- 8 آيار 2025
- حكايات مقدسية
بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام
بداية المشهد داخل مدينة القدس العتيقة يظهر أثناء الاحتفال بالمناسبات الدينية موكب رجال الدين المسيحي المطارنة يتقدمه قواسون اثنان يسيران بالمقدمة كالقناصل بزيهم المميز معلين بدأ الشعائر والطقوس بدأ بالاحتفالات إضافة للفرق الكشفية والموسيقية التي جرت عليها مدينة القدس مهد الرسالات أجيال وراء أجيال عراقة الموقف وجمالية المكان يصطف المقدسيون على جانبي الطريق ريثما يمضي الموكب عبر طرقات المدينة التي أنساها الفرح ردحاً من الزمن
لعل تلك المهنة طافت أرجاء العالم قديماً وحديثاً وألقت ركابها في المدينة المقدسة مدينة السلام وحرية عقيدة الإنسان في زمن غابت عنه أبسط الحقوق
قد تتساءل أيها القارئ الكريم عن مقالتي تلك وسبب اختياري لحكاية قديمة حديثة لحد ما!!
حكاية مهنة القواس في مدينة أنهكتها أحداث وأحداث وما عاد لأهلها أبسط الحقوق استسلم المقدسيون سواء مسلمون أو مسيحيون من ممارسة الشعائر الدينية أو الوصول لأماكن العبادة اليأس والفشل والإحباط حتى ما عاد يبصر بصيص أمل أو فرح يدعوه للتفاؤل والمضي قُدما في هذه الحياة أردت أن أبعث برسالة صادقة لكل إنسان في هذا العالم ولمن بقي في قلبه ذرة إيمان أهكذا أضحت مدينة السلام؟؟
كلمة أصلها الاسم قَوَاص (قَوَاصِي) في صورة جمع تكسير وجذرها (قصو) وجذعها (قواصي)وهو لباس الحشمة (Previous) القواص وجمعه قواصة او قواصون،
كان قديماً القواسون يحملون غدارات وبنادق وسيوف امام المسؤول لفسح الطريق وقواصة البطريرك ومن ثم المطارنة كانوا يحملون عكازات مخروطة من خشب الجوز ومطلية بالبرداخ الاسود او البني (كالتي يحملها البطريرك والمطران كالعادة والتي نراها بأيديهم وهم في لباسهم الكهنوتي اليومي) وكانوا يطرقون بها على الارض اثناء المشي فتفسح الناس المجال لمرور البطريرك والمطران…
وصار تقليداً جميلاً تم الغاؤه في عهد البطريرك اغناطيوس الرابع… اما في القدس في بطريركية اورشليم الارثوذكسية واللاتينية فلا زالت عندهم كتقليد جميل وعادة الكنائس ذات النهج اليوناني تحافظ على العادات المتوارثة ومنها وظيفة القواس
القواس هو المرافق للمسؤول الديني وعندما منح ابراهيم باشا المصري في حملته على بلاد الشام من 1831-1840 المسيحيين الحقوق والواجبات ذاتها الممنوحة للمسلمين في بلاد الشام وتحديداً دمشق وسارت الدولة العثمانية على منواله بعد طرد هذه الحملة من بلاد الشام، سمح للبطريرك بأن القواصة يمشون قبل البطريرك الأورشليمي بالطرابيش انما بلباس مختلف عبارة عن بدلة كحلية اللون وهم يطوفون بالعكاكيز سبع مرات حول القبر المقدس قبل دخول البطريرك الأورشليمي الى داخل القبر المقدس حسب المعتقد المسيحي
ويقول القواس جاك غزاوي من مدينة القدس إن مهنتنا شبه تطوعية ولانتقاضي عليها أجرا فهي قد أصبحت من صميم تراثنا وأكون سعيدا جدا حين أقوم بعملي الذي يتمثل في حراسة الشخصيات الدينية وتسهيل سيرهم في الاحتفالات وعن طقوس المهنة يتحدث غزاوي عن الزي الذي يرتدونه بأنه تقليد للزي العثماني الذي كان يرتديه القواسون في العصور السابقة وأن حمل السيف هو تقليد أيضا لما كان يحمله القواس العثماني الذي هو أصلا شرطي والسيف من ضمن سلاحه الذي يحمله وعن العصا التي يحملها اضاف غزاوي إنها عادة ما تكون من خشب الزان الصلب وتتصل بقاعدة من الحديد الصلب ورأسها يكون من معدن الفضة حيث يقوم القواس بواسطتها بضرب الأرض بشكل منتظم لتنبيه الناس بإخلاء الطريق أمام الشخصية الدينية والإعلان عن وصوله ويتحدث القواس شبلي أبو سعدى وهو من بلدة بيت ساحور عن هذه المهنة فيقول إن الديانة ليست شرطا لعمل القواس حيث كان أغلبية القواسين سابقا من المسلمين وإنه بإمكان المسلمين حاليا أيضا العمل بها إن أرادوا ذلك وعن مشاعره أثناء قيامه بعمله .
يقول الاستاذ الباحث د ناهد كوسا
القوّاس هو يعمل في الكنيسة (في بلاد الشام ومصر وقديماً في العهد العثماني) كحارس لرتبة دينية (كالمطران أو البطريرك)، أو سياسية (لدى السلطان) تماماً كعمله في قنصلية أو هيئة ديبلوماسية (قديماً). حالياً، في حلب، تبدّل لباسه إلى لباس مدني عادي.
ويضيف الاستاذ مصطفى شحادة:
كان القواس يتقدم الجنازات سيرا" على الأقدام بلباسه التقليدي هذا قميص ساتان تعلوه صدارة وشال عجمية ملونة تلف وسطه يتلوها شروال كبير فضي اللون على الغالب مشغل عند الجيوب ويعلو رأسه طربوش احمر مخملي وشرابة حريرية سوداء مدلاة تتراقص مع كل حركة وحذائه الاسود اللماع يحمل بيده سيفا “كبيرا" مرصعا" او باكورة مزركشة مشغلة ومعه لفيف من الصبيان يتقدمون الجنازة بانتظام على موسيقا جنائزية إيقاعية ..... ويحدث هذا عصر اغلب الأيام فأقف مستمتعا" بهذا الاستعراض الجنائزي الجميل وهذا القواس ممشوق القامة منتبها موزون الخطوات بطيئها متوافق حركة اليدين مع الرجلين رافع الرأس مزهوا" بقامته ولباسه التقليدي الجميل
يقول المرحوم عباس محمود العقاد في مقالة له عام ١٩٤٦ في مجلة الرسالة
القواص عرفت هذه المهنة والكلمة بين المصريين وغيرهم من الأمم التي شملتها دولة الخلافة العثمانية في أواخر أيامها فلم يكن (للقواص) عمل غير الوقوف على الأبواب ولم تزل الكلمة تقترن بأصحاب هذا العمل من الترك والارنؤوط والشراكسة حتى حسبت من كلمات اللغة التركية، وكتبها بعضهم في أوربا كما كان ينطقها الترك كفاش ولكن الكلمة على التحقيق عربية من بقايا الدولة العباسية، لان القواسين كانت طائفة من طوائف الجند يحملون الأقواس كما كان السيفون يحملون الاسياف، والبالون يحملون النبال، والرامحون يحملون الرماح. ولم يكن عمل القواس في أول عهده مقصورا على الوقوف بالأبواب والأذن لطلاب المثول بين أيدي الأمراء والرؤساء، ولكنه كان يتقدم الأمير في مواكبه أو يخرج بين يديه كلما خرج للصيد أو في محافل العرض العسكري ليحمل له القوس التي يصيد بها أو يستخدمها في الرماية؛ لان الأمير كان يتقلد سيفه ولا يعهد في حمله إلى غيره كما يفعل بالأقواس والرماح.
كتب الأستاذ محمد طباخ في منشور على صفحته عن مهنة القواص واصل الكلمة ان أصل الكلمة قواس وكان القواص يحمل سيفاً مفضا او عصا مفضة
وغالبا ً يلبس الطربوش ولباسه ايضاً مزركشاً وقال البعض ان المهنة والكلمة عثمانية وبالتركية kavas أولئك الذين يحملون راية " التركة نعود قديماً لمن لايزال يتذكره… ولمن لا يعرف شيئاً عنه وعن القواصين…
وهو المرحوم متري الباشا قواس البطاركة الكسندروس طحان وثيوذوسيوس ابو رجيلي واول عهد البطريرك الياس معوض… ورثها عن أبيه الذي كان قواص البطريرك وغريغوريوس حداد ثم الكسندروس طحان…
عن كل ما نشر مؤخراً عن القوّاس هو أن مهمته أولاً هي الحراسة والدفاع عن شخصية أو مؤسسة قد تكون مؤسسة مدنية أو دينية حيثما تتواجد أو تتحرك ليس فقط لحمل قوس الأمير بل لاستخدامه في حال الضرورة لا شك أن القوّاس يتقن الرمي ويقوّس …
والمشي أمام الشخصيات في المراسم نوع من تأمين الطريق لسلامة من هم في خدمتهم استبدلوا اليوم بما يسمّى body-guards
مع حفظ الألقاب …. وهذا شيء قديم جداً نقرأه في الرقميات المسمارية الحثية عن المراسم الدينية للملوك والكهنة آنذاك
في الأرض المقدسة – يُعد القواس جزئاً هاماً من تقاليد موكب الكنيسة في الاحتفالات والأعياد السنوية المختلفة، وهم ليس فقط جزء من التراث الشعبي في القدس، بل أيضاً حُّراس للتقاليد الموروثة عبر التاريخ، حيث يحافظون على ثبات إقامة الصلوات الدينية في المدينة المقدسة.
مهنة القواس هي مهنة تاريخية، الكلمة مشتقة من كلمة القوس، وعلى مر العصور شكلت فرقة القواس أو الرماة جزءاً هاماً من الجيوش، كانت مهمتها تغطية عمليات الاقتحام أو الانسحاب في المعارك.
استخدم سلاطين باشا في كتابه الشهير (السيف والنار) كلمة قواص كثيراً، فالقواصين كانوا في مكان ادارة الاستخبارات والأمن والحراسة الخاصة به
قرأت في (الثقافة) الغراء مقالا للكاتب الفاضل الأستاذ محمد فريد أبى حديد بعنوان (القواص المذهَب) قال فيه:
وكانت وظيفة القواص بسيطة جدا تتلخص في أن يقف ذلك الموظف على باب سيده الباشا الكبير، أو الحاكم الجليل لابساً ملابسه الزاهية الموشاة بالقصب الذهبي اللامع. ويحرص على أن يربي شواربه حتى تصير مثل الحبال الطويلة، ثم يبرمها برما شديدا ويشدها بالأذهان حتى تصير مجدولة ترفع طرفيها كالحراب، فيصبح منظره بهذا مهيبا يقع في النفوس موقع الرهبة؛ وصارت هذه الشوارب موضع تفاخر القواصين.
يسعى القواس الى تخفيف التوترات بين مختلف الطوائف المسيحية التي تسعى إلى الاستيلاء على الأماكن المقدسة، ويتابع الأخ أثناسيوس: “يخدم القواس قبل كل شيء هدف السيادة، إنهم يؤكدون وجود الكنيسة التي يمثلونها، حيث أنه يتم إفتتاح احتفالات عيد الميلاد في كنيسة المهد بدخول البطريرك بموكب رسمي يرافقه كل من الترجمان (المترجم) وقواس من الطائفتين الأخريين كدليل على السيادة
السيد وليام ميخائيل الذي عمل خلال السنوات الثلاثين الماضية كقواس يُشاركنا قائلاً: “لي شرف كبير أن أقوم بمهام القواس، وذلك بسبب أهمية الدور الذي ألعبه في حراسة البطريرك والأساقفة والكهنة المرافقين له خلال الاحتفالات والأعياد الكنسية المختلفة، ضارباً بشكلٍ مُنتّظم الأرضِ بالعصا لتنبيهِ الناس بإفساح الطريق للموكب. كما وأرتدي الزي الأزرق الذي يُحيي ذكرى الزي التقليدي العثماني الذي كان يرتدونه القواسون في العصور السابقة
المصادر
أُخذ هذا المقال من مجلة Terre Sainte الذي تم نشره في مجلة تشرين الأول – تشرين الثاني من عام 2022، وترجم من قبل مكتب الإعلام للبطريركية اللاتينية.
الصورة لقواص تعود الى عام ١٨٧٠
بقلم محمد طباخ في ٥ حزيران ٢٠٢٣
د. جوزيف زيتون
الاستاذ الباحث د ناهد كوسا
السيد وليام ميخائيل
الأستاذ محمد فريد أبى حديد بعنوان (القواص المذهَب)
الأب ماري-ألفونسين راتيسبون
متري الباشا قواص البطاركة
القواس جاك غزاوي
الاستاذ مصطفى شحادة
الكاتب عباس محمود العقاد في مقالة له عام ١٩٤٦ في مجلة الرسالة