الصهيونية المسيحية في أمريكا. لم تكن التوراة أبدا سجلا للطابو تطوّب أرضا لشعب على حساب غيره. بل نزلت لنصرة الفقراء والمساكين والمظلومين وإقامة العدل والسلام في الأرض. فشعب فلسطين لا يقبل بوطن بديل عن فلسطين، حتى لو طوبوا له جنات الغرب والشرق.

 وقال أستاذ وقفية الملك عبدالله الثاني، كرسي تدريس فكر الإمام الغزالي في جامعة القدس والمسجد الأقصى المبارك، الدكتور مصطفى أبو صوي : 

"  فوصايتكم الهاشمية تعبير قانوني دولي وامتداد للعهدة العمرية التي سطرها سيدنا عمر الفاروق تاريخاً ناصعاً في الحفاظ على كنيسة القيامة للمسيحيين وحدهم مثلما هو المسجد الأقصى للمسلمين وحدهم، وكل تغيير احتلالي غير قانوني مخالف لهذه المبادئ لاغ وباطل وسيزول بإذن الله. ويرسّخ القرآن الكريم علاقة الأمة الإسلامية بالمسجد الأقصى المبارك الذي يرابط فينا كما نرابط فيه، فعلى ثرى بيت المقدس ما يستحق الرباط ومن أجلها ضحى أجدادكم ملوك الهاشميين بالغالي والنفيس.

 وبعد انتهاء الإفطار  والسلام على جلالة الملك وضيفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن عاد المقدسيون الى واقعهم المرير والى تحديات مجهولة بانتظار مدينتهم التي يعشقونها ويتمنون أن تحتضن أجسادهم عندما يحين موعد الرحيل عن الدنيا .

 خليل احمد العسلي