- 11 حزيران 2025
- نبض إيلياء
في مثل هذه الأيام قبل ثمانية وخمسون عاما اسودت سماء القدس ، بكت نساء القدس الثكلى وتيتم الأطفال( انا واحد منهم ) قبل فوات الاوان، وشحبت وجه الرجال قهرا وإذلالا ، وعلا نعيق الغربان، إيذانا بحقبة دامية قاسية، فلقد بدأ احتلال القدس بقوة عنيفة أحدثت صدمة للعرب في المدينة والذين استفاقوا ذات صباح صيفي حار من حزيران وقد تحولت المدينة التي هي مركز إشعاع حضاري ، كانت القدس مركزا إقليميا و متروبولين حيوي لتصبح بين ليلة وضحاها وبدون مقدمات إلى مدينة محتلة محاصرة على يد محتل يسعى الى قلب الحقائق التاريخية ،دحر الوجود والهوية العربية الإسلامية المسيحية للمدينة .
ومنذ اللحظة الأولى حرصت اسرائيل على تغيير الواقع وتدمير الرموز المؤسساتية الأردنية التي كانت رمزا للمدينة ، فاستولت على كل المؤسسات الحكومية ورفعت العلم الإسرائيلي عليها وابقت الموظفين فيها( مؤقتا) ولكن تحت قيادة موشيه وشمعون ويحزيقيل القادمين من العراق والمغرب والدول العربية الحاقدين على كل ما هو عربي .
كما أنها استمرت بعملية التغيير الفوري فمسحت عن الوجود حارة المغاربة بالكامل ، وطردت سكانها ، كما عملت على نقل العديد من المكاتب الحكومية الاحتلالية الى قلب المدينة فتحول المستشفى الاردني الذي كان قد تم بناءه مؤخرا إلى مقر للشرطة الاسرائيلية في الشيخ جراح ، ومكتب محافظة القدس إلى وزارة العدل..وكذلك البريد تحول الى مقر للشرطة ومدرسة دينية للمجموعات المتطرفة وغيرها من مؤسسات وابنية هي شاهد على الاهتمام الذي أولته الاردن للقدس ، وهكذا تواليك واستمر مسلسل التغيير الصادم والعنيف في الوقت نفسه حتى يومنا هذا .
ما علينا
المهم ، كيف كان تعامل الجانب العربي بما في ذلك الفلسطيني مع هذا واقع القهر المفروض على القدس ؟ عن هذا السؤال يمكن الإجابة بطرق شتى ولكن مع هو مؤكد أن التعامل كان من منطلق خاطئ حيث كان الاعتقاد والتعامل مع الاحتلال على أنه ثابت وغير متغير!! وهذا غير صحيح بالمطلق، فالمحتل في بداية السبعينات كان يريد ان يفتح حوارا مع السكان المحليين من أجل ترويضهم وإقناعهم بقبول بركات الاحتلال ، ولكن المحتل في السنوات الاخيرة لا يريد أي حوار بل يريد ان يحل محل السكان العرب ، وان امكن اخفائهم عن الوجود، وهذا ما يظهر جليا في المخططات المطروح في أروقة المؤسسات الحكومية والبلدية في القدس ، وغالبية هذه المخطوطات قد مرت مراحل متطورة وسريعة تمهيدا لخروجها لحيز التطبيق .
جميع هذه المخططات هدفها الأول السيادة والسيطرة وإخراج العربي من أي معادلة ، فانظروا الى مخطط المصرارة قبالة باب العامود والذي تبلغ مساحته
أكثر من خمسة وعشرين ألف متر مربع ويشمل فنادق ومرافق تجارية ميدان يطلقون عليه اسم ميدان شخيم ليحل محل باب العامود(أهم عنوان للبلدة القديمة ) والمصرارة وشارع السلطان سليمان وشارع صلاح الدين قد تم بالفعل تسجله لصالح جمعية استيطانية .
انظروا الى مخطط التلة الفرنسية الذي يشمل هدم المركز التجاري في مستوطنة التلة الفرنسية ويعرفه الجميع من اجل اقامة مباني بارتفاع أربعين طابقا واكثر من الف وخمسمائة شقة استيطانية وحوال ثماني مئة غرفة فندقية وتغير كل المنطقة في الشيخ جراح الواقع من ما يسمى التمثال الأبيض والذي سيحل محله كنيس يهودي اضافة الى مبان عامة وتجارية وسكنية في المنطقة مما يعني هدم الغالبية العظمى من المنازل العربية وعلى رأسها منزل المرحوم المربي المناضل "نهاد ابو غريبة" .
وهناك العديد من المخططات التي تعتمد على منطق الخلط في الوظائف للمباني من اجل ابقاء المنطقة حية كأن تكون هناك مكاتب حكومية مع تجارية مع سكن مع أسواق،،
كل هذه المخططات سوف تجعل المقدسي غريبا في قلب مدينته.
في المقابل ماذا نجد في الجانب العربي الفلسطيني ، لا نجد سوى السلبية والخوف من خلق الوقائع على الأرض والاستفادة مما هو متاح من أجل المواجهة فالمحتل يعتمد كثيرا على موقفنا السلبي وحالة العجز والقهر الذاتي لتمرير مخططه وتغير الواقع، وبات البعض يعتقد انه امام خيارين فإما أن نكون جزءا من هذه المشاريع وان نندمج في مؤسسات المجتمع المدني الاسرائيلي في القدس لنكون معولا يهدم ما تبقى من المجتمع ، او ان نبقى سلبيين تطبيقا للمثل الشعبي الفاشل " نمشي الحيط الحيط ونقول يا رب الستر ) المصيبة في ذلك أنه حتى لو طبقنا هذا المثال فإن الجانب الآخر لن يتركنا لوحدنا، لانه بالاصل لا يريدك لا مسالما ولا ايجابيا ، هو لا يريدك بالمشهد العام للمدينة .
ولكن هناك خيار ثالث فرغم ان كل مقدرات العالمين العربي والإسلامي لم تتمكن من تثبيت الهوية والصمود في المدينة بل نجدها تقف عاجزة على خلق الحقائق على الأرض، تلك الحقائق هي الخيار الثالث من أجل تعزيز الوجود وهوية المدينة ، إن لم نقوم بذلك قبل فوات الاوان " ان لم يكن قد فات فعلا" فإننا لن نستطيع تنفيذ أي شيء …
وستبقى القدس تعيش حال السيلان و الذوبان والضياع الكامل .
وللحديث بقية
ان كان في العمر بقية
خليل احمد العسلي