• 12 أيلول 2021
  • من اسطنبول

 

 إسطنبول – أخبار البلد- نشرت صحيفة العربي الجديد مقالة للكاتب  احمد زكريا عن  تاريخ الطباعة في الفترة العثمانية ويسعدنا ان نعيد نشر المقالة لأهميتها  .

إختلف الباحثون الأتراك حول أسباب تَأَخُّر إدخال المطبعة إلى الأراضي العثمانية لما يقرب من ثلاثة قرون، فيرى بعضهم أن الطباعة كانت محرّمة بفتوى، بينما ينفي فريق آخر مسألة التحريم، ويستشهد بوجود المطابع داخل الأراضي العثمانية منذ أواخر القرن الخامس عشر، وهي المطابع التي أسّستها بعض الأقلّيات، كاليهود والأرمن. ويرى هذا الفريق أن المجتمع العثماني نفسه هو الذي لم يتقبّل فكرة الكتب المطبوعة في أوّل الأمر، لأن علماء المسلمين كانوا يُفضلّون نسْخ الكتب على طباعتها، منعاً لتحريف الكتب الدينية.

وبعيداً عن الخلافات حول أسباب تأخّر اعتماد الدولة العثمانية المطبعة رسمياً، يُجمع المؤرّخون على أن أول مطبعة عثمانية طبعت الكتب باللغة التركية العثمانية، هي التي أنشأها إبراهيم مُتَفَرِّقة، الذي ولد عام 1674 في إحدى المدن التي تقع اليوم ضمن الحدود الرومانية. وهو كاتب ومترجم أُرسِل أسيراً إلى العاصمة العثمانية، وعاش فيها حتى وفاته عام 1745. استطاع متفرّقة أن يحظى سريعاً بمكانة رفيعة في الإدارة العثمانية، وبحكم إتقانه للعديد من اللغات من بينها التركية، بالإضافة لمعرفته بأمور السياسة، عمل ترجماناً في الديوان العثماني، ثم مستشاراً للشؤون الخارجية للسلطنة. وقد تمكّن من الحصول على فرمان من السلطان أحمد الثالث بتأسيس أوّل مطبعة رسمية للدولة العثمانية.

وفي سياق التأريخ لأوّل مطبعة عثمانية، افتتحت "المكتبة الوطنية" في أنقرة "معرض مُتَفَرَّقَة" في السادس من أيلول/ سبتمبر الجاري، ويستمر حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر المقبل. يوثّق المعرض قصّة أوّل مطبعة رسمية في العهد العثماني، التي تم افتتاحها عام 1727، وطبعت أول كتبها بعد عامين من تأسيسها. ويحتوي على 17 كتاباً طُبعت في مطبعة متفرِّقة، وتتنوّع بين المعاجم وكتب التاريخ والسياسة والجغرافيا. من بينها الكتب التي ألّفها متفرقة أو قام بترجمتها. إلى جانب عرض بعض الصور والوثائق المتعلّقة بإنشاء المطبعة والكادر المؤسِّس لها، والكتب التي طُبعت بعد وفاة متفرقة.

وبحسب ما صرّح به أيهان توغلو، رئيس دائرة المكتبات في الرئاسة التركية، لوكالة "الأناضول"، في افتتاح معرض متفرّقة، فإن أول كتاب طُبع فيها هو "معجم فَانكُلو"ـ وهو ترجمة لمعجم "تاج اللغة وصِحاح العربية" المعروف بـ"الصِّحاح" لإسماعيل بن حماد الجوهري، وقام بترجمته إلى التركية العثمانية محمد أفندي فانكُلو، وطُبع عام 1729. كما أشار توغلو أيضاً إلى أن أكثر من 60 بالمئة من الكتب التي طُبعت في حياة متفرّقة ظلّت على الأرفف ولم يقم أحد بشرائها، وأنه كان يطبع خمسمائة نسخة من كلّ كتاب، باستثناء بعض الكتب التي طبع منها ألف نسخة.

ومن أبرز الكتب التي طبعها متفرقة: "تحفة الكبار في أسفار البحار" لكاتب شلبي (المعروف بحاجي خليفة)، وقد كُتب لرفع الروح المعنوية لرجال البحرية العثمانية بعد العديد من إخفاقات أسطول العثمانيين، ويتناول فيه أمجاد التاريخ البحري العثماني، وطبع عام 1729. وكتاب "تاريخ مصر الجديد: تاريخ مصر القديم" لسهيلي أفندي، الذي تناول فيه تاريخ مصر قبل الفتح الإسلامي وبعده، وطُبع عام 1730. ورسالة "أصول الحكم في نظام الأمم" لحسن كافي الأقحصاري، وطُبعت عام 1732 في 48 صفحة، وتتناول شؤون الحكم والأساليب العسكرية وأمور الحرب. بالإضافة إلى كتاب "روضة الحسين في خلاصة أخبار الخافقين" لمصطفى أفندي نعيمة، وهو أول كتاب يتناول تاريخ العثمانيين حتى ذلك الوقت، وطُبِع عام 1734، بالإضافة إلى أول معجم فارسي تركي وهو "لسان العجم" لحسن شعوري، وطُبِع عام 1742.

أهمّ ما يميز "معرض متفرّقة"، إلى جانب هذه الكتب، أنه يحتوي أيضاً على سجلّات مطبعة متفرّقة والمخطوطات التي كتبها بخط يده، مثل مخطوطة "رسالة إسلامية" التي كتبها بعد اعتناقه للإسلام بعدّة سنوات. كما يحتوي المعرض أيضاً على عدد من أبرز الخرائط القديمة لمصر وإيران والبحر الأسود وبحر مرمرة.