• 5 تموز 2021
  • حارات مقدسية

 

بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام

 

في شارع الرشيد في القدس العتيقة   وعلى بضع خطوات من باب الساهرة

الاسم العربي الإسلامي للباب. حيث يقع بالقرب من الباب حي عربي يدعى باب الزاهرة.

الزاهرة هو تحوير لاسم "الساهرة" نظرًا إلى تلة الزاهرة،

هذا الباب هو واحد من أحدث أبواب مدينة القدس. في الوقت الذي بنى فيه سليمان القانوني  أسوار المدينة كان هناك بابٌ صغير موجود في الجدار الشرقي للسو ر 

والذي كان نادراً ما يتم فتحه. في السابق، كانت المنطقة السكنية داخل هذا الباب تُعرف باسم بيزيثا (التي ترجمت إلى "المدينة الجديدة وفي خارج باب الساهرة يقع عدة بيوت مترامية الأطراف تمتد الطريق الرئيس لتصل إلى كرم  العلمي  يجد الزائر على يمين الطريق المدرسة الرشيدية بنيت على يد متصرف القدس رشيد بيك عام 1906 في زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني على شكل مثمن المبنى ساحة واسعة.

 ولا يزال المبنى الأصلي قائما ً حتى اليوم يليها شمالاً بيت عائلة  العمد  المقدسية  وقض (أضحى فندق الأراضي المقدسة ) ويليها قصر الشيخ محمد الخليلي في عام 1711 بنى الخليلي قصره الصيفي في الكرم الذي يحمل اسمه (كرم الشيخ) قبالة باب الساهرة، ويعرف، الان، بقصر الشيخ، وهو مكون من طابقين، وفي الطابق  العلوي قصر الشيخ  وفي الأسفل معصرة زيتون، إضافة إلى مصبنة يتم صناعة الصابون  المتبقي من زيت الزيتون .

حكاية قصر الشيخ، طويلة، وذات أبعاد درامية، ومن تفاصيلها شجرة الصنوبر، التي أعجبت ولي العهد البريطاني الذي لم يجد أفضل منها عندما زار القدس عام 1862، ليعسكر تحتها. هذا الأمير هو مَن سيصبح لاحقا الملك ادوارد السابع.

وذكر الرحالة الفارسي الشهير ناصر خسرو الذي وصل القدس يوم 16 آذار (مارس) 1074م سهل الساهرة، في كتابه (سفر نامة)، والذي بالطبع كان خال من المباني آنذاك: "وبعد الجامع سهل مستو يسمى الساهرة يقال أنه سيكون ساحة القيامة والحشر، ولهذا يحضر إليه خلق كثيرون من أطراف العالم ويقيمون به حتى يموتون، فإذا جاء وعد الله، كانوا بأرض الميعاد اللهم عفوك ورحمتك بعبيدك ذاك اليوم يا رب العالمين".

ويقصد خسرو بالجامع، الحرم القدسي الشريف، وذكر الساهرة ياقوت الحموي في معجم البلدان :

"الساهرة موضوع في بيت المقدس. وقال أبو عباس: الساهرة أرض القيامة، أرض بيضاء، ولم يسفك فيها دم".

ومن المشكوك أن يكون كلام أبو عباس الذي ذكره ياقوت الحموي صحيحا، على الأقل بالنسبة لسفك الدماء، التي أريقت في كل بقعة في القدس وما تزال ومن بينها منطقة الساهرة.

المنطقة بحي الساهرة،   وقد عرفت  من خطوة الخليلي الجريئة ببناء مصيفه فيها، وربما كان من المهم، التوقف للإشارة بشكل سريع إلى شخصية الخليلي، والقول بأنه كان له دورا، واضح تماما أنه يتجاوز وظيفته الرسمية كمفتي للقدس، أو كشيخ للطريقة الصوفية القادرية، وبأنه كان شخصية هامة ومحورية في عصره، وبأنه الذي أوقف مكتبته، ليكون بذلك أول من حقق فكرة إيجاد مكتبة عامة في القدس.

وتبين بأن الأرض جزء من وقف أوقفه الخليلي في الأول من شعبان 1139هـ الموافق لـ 24 آذار (مارس) 1727م.

ومن  الجهة  المقابلة أٌقيم مبني البريد الذي يمثل معلما مقدسيا بارزا وسط المدينة، وقُبالة أسوار البلدة القديمة التاريخية من جهة باب الساهرة والمُفضي إلى شارعي صلاح الدين والسلطان سليمان الرئيسيين في المدينة، قاب قوسين أو أدنى من التهويد الكامل.

لنعرج  شمالا حيث عمارة العلمي  وقد أُنشئ بعض الحوانيت بداية مطعم الأخوين الشاويش ما أن يسير المار عبر الطريق إلا وتجذبه رائحة الشواء ليجلس في إحدى زوايا  المطعم ليحظى بسفوحين من الكباب  المقدسي المفروم على السيخ من يد العم أبو جميل الشاويش  مع توابعه  من الشواء الفُلفل والبصل  والبندورة  إضافة لصحن  السلطة والمشهيات  ويتبع الوجبة كأس شاي (زنكيل ) .

وعلى بعد خطوات نجد صيدلية نوبار أرسينيان (صيدلية القدس الكبرى  )  الصيدلي الطناس ينظر إليك من خلال نظارته ذات الإطار الأسود  وابتسامته  الرقيقة  تقف بجانبه زوجته تمد يد العون لرواد الصيدلية من خلف الخزائن الزجاجية  وقد احتوت  على العديد من  المراهم والعقاقير   يقوم  السيد نوبار  بتحضير الوصفات الطيبة  والذي يكتبها الدكتور محمود الدجاني وكانت عيادته مُقابل الفرمشية  .

وإضافة على نفس النسق من الحوانيت نجد صاحب المنجرة السيد علون ويليه حانوت الجبشة بائع السجائر  والتمباك  العجمي  ومشغل  جورج البيطار   والذي إمتهن حرفة مضخات الماء  والكهرباء .

واليوم نتذكر بيت العائلة

 ويليه بيت العائلة ويمتد على مفترق الطريق أي شارع الرشيد والطريق الفاصل بين عمارة السيد محمد القطب (المُرقي ) لخطباء المسجد الأقصى المبارك لمنبر صلاح الدين هو منبر أمر ببنائه نور الدين زنكي سنة 563 هـ ليضعه في المسجد الأقصى,  بعد أن يقوم بفتح المدينة. وقد صنع هذا المنبر في دمشق بواسطة مهرة الحرفيين من دمشق وحلب. وبالفعل نقل هذا المنبر إلى القدس بعد فتحها على يد صلاح الدين الأيوبي بعد أن فتح القدس فأمر بنقله ونصبه في المسجد الأقصى حيث خطب عليه قاضي دمشق محيي الدين بن الزنكي خطبة الجمعة بعدما غابت عن المسجد حوالي 90 عاماً هي فترة الاحتلال الصليبي

حانوت عمي َ!!!!

على ناصية بيت العائلة  نجد  حانوت  عمي أبو فؤاد  وبمفهوم اليوم تحسبه مجمع تجاري يحتوي على شتى البضائع  والمواد الغذائية  والمأكولات  وما يلزم من حاجات البيت على عتبة الحانوت تجد صناديق خشبية أحدها مملوء بالبصل  والثاني بالبطاطا  ويعلوها ضُمة من الثوم  كباقة ورد معلقة ومن الجهة  الأُخرى  تجد شوالين من الشعير والذرة

في داخل الحانوت وعلى المنضدة مطربان  الجبنة  البلدية  المغلية  المضاف إليها حبة البركة  يليها  مطربان الزيتون البلدي الأخضر ثم الأسود اليوناني و مخلل الخيار المكبوس ، وفي أسفل المنضدة  تجد إبريق زيت الزيتون  وإبريق السيرج( زيت السمسم ) و تنكة السمن البلدي ، والسمن الحلبي  أبيض اللون لصنع الحلويات ثم خزانة البهارات  والمكسرات

يجلس عمي على مكتبه  مُرتدياً مريوله كاكي اللون ، ترى من جيبه اليسرى العلوية قلمان أحدهما أزرق  والأخر أحمر ،  ليسجل مديونية الشهر  لزبائنه الكرام  بجانبه تلفون ذو القرص ومن خلفه  خزانة لفافات  الخيوط تدرجت كقوس قزح ,الرفوف امتلأت بالمعلبات  ويعلوها صناديق البسكويت الإنكليزي  والشكولاتة (شوكولاتة سلفانا) وفي ركن الحانوت ثلاجة مليئة بالعصائر  ، وأنواع الجبنة المتنوعة والزبدة  البلدية  وزجاجات الحليب الطازج  من مزرعة  العسلي ، وبالسقف نجد سلة من  الشبك  حديدية  مليئة بالبيض البلدي ، يبدأ نهاره من السادسة صباحاً للعاشرة مساء.

وما أن تهدأ حركة البيع بعد صلاة العصر حتى يتوافد الجيران يتناولون أطراف  الحديث  ذو  شجون  والقصص  ، وعلى قارعة الطريق وقد تم رش الرصيف غير المُعبد بالماء خوفاً من غبار  الطريق  تصطف الكراسي المغزولة بالقش ، وقام بصنعها  الحاج يحي  صندوقة محاذية لسور البيت  وقد خلا المارة  بالطريق  ، أحضر أحدهم بعض الحلوى  والثاني قض عمر نارجيلته  والثالث والرابع وهكذا يصعب عليهم الفراق يتفقدون بعضهم   بمحبة  وحفظ الجوار .

ينادي عمي قائلاً أحضر من امرأة عمك ركوة قهوة   إكراماُ للجيران

انتظر خُذ معك قرطاس ملفوف فيه حب الهال ليطيب طعم القهوة 

أجلب أبريق القهوة ،وبضع فناجين  السادة  ويبدأ سرد الحكايات

تأخر  أحد  الجيران  عن الحضور بعض الوقت  وقد أشغل بال الحاضرين فهو دائما من طليعة القوم !!

ما أشغلك نراك مهموماً حزيناً وكأن الطير على  رأسك  وأذرفت دموعك وأرخيت لحيتك ما عساك؟؟؟؟

أجاب بصوت خافت لقد هربت زوجته من البيت

زوجتك الأجنبية

نعم  :ومن  لي  سواها

يعبر الطريق الفنان توفيق النمري متوجها لإذاعة القدس في حي الزهراء وفي يده العود ليسجل بعضاً من أغانيه  

الجميع تفضل ... تفضل  نرتشف فنجان  قهوة  بمعيتك يجلس  ويرقب جارنا الشاكي الباكي  وهو يدمدم بعض الكلمات

قلبي معك مرهون يا ناكرة خيري--------- لأجلك صرت مجنون --عينك على غيري

ليش يا ناكره خيري

ليش هجرتيني --------- شو --شوفتي مني ذنوب ---- احسيبيني مذنب

بأستغفر وبتوب

وصبرت عليكي -------- صبر النبي ايوب --والله -- يا ناكره خيري

في ظلام الليل --- وحدي انا سهران

والنوم هاجرني -- وبحبك حيران--- رسمك قدامي-- بتشكيله الاحزان والله-- يا ناكره خيري

أغلي شئ عندي ---- قلبي وهبتك اياه ---- روحي العزيزة-- منك صاحت اه عقلي منشانك----ضاع مني --وتاه --والله يا ناكره خيري

التفت إليه توفيق  النمري  وقال له أسمعني

 وهو يردد وأنامله تعزف على العود ، فلم يمضي برهة من الوقت حتى تم إذاعتها عبر آثير إذاعة  القدس  لتخفف الأم الفراق عن جارنا العزيز .

تلك الذكريات عصفت وتبقى  آثارها  وأحداثها مُرها وحلوها تاريخها أماكنها ، نشتاق إلى  أجدادنا وأحاديثهم ،  في كل حارة وحي وزقاق لنا تاريخ كيف ننسى قدسنا درجنا على ترابها  وشربنا مائها  وأكلنا من خيراتها عشقناها نتنفس  هوائها   قبلتنا مسجدنا أقصانا  مسرى جدنا صلوات ربي وسلامه عليه  هي درة الوجود  هي القدس فهل تعرف القدس؟؟؟؟؟