• 4 آيار 2021
  • حارات مقدسية

 

بقلم : الشيخ الباحث مازن اهرام

 

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ               بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ                   فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ

تقبل الله طاعتكم، وكل عام وأنتم بخير بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، نسأل الله تبارك وتعالى أن يعيده عليكم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجعل هذا العيد بشير خير وبركة على الأمة العربية و الإسلامية وأن يجعله نذير وبال وحسرة على أعداء هذه الأمة

مرة أخرى، يحل عيد الفطر على مدينة القدس وفلسطين وسط مزيد من الأزمات. ومع ذلك يمكن رؤية ابتسامات، ولو ناقصة، على وجوه الأطفال، لأن الفرح لن يتوقف

يسرق المقدسيون فرحة العيد وينشلونها من أكوام الهموم التي تتعاظم في مدينتهم المحتلة، ورغم الألم ينهضون بكامل طاقتهم صباح يوم العيد ويتجه عشرات الآلاف منهم إلى المسجد الأقصى المبارك لأداء صلاة العيد باعتبارها أحد الطقوس التي يرفضون التقاعس أو التخلي عنها

وتعج ساحات المسجد بألوان ملابس الأطفال الذين وجدوا في هذا المكان متنفسا وفرصة لتبادل المعايدات مع أقرانهم

وبعد مغادرة الأقصى يتجه كثيرون إلى المقابر المجاورة لزيارة الأموات، وهذه إحدى العادات المقدسية المتوارثة منذ أجيال، وهناك يوزع الزوار الحلويات على بعضهم بعضا  ثم يتفرقون إلى منازلهم لتبدأ جولة المعايدات للرجال  في حين تستقبل السيدات أقاربهن بالمنازل
عندما نقول عيد الفطر نذكر الملابس الجديدة والألعاب والحلويات والأراجيح، فهي أكثر ما يُفرح الأطفال في هذه المناسبة. العيد عيد الأطفال قبل أي أحد آخر نذكر أنّهم في يومه الأوّل، يستيقظون باكراً ويوقظون أهلهم استعداداً لليوم الذي لطالما انتظروه. العيد بالنسبة إليهم مناسبة للفرح والتباهي واللعب وقبض "العيديّة". إنه تحرّر من الأنظمة المعتادة في يومياتهم والجري نحو مساحات يستحقونها
يأتي عيد الفطر بعد شهر الصوم مترافقاً مع الحروب والفقر والأمراض هذا العام أيضاً، لتنغّص هذه الأخيرة فرحاً مجانياً نحتاجه في كل مكان. الفقر يصير أقسى يوماً بعد يوم ومناطق بحالها تغرق في دماء أبنائها. أما الأمراض المنتشرة فقد جاءت لتزيد من المشهد بؤساً فوق بؤس
لكن  وبالرغم  من كلّ الأزمات التي تخترق عالمنا العربي   والإسلامي  وبالقدس خاصة   تبقى للعيد خصوصيته، فهو المساحة المتبقية للملمة الروح والتمسك بالفرح رغم كل الظروف

وكما هو الحال عليه قبل أسبوع لدى حلول عيد الفطر السعيد حيث غابت أجزاء الفرح الحقيقي وبهجة العيد من قلوب ووجوه الآباء والأمهات والأطفال والشيوخ يتكرر المشهد اليوم حيث تغيب الفرحة والبهجة الحقيقية بحلول عيد الميلاد المجيد لتبدو القدس حزينة كئيبة، وقد منع الاحتلال المسلمين والمسيحيين من أبناء شعبنا من حرية الحركة والتنقل والوصول إلى الأماكن المقدسة خلال شهر رمضان المبارك ناهيك عمن تم إخلاء بيوتهم  وتم طردهم منها ونذكر الأسرى الذين يقبعون في السجون وكم من عيد غابوا عن أهلهم  وعن الثكالى وقد غابت أجسادهم وبقيت أرواحهم ترفرف في سماء القدس  وكم مزق الاحتلال شمل عائلات ونستذكر من باعونا بثمن بخس وطعنوا شعبنا بخنجر مسموم  في ظهرنا  ومن تأمر علينا من جلدتنا و......

تأتي الأعياد الإسلامية والمسيحية هذا العام لتكشف زيف ادعاء إسرائيل حول احترامها حرية العبادة، ووصول المؤمنين إلى الأماكن المقدسة، رغم كل ما تطلقه أبواق دعايتها من شعارات يتجرأ ساستها  بالبطش  والجبروت  والتنكيل  وإلى متى

لك الله ياقدس يا مدينة السلام ومؤل الأنبياء   ويا عُش الأولياء فصبراً جميل أليس الصبح قريب؟؟؟؟

العيد هو أشبه بمحطة استراحة في رحلة الحياة، أو واحة في صحراء الحياة  ولذلك كانت الأمم تخترع المناسبات المختلفة من قديم لتحتفل فيها وتفرح وتمرح، وهذا أمر وجده الإسلام ثم أقره، فعيد الفطر وعيد الأضحى عيدا الإسلام، وقد ربط الله تعالى الأعياد في الإسلام بالفرائض الكبرى وبالعبادات الشعائرية العظمى، فربط عيد الفطر بفريضة الصيام، وربط عيد الأضحى بفريضة الحج

وقد ارتبطت أعياد المسلمين بمعنيين كبيرين،

 المعنى الرباني والمعنى الإنساني  فالمعنى الرباني وهو أن لا ينسى الإنسان ربه في العيد  فليس  العيد انطلاقاً وراء الشهوات بل العيد يبدأ بالتكبير وبصلاة العيد والتقرب إلى الله عز وجل  فالعيد لا يعني التحرر من العبادات والطاعات  افعل ما أشاء

 أما المعنى الإنساني للعيد فيتمثل في الفرح والمرح واللعب والغناء ولبس الجديد وأن يتواصل المسلم مع غيره

وهناك ظاهرة نجدها في مجتمعاتنا الإسلامية اليوم للأسف، وهي اقتصار الفرح والطرب على الصغار فقط، رغم مشروعية الفرح والطرب للصغار والكبار، وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أسوة ففي أحد الأعياد أذن للحبشة أن يرقصوا ويلعبوا بحرابهم في مسجده الشريف، وكان يشجعهم ويقول: "دونكم يا بني أرفده" وسمح لزوجته عائشة أن تتسلق على كتفيه من الوراء وكان بيت النبي يطل على المسجد، وجعلها تنظر إلى هؤلاء الحبشة حتى هي شبعت وملت فقال لها "حسبك؟" قالت له: "حسبي"   فالرسول صلى الله عليه واله وصحبه وسلم كان يشجعهم على هذا لأنه يعلم أن هؤلاء القوم يهوون اللعب،

وأيضاً دخل سيدنا أبو بكر على عائشة رضي الله عنها في عيد من الأعياد وعندها جاريتان تغنيان وتضربان بالدف بغناء من أغاني العرب من أيام الجاهلية،  فانتهرهما سيدنا أبو بكر وقال "أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وكان صلى الله عليه وسلم متكئاً ومغطى بثوب، فظن أبو بكر أن الرسول كان نائماً، وأن عائشة فعلت هذا دون إذن من الرسول، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم وجهه وقال: "دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا، حتى يعلم اليهود أن في ديننا فسحة وإني بعثت بحنيفية سمحة"، فالإسلام ليس بدين تزمت ولا دين تضييق، بل هو دين الفطرة وفطرة الإنسان، إنه يحب اللهو واللعب وخاصة في هذه المناسبات.

وفي المقابل نجد في العبادات كثيراً من الناس يذهبون إلى صلاة العيد وحدهم دون صغارهم، ويذهب الرجال ولا تذهب النساء، فهذه السنة أماتها المسلمون للأسف مع أن النبي عليه الصلاة والسلام شرع العيد ليكون مهرجاناً للأمة كلها للكبار وللصغار وللرجال وللنساء، حتى قالت أم عطية: أُمِرنا أن نُخرِج العواتق ـ يعني الأباكر المخبئات ـ في العيد يشهدن الخير ويحضرن الخطبة ويشهدن هذا المهرجان الجامع، فالإسلام جعل صلاة العيد في المصلى ولم يجعلها في المسجد؛ حتى يجتمع أهل الحي الواحد أو أهل البلد الواحد إن أمكن في مصلى واحد يهنئ بعضهم بعضاً ويصافح بعضهم بعضاً

فإن العيد مظهر من مظاهر الدين وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حكم عظيمه   ومعان جليلة، وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها  

  فالعيد في معناه الديني شكر لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب   ولكنها تعتلج في سرائره رضا واطمئنانا   وتنبلج في علانيته فرحا وابتهاجا، وتسفر بين نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة

والعيد في معناه الإنساني يوم تلتقي فيه قوة الغني   وضعف الفقير على محبه ورحمة وعدالة من وحي السماء   عنوانها الزكاة والإحسان   والتوسعة

يتجلى العيد على الغني المترف   فينسى تعلقه بالمال   وينزل من عليائه متواضعا للحق وللخلق   ويذكر أن كل من حوله إخوانه وأعوانه   فيمحو إساءة عام بإحسان يوم

يتجلى العيد على الفقير المترب فيطرح همومه ويسمو من أفق كانت تصوره له أحلامه     وتنهزم لديه دواعي اليأس على حين تنتصر بواعث الرجاء

والعيد في معناه النفسي حد فاصل بين تقييد تخضع له النفس   وتسكن إليه الجوارح، وبين انطلاق تنفتح له اللهوات   وتتنبه له الشهوات

والعيد في معناه الزمني قطعة من الزمن خصصت لنسيان الهموم   واطراح  الكلف   واستجمام القوى الجاهدة في الحياة

والعيد في معناه الاجتماعي يوم الأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح   ويوم الفقراء يلقاهم باليسر والسعة   ويوم الأرحام يجمعها على البر والصلة   ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور   ويوم الأصدقاء يجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب     وتتصافح بعد انقباض  

وفي هذا كله تجديد للرابطة الاجتماعية على أقوى ما تكون من الحب    والوفاء  والإخاء  

وفيه أروع ما يضفي على القلوب من الأنس   وعلى النفوس من البهجة   وعلى

 ا لاجسام من الراحة

وفيه من المغزى الاجتماعي - أيضا -تذكير لأبناء المجتمع بحق الضعفاء والعاجزين  حتى تشمل الفرحة بالعيد كل بيت ، وتعم النعمة كل أسرة

وإلى هذا المعنى الاجتماعي يرمز تشريع صدقة الفطر في عيد الفطر، ونحر الأضاحي في عيد الأضحى   تشرق شمس العيد إلا والبسمة تعلو كل شفاه   والبهجة تغمر كل قلب

في العيد يستروح الأشقياء ريح السعادة، ويتنفس المختنقون في جو من السعة، وفيه يذوق المعدمون طيبات الرزق، ويتنعم الواجدون بأطايب الراحة

في العيد تسلس النفوس الجامحة قيادها إلى الخير، وتهش النفوس الكزة إلى الإحسان

في العيد أحكام تقمع الهوى   من ورائها حكم تغذي العقل   ومن تحتها أسرار تصفي النفس   ومن بين يديها ذكريات تثمر التأسي في الحق والخير ، وفي طيها عبر تجلي الحقائق ، وموازين تقيم العدل بين الأصناف المتفاوتة بين البشر ، ومقاصد سديدة في حفظ الوحدة ، وإصلاح الشأن ، ودروس تطبيقية عالية في التضحية، والإيثار، و المحبة

في العيد تظهر فضيلة الإخلاص مستعلنة للجميع  ويهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة  وكأنما العيد روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها

في العيد تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي

في العيد تنطلق السجايا على فطرتها   وتبرز العواطف والميول على حقيقتها

العيد في الإسلام سكينة ووقار، وتعظيم للواحد القهار   وبعد عن أسباب الهلكة ودخول النار

 والعيد مع ذلك كله ميدان استباق إلى الخيرات   ومجال منافسة في المكرمات ومما يدل على عظم شأن العيد أن الإسلام قرن كل واحد من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالها الخطير في الروحانيات  ولها خطرها الجليل في الاجتماعيات   ولها ريحها المهابة بالخير والإحسان والبر والرحمة   ولها أثرها العميق في التربية الفردية والجماعية التي لا تكون الأمة صالحة للوجود، نافعة في الوجود إلا بها  

هاتان الشعيرتان هما شهر رمضان الذي جاء عيد الفطر مسك ختامه   وكلمة الشكر على تمامه   والحج الذي كان عيد الأضحى بعض أيامه   والظرف الموعي لمعظم أحكامه

  فهذا الربط الإلهي بين العيدين ، وبين هاتين الشعيرتين كاف في الحكم عليهما ، وكاشف عن وجه الحقيقة فيهما ، وأنهما عيدان دينيان بكل ما شرع فيهما من سنن  بل حتى ما ندب إليه الدين فيهما من أمور ظاهرها أنها دنيوية كالتجمل   والتحلي  والتطيب ، والتوسعة على العيال ، وإلطاف الضيوف ، والمرح واختيار المناعم والأطايب ، واللهو مما لا يخرج إلى حد السرف   والتغالي ، والتفاخر المذموم  فهذه الأمور المباحة داخلة في الطاعات إذا حسنت النية؛ فمن محاسن الإسلام أن المباحات إذا حسنت فيها النية   وإريد بها تحقق حكمة الله ، أو شكر نعمته -انقلبت قربات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :

 ((حتى اللقمة تضعها في فيه امرأتك صدقة))  

  كلا طرفي العيد في معناه الإسلامي جمال   وجلال   وتمام وكمال   وربط واتصال   وبشاشة تخالط القلوب ، واطمئنان يلازم الجنوب ، وبسط وانشراح   وهجر للهموم واطراح   وكأنه شباب وخطته النضرة ، أو غصن عاوده الربيع ؟ فوخزته الخضرة  

  وليس السر في العيد يومه الذي يبتدئ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها   وإنما السر فيما يعمر ذلك اليوم من أعمال  وما يغمره من إحسان وأفضال ، وما يغشى النفوس المستعدة للخير فيه من سمو وكمال ؛ فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في العيد لا اليوم نفسه

 هذه بعض معاني العيد كما نفهمها من الإسلام   وكما يحققها المسلمون الصادقون

 فأين نحن اليوم من هذه الأعياد؟ وأين هذه الأعياد منا؟ وما نصيبنا من هذه المعاني ؟ وأين آثار العبادة من آثار العادة في أعيادنا

  إن مما يؤسف عليه أن بعض المسلمين جردوا هذه الأعياد من حليتها الدينية وعطلوها عن معانيها الروحية الفوارة التي كانت تفيض على النفوس بالبهجة   مع تجهم الأحداث   وبالبشر مع شدة الأحوال

 فأصبح بعض المسلمين -وإن شئت فقل  

كثير منهم -  يلقون أعيادهم بهمم فاترة، وحس بليد، وشعور بارد، وأسرة عابسة ، حتى لكأن العيد عملية تجارية تتبع الخصب والجد ، وتتأثر بالعسر واليسر ، والنفاق والكساد ، لا صبغة روحيه تؤثر ولا تتأثر

ولئن كان من حق العيد أن نبهج به ونفرح وكان من حقنا أن نتبادل به التهاني ونطرح الهموم ونتهادى البشائر - فإن حقوق إخواننا المشردين المعذبين شرقا وغربا تتقاضى أن نحزن لمحنتهم ونغتم ، ونعنى بقضاياهم ونهتم ؟ فالمجتمع السعيد الواعي هو ذلك الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة   ويمتد شعوره الإنساني إلى أبعد مدى ، وذلك حين يبدو في العيد متماسكا متعاونا متراحما ، حتى ليخفق فيه كل قلب بالحب ، والبر ، والرحمة ، ويذكر فيه أبناؤه مصائب إخوانهم في ا لأقطار حين تنزل بهم الكوارث والنكبات  ولا يراد من ذلك تذارف الدموع ، ولبس ثياب الحداد في العيد ، ولا يراد منه - أيضا - أن يعتكف الإنسان كما يعتكف المرزؤ بفقد حبيب أو قريب ، ولا أن يمتنع عن الطعام كما يفعل الصائم

وإنما يراد من ذلك أن تظهر أعيادنا بمظهر الأمة الواعية التي تلزم ا لاعتدال في سرائها وضرائها   فلا يحول احتفاؤها بالعيد دون الشعور بمصائبها التي يرزح تحتها فريق من أبنائها ، ويراد من ذلك أن نقتصد في مرحنا وإنفاقنا؛ لنوفر من ذلك ما تحتاج إليه أمتنا في صراعها المرير الدامي  

ويراد من ذلك- أيضا - أن نشعر بالإخاء قويا في أيام العيد فيبدو علينا في أحاديثنا عن نكبات إخواننا وجهادهم ما يقوي العزائم ويشحذ الهمم ، ويبسط الأيدي بالبذل ، ويطلق الألسنة بالدعاء ؟ فهذا هو الحزن المجدي الذي يترجم إلى عمل واقعي  

  أيها المسلم المستبشر بالعيد : لا شك أن تستعد أو قد استعددت للعيد أبا كنت أو أما أو شابا أو فتاة  ولا ريب أنك قد أخذت أهبتك لكل ما يستلزمه العيد من لباس ، وطعام ونحوه ؟ فأضف إلى ذلك استعدادا تنال به شكورا ، وتزداد به صحيفتك نورا ، استعدادا هو أكرم عند الله ، وأجدر في نظر الأخوة والمروءة

ألا وهو استعدادك للتفريج عن كربة من حولك من البؤساء والمعدمين  من جيران أو أقربين أو نحوهم   فتش عن هؤلاء  وسل عن حاجاتهم ، وبادر في إدخال السرور إلى قلوبهم   وإن لم يسعدك المال فلا أقل من أن يسعدك المقال بالكلمة الطيبة ، والابتسامة الحانية ، والخفقة الطاهرة وتذكر في صبيحة العيد وأنت تقبل على والديك ، وتأنس بزوجك ، وإخوانك وأولادك ، وأحبابك ، وأقربائك ، فيجتمع الشمل على الطعام اللذيذ ، والشراب الطيب ، تذكر يتامى لا يجدون في تلك الصبيحة حنان الأب ، وأيامى قد فقدن ابتسامة الزوج ، وأباء وأمهات حرموا أولادهم ، وجموعا كاثرة من إخوانك شردهم الطغيان ، ومزقهم كل ممزق ؟ فإذا هم بالعيد يشرقون بالدمع ويكتوون بالنار  ويفقدون طعم الراحة والاستقرار

وتذكر في العيد وأنت تأوي إلى ظلك الظليل   ومنزلك الواسع  وفراشك الوثير تذكر إخوانا لك يفترشون الغبراء  ويلتحفون الخضراء ، ويتضورون في العراء

  واستحضر أنك حين تأسوا جراحهم   وتسعى لسد حاجتهم أنك إنما تسد حاجتك   وتأسوا جراحك (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) ، (( وما تنفقوا من خير فلأنفسكم )) و(( من عمل صالحا فلنفسه )) و" من نقس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفسن الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " و" من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم " و"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر

ومِن حكم العيدِ وعظيم فوائدِه التكافلُ الاجتماعيّ بين المسلمين، ومِن مظاهر هذا التّكافل الإسلاميّ زكاةُ الفطر التي فرضَها النبيّ   صلى الله عليه وسلم   على المسلم صَغيرًا كان أو كبيرًا، كما في حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - قال: كنّا نخرج زكاةَ الفطر صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تَمر أو صاعًا من أقِط أو صاعًا من زبيب. متّفق عليه  ويجزئ هذا المقدارُ من كلّ حبٍّ  يقتاتُه أهل كلّ بلد كالأرز والذّرة والدٌّخن ونحو ذلك، وقد استحبّ كثير من أهلِ العلم إخراجَ هذه الزكاة يومَ العيد قبل الصلاة، وإن كان جائزًا إخراجُها قبل العيد بيوم أو يومين. وهي طهرةٌ للصّائم من اللّغو والرّفث وطعمة للمساكين، ومع أنّها بهذه الصّفة فهي مع ما يتصدّق به المسلم لتأمين مطالبِ العيد للمحتاجين سدُّ لحاجة الفقراءِ والمساكين وتراحمٌ وتعاطفٌ بين أعضاءِ المجتمع الإسلاميّ كما روى البخاري ومسلم من حديث النّعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمِهم وتعاطفهم مثَل الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسّهر والحمّى"

بارك الله للمسلمين عيدهم   ومكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه وسلم