• 11 كانون الثاني 2022
  • حارات مقدسية

 

 

بقلم : الباحث الشيخ  مازن أهرام 

 

حكايتنا اليوم عن حارة مقدسية تحمل اسما فريدا من نوعه، له العديد من الدلالات في الذاكرة المقدسية  التي كادت ان تختفى مع الايام ، ومن هنا تاتي اهمية المشروع الذي تقوم به شبكة  ” أخبار البلد“ بتخصيص  حيزا كبير فيها للحديث عن هذا الموروث الثقافي المقدسي المنسي بهدف احياءه وتقديمه للاجيال القادمة . 

 ومن هناك تبدا الحكاية : في صبيحة اليوم ومن أيام فصل الشتاء  السماء منهمرة وأرض المسرى ممتلئة والغيث يتنزل صيباً غدقاً نافعاً على قلوب البشرْ مخاطباً:

((أيتها القلوب الندية ، ذوات المشاعر الحسية ، أبقي كما أنتي وأصبري وصابري يا قدس على الألم فالصبح قريب اشتقت لك يا مطَرْ اً  تغسل قلوب البشر(وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا)

في حواري البلدة القديمة وبين أزقتها مبنى أثري قديم في أحد الأزقة القريبة من المسجد الأقصى، ينهمك فيه عدد من الموظفين في إعداد وجبات ساخنة، تُقدم إلى سكان مدينة القدس ومحيطها يتوافد أهل بيت المقدس إلى بناية العمارة العامرة (خاصكية السلطان ) مع بزوغ الفجر إلى  التكية  

يصطف عشرات الشيوخ والنساء والاطفال في طابور  الفقراء والأغنياء على حد سواء امام بوابة التكية والتي انشأتها روكسيلانة زوجة السلطان سليمان القانوني على بعد مئات الامتار من المسجد الاقصى

فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ  للحصول على وجبتهم من أرز وحساء فيما يحملونه من اوعية الكشكول مع تعدد أنواعه وأحجامه تبركاً وسد اً لرمقهم وطعاماً  لعيالهم من حساء الجريشة القمح المجروش بالماء مع اللحم او بدونه وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلًا طَيِّبًا ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِىٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤْمِنُونَ 

هذه المنشأة من أهم المنشآت الخيرية في القدس وفي فلسطين كلها، وما زالت تعمل وتقدم خدماتها للأسر وقد كانت تكية خاصكي سلطان من أكبر المؤسسات الخيرية في فلسطين طيلة العهد العثماني، واستمرت في تقديمها الخدمات الجليلة للفقراء والدراويش والمرابطين والمسافرين، ولزوار  التكية  التي أمرت السلطانة روكسيلانة أن تكون التكية وَقفاً في القدس سعيًا وراء “رضا الله” وذلك “للفقراء والمحتاجين والضعفاء والمشردين”، ذلك المبني الذي اشتمل على دير “بخمسة وخمسين بابًا” ونُزل مع مطبخ عام (تكيًه) ومخبز، وقد حوت المنشآت التي أقامتها الواقفة في القدس ووصف لها، وهذه المنشآت هي أربع 

 مسجد منيف، وعمارة كبيرة فيها مطبخ ضخم إطعام الفقراء، و55 حجرة لإقامة عابري السبيل والصوفية (رباط)، وخان واسع. ثم بيان القرى والمزارع والعقارات الأخرى الموقوفة على هذه المنشآت، ويبلغ عدد القرى والمزارع الموقوفة حوالي الثلاثين قرية ومزرعة وأربعة ألوية

زار التكية ووصفها الشيخ عبد الغني النابلسي 1101هـ / 1690م

وقال عنها: "ومن تكايا القدس المشهورة، تكية خاصكي سلطان، الواقعة في عقبة التكية المعروفة،

كشكولنا اليوم  ليس بمفهومه أعني التسول والعوز إنما أعني أن على أهل بيت المقدس يدخروا كشكولهم يوم لاينفع مال ولابنون و أن النفوس جُلبت على حُبِ  من أحسن إليها  وأن صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ , وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ , وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِفكم من عائلة مقدسية أسبل الله عليها ستر الحال والمآل مع راحة البال علمت ألا تنظر ما  في الكشكول بل إلى من تفضل وأعطى الكشكول  وأن اللقم تدفع النقم  " 

الكشكول قديماً عبارة عن  وعاء  يحمله  المتسول  ويجول  به  في الاحياء  من اجل  ان يحصل  على رزقه  من المحسنين .  وللكشكول  نوعان   نوع  يوضع  فيه  الطعام  المطهي  بالمرق الاحمر  ونوع  يوضع  فيه  الرز واللبن  والاشياء الجامدة   كالخبز والفواكه  والتمر وهذا متعارف عليه  بمدينة القدس.

 وجاءَ في المحيط: (الكَشْكول: وعاءُ المتسول يجمعُ فيهِ كلَّ ما تجمّعَ لديه من رزق)
والكَشْكُولُ اصطلاحاً: الكِتابِ الذَّي لا تَنْتَظِمُهُ (وَحْدَةُ موضوعٍ) بَلْ يَنتقِلُ فيهِ جامِعهُ مِنْ فنّ إلى فنٍّ؛ فَمِنْ تَفسيرِ آيةٍ إلى شَرْحِ رِوايةٍ، وَمِنْ مَسائِلَ عِلْمِيَّةٍ إلى طَرائفَ أدبيةٍ أوْ حَوادِثَ تأريخيةٍ أوْ نوادِرَ ومُسْتَطرفاتٍ ومُفاكهاتٍ. الكَشكُوْل في عُرْفِ أهلِ العلمِ اسم لِكتابٍ يَجْمَعُ مَا لذَّ وطابَ مِنْ الفوائدِ الأدبيَّةِ والشذراتِ الاجتماعيَّةِ والسوانِحِ الفِكْرِيَّةِ والقواعدِ العِلميَّةِ ولَطيف الأشعارِ ونَوادرِ الآثارِ، كُلّ ذلكَ مِنْ غيرِ تَرتيبٍ ولا تبويبٍ.
ويُقرِّبُ لنا الشيخ الطاهر الزاوي الليبي معنى كلمة كَشْكُول فيقُول:

 (وكَلمةُ كَشْكُول كَلمةٌ فارسيةٌ تُطلقُ على ما يُسمى عندنا بالعربيةِ (الحقيبة) التي يستعملها المسافِرُ في أسفارِهِ، والصوفيّ في سِياحَتِهِ؛ ليضعَ فيها ما يلزمهُ من حوائجهِ المختلفةِ)

والكشكول تشبه  الإناء  تدلى  في الجب  الذي  هوه  مستودع  ومبرد  للماء  في  الصيف ويخرج  الماء الكشكول  ويشرب منه  ويقال بالمثل :

 ((احلى  من ماي الكشكول )) 

أترك لكم العنان كلٌ في مخيلتهِ وافكارهِ  ليبحث عن كشكوله وما حواه 

فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ؟؟؟

المراجع:

أرّخ المبنى استناداً إلى حجج الوقف، ومنها سجل 270 في المحكمة الشرعية في القدس - الأوراق 18-49؛ واستناداً إلى أرشيف المتحف الفلسطيني (متحف روكفلر). ومن خلال هذه الوثائق، يمكن استنتاج أن العمارة العامرة شُرع في بنائها عام 959 / 1552، وأنها اكتملت حوالي عام 964 / 1557.

التكيّة، هي الكلمة التركية المسايرة للخانقاه وللزاوية،" بالتركية تعني الاتكاء أوالأستناد إلى شيء للراحة والاسترخاء، ومن هنا تكون التكيّة بمعنى مكان الراحة والأعتكاف، ويعتقد المستشرق الفرنسي "كلمان هوار" أن الكلمة أتت من "تكية" الفارسية بمعنى جِلد

تكية خاصكي سلطان في القدس:

خاصكي سلطان كانت زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني  ( 926 – 974هـ / 1520- 1566م)، وكانت من قبل جارية له واسمها الرسمي هو "خرم" وتشتهر عند المؤرخون الغربيون باسم "روكسلانة" أو "روسلانة"  فهي روسية الأصل، وكان لها نفوذ كبير على السلطان، وأقامت منشآت كثيرة في كل من إسطنبول وأدرنة ومكة والقدس وغيرها

1101هـ / 1690م الشيخ عبد الغني النابلسي المختار من الحضرة الأنسية /46. المفصل في تاريخ القدس/307. بلادنا فلسطين- في بيت المقدس 2/8، 60، 501. معاهد العلم في بيت المقدس/361، 362.

رائف يوسف نجم وآخرون، كنوز القدس، عمان: مؤسسة آل البيت، 1983، ط1،.

المؤرخ عارف العارف في كتابه "المفصّل في تاريخ القدس"، التكية، بأنها "من خيرة الأماكن الخيرية التي أنشأها الأتراك العثمانيون بالقدس

أوّل مَنْ سمَّى أمثالَ هذهِ المجاميع ب(الكشكول)، أمَّا أوّل مَنْ أطلق كلمة كشكول على كِتابهِ حسبما وقفتُ هُوَ: حيدر بن علي بن حيدر بن علي العلوي الحسيني الآملي المآزندرانيّ الصوفي (719 - ت بعد 782) في كِتابهِ: (الكَشْكُول فيما جرى لآلِ الرسول)

الاستاذ علي رائد رشيد / ماجستير آثار الهيئة العامة للآثار والتراث / دائرة المتاحف

كتاب فلسطين في ظل العثمانيين

سجلات محكمة القدس  الشرعية / الجامعة الاردنية 

الدكتور كامل العسلي  . وثائق  مقدسية  تاريخية  .ط1.3م.(عمان 1983-1985- 1989)

اصدار هيئة أشراف بيت المقدس