• 3 نيسان 2021
  • حارات مقدسية

 

بقلم : القاضي المقدسي فواز ابراهيم نزار عطية

 

من الحكمة بمكان  أن يقف المرؤ على حقيقة الرواية اليهودية، التي لا تكفُ عن اختلاق الأساطير، فالطقوس التلمودية وأداء الصلوات - دون التقليل أو الاستهتار والاستهزاء بالدين الآخرفيما إذا كانت ضمن شريعة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام - بشعائر خاصة تتمثل بوضع الوصايا الورقية وأغصان الزيتون بين حجارة رباط الكرد، على اساس مسمى استحدثته بلدية الاحتلال بإسم:"هكوتل هكتان"، أي "المبكى الصغير"، دون الاخذ بعين الاعتبار إلى الواقع القانوني والتاريخي والديني لحوش الشهابي أو رباط الكرد، الذي يقوم ذلك الحوش على اساس دامغ طافح  بالمستندات، وبما يؤكد الذي على أن حوش الشهابي يعود لعائلة الشهابي بموجب حجية وقف أنشأت قبل ثلاثة قرون من الزمان تقريبا.

لكن الاسطورة اليهودية،  قد تجعل من الحلم التهويدي حقيقية في يوم ما لتتجسد ملامحها بين عشية وضحها، لمفاجأة أهل القدس في القريب العاجل من أجل خلق واقع جديد، أسس له عام 1996 بهدف إحكام السيطرة على الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك، وتحويله لمكان مقدس لليهود ليكون امتدادا لحائط البراق، الامر الذي يعني تهجير قسري لسكان تلك المنطقة القاطنة فيه منذ مئات السنين، بزعم قدسيته وفق الرواية اليهودية .

مسلسل التهويد مستمر بجميع الاتجاهات، جزء منها ما يخطر على البال والجزء الاكبر لا يخطر على بال أحد، فنحن لا ننكر وجود اليهود في المدينة المقدسة، ولا يمكن إنكار حقيقة وجودهم كمواطنين صالحين وقت أن سُمح لهم بالمكوث فيها إبان حكم الإمبراطورية العثمانية للقدس الشريف، ضمن اطار الصلاح لكل مواطن يعيش في المدينة المقدسة يهوديا كان أو مسيحيا أو مسلما، إذ أنبأت سجلات المحكمة الشرعية في القدس الشريف، المحفوظ نسخة عنها في المكتبة الوطنية في القدس الغربية، على واقع تواجد اليهود كمواطنين غير عابثين بأمن وأمان المدينة، وخُصص لهم حارة بإسمهم"حارة اليهود"، وعاملتهم الدولة العثمانية ضمن رعاياها دون تمييز أو محاباة.

وواقع سجلات المحكمة الشرعية الزاخرة بالمعاملات لطائفة اليهود، تشهد على حجم التداول في قضاياهم المطروحة امام القضاء الشرعي وقتئذ، بما في ذلك حجج حصورات الإرث التي كانت تصدر من القاضي الشرعي أسوة بالمسلمين والمسيحيين على حد سواء، وتلك الحجج تثبت كذب أي ادعاء يفضي على أنهم ظُلموا أو تعرضوا لأية مضايقات أو تنكيل إبان الحكم الاسلامي للقدس.

ومن هنا يجب أن يعلم  أهل القدس بصفتهم حراس أوقاف أجدادهم الذُرية التي أنشأت منذ مئات السنين، وبعضها منذ ألف عام واكثر، كما ويجب أن يعلم كل يهودي في هذه الديار المباركة التي ربطها الله عزوجل في مُحكم التنزيل، ربطا مُحكما بمكة المكرمة زمانيا ومكانيا في رحلة الاسراء والمعراج، التي مرت ذكراها علينا قبل ايام معدودات،

 فكيف  لهؤلاء القوم  أن ينكروا الأساس القانوني لوثائق صادرة عن المحكمة الشرعية  قبل 278 عاما، التي تفصح عن هوية أصحاب المكان وحقيقته، وتم توثيقها من مرجع مختص بسندات رسمية صدر بعضها في 1/9/1156هجري الموافق ل 19/10/1743 ميلادي؟ ومن يفسر لنا التعارض في تشخيص وتسمية المكان عندما استيقظت عائلة الشهابي والمجاورين لها في صبيحة أحد الايام، بوضع لافتتين من بلدية الاحتلال احدهما مكتوب عليها باللغة العربية "حوش الشهابي" والاخرى باللغة العبرية هكوتل هكتان "المبكى الصغير"؟  

أليس بحوزة الجانب الاسرائيلي كما ذكرت سابقا، صورة عن سجلات المحكمة الشرعية؟ ألم يقرؤوا واقع حجية وقف المرحوم عبد الوهاب شهاب الدين "الشهابي" شيخ الحرم القدسي ، الذي أوقف ما هو جار في ملكه وتصرفه بأن:" وضع البناء الذي أنشأه بالوجه الشرعي وما آل إليه في بعضه بالشراء الشرعي بمقتضى حجج شرعية جميع الدار الراكب بعضها على اقبية رباط الكرد، التي أنشأ بناؤها واقام سائر بيوتها بعد أن أُذن له بالاذن الشرعي بالتعمير والاحتكار الشرعي للارض الحاملة البناء بمقتضى حجة شرعية مؤرخة بتاريخ المشتملة الدار المرقومة على علوي وسفلي ووسطى فاعلوي يشمل على طبقة جديدة داخل مخدع لطيف بها كشك جديد مطل على الدار المزبورة  يستطرق للطبقة من سلم حجر بناء جديد والوسط يشتمل على طبقتين احداهما غربية سكن ولد الواقف الشيخ عبد الرحمن والثانية شرقية ملاصقة بسور الحرم الشريف وعلى أدب خانة جديد والسفل على ثلاث بيوت احدهما به مخدعين صغار واقع البيت المرقوم من جهة الشمال وعلى باب ايوان جديد والبيت الثاني من جهة الغرب من الدار والثالث من جهة الغرب الملاصق لسور الحرم وعلى مطبخ جديد وادب خانة وعلى صهريج معد لجمع ماء الاشتية ويستطرق للوسط والعلو من سلم حجر جديد وعلى منافع ومرافق وحقوق شرعية المحدودة قبلة الدار المزبورة من العلو رباط الكرد وتمامه دار وقف المرحوم شهاب الدين افندي .... "

ومن هنا نتسائل جميعا، أليس في قوانين الملكية ضمن رزمة التشريعات الصادرة عن البرلمان الاسرائيلي تحدد نطاق الملكية؟

وأليس في تلك التشريعات قيود على الادارة بألاتمس حق ملكية الأفراد والمؤسسات؟ وأليس فيها نصوصا تحرم وتجرم العبث في ملكية المواطنين؟ وأليس في تلك التشريعات نصوصا تفيد حق المالك في التصرف والاستعمال والاستغلال لسطح الملكية وما تحتها من عمق؟

 أليس في شق نفق من أسفل حوش الشهابي والعقارات الموقوفة عليه اعتداء على الملكية الخاصة لوقف وحوش عائلة شهابي ، التي تتمتع بملكية مشتركة في العقارات سابقة الوصف، وما ترتب عليها من احكار خصصت على وقف خيري أنشأ في العام 694 هجري من قبل صاحب الديار المصرية المقدر السيفي الكرد، للرباط في تلك المنطقة من اجل تيسير سبل اقامة العلماء القادمين من مختلف الامصار عند زيارتهم للمسجد الاقصى، أسوة برباط المنصوري عند باب المجلس ورباط المغاربة عند باب المغاربة، التي أُوقفت جميعها وقفا خيريا لكل وافد من علماء العالم الإسلامي ، ليقدم له  له السكن والمأوى والطعام والشراب حتى مغادرته، لماذا قُرأت تلك الحجج والمستندات الصادرة عن دائرة رسمية وانكروا قيمتها، أوليس في ذلك نكران للوجود العربي الاسلامي في القدس؟

إذا كانت المعضلة على النحو المفصل أعلاه لا تروق للجانب الاسرائيلي، حيث أنها لا تقوم على رواية أو حكاية، وانما واقعها موثق بسندات رسمية، ورغم أن تلك السندات من الناحية القانونية تصل لأعلى مراتب الحجية، إلا أن الجانب الآخر مازال ينكر قيمتها، فكيف لأهل القدس خاصة ولأهل فلسطين عامة أن يصدقوا  بأن هناك من الجانب الاسرائيلي من يؤمن بالوجود العربي الاسلامي في القدس.

الأمر الذي يستدعي من هيئة متولي وقف عائلة الشهابي أن يسلكوا الدرب القانوني، بمراجعة الجهات المختصة لتثبيت وقفهم بما اشتمله من ساحات وعقارات وما خصص له من احكار، وبما يضمن من حق الانتفاع وحق الارتفاق بتلك العقارات الموقوفة من خلال حوش الشهابي وهو رباط الكرد، ضمانا وصيانة لحقوق الملكية ومشتقاتها، التي تضمن لهم حق العلو وحق السفل، ولمنع الادارة المحتلة من التعسف والتمادي بما لا يقع في ملكها، ولتقييدها وتكبيلها بالوسائل القانونية المتاحة.