• 9 شباط 2022
  • حارات مقدسية

 

بقلم: الباحث الشيخ مازن اهرام

 

 هذا المرة لن احدثكم عن  حكايات القدس وحاراتها بل احدثكم عن القدس وعن بعدها  الانساني،. في أحد الأيام من شهر نيسان عام  الفين  كنت  اقف امام المحل التجاري للعائلة في منطقة باب العامود بمدينة القدس الشريف،  كانت حركة الناس نشطة خاصة على مقربة من محطة للمواصلات اكتظت الحركة التجارية ،كنت أقف استقبل الخُبز القادم من الفرن في خزانة زجاجية، في تلك السنوات  كنت  إماماً  ومدرساً في أحد مساجد القدس التابعة لإدارة الأوقاف الإسلامية.

كان المارة يتبادلون تحية الصباح ويترددون إلى البلدة العتيقة يتوجهون لقضاء حوائجهم من بيع وشراء والصلاة في الاقصى والتجوال في حواري البلدة  العتيقة ،  الشمس تلقي باشعتها الذهبية على المدينة لتزيدها جمالا اذانا بوصول فصل الربيع، والنسوة بائعات الفواكه والخضار ياخذن مواقعهن على درجات باب العامود يعرضن أطيب الأصناف القادمة من حدائق منازلهن . 

 وعلى مقعد خشبي على قارعة الطريق مقابل باب العامود يجلس رجلان يتحدثان عن أيام الشباب أحاديث الزمن الجميل وسنوات  لا تمحى من الذاكرة  ، ولا تمل من سماعها تكراراً ومِراراً فهي تراها كأطياف الألوان وكأنك تسمعها أول مرة  .

وقفت سيدة كبيرة عجوز تتهادى مشيتها  البطيئة  أمامي نظرت إلى وكأن في عيناها كلام لم تبوح به، بادرتها بابتسامة مُرحِباً بها ... تفضلي خالتي 

ترتكز بيدها اليمنى على عصا خشبية تُساعدها على المسير تحمل في يدها اليسرى كيس قماش فارغ. 

أدركت أن تلك السيدة بحاجة لشيء ما   

أخذتُ الكيس من يدها  ووضعت قالباً من الخبز بداخله وأشرت عليها الانتظار قليلاً ، ومن داخل الحانوت جلبت لها قطعة من الجُبن وبعض الأطعمة وزجاجة حليب  ثم  أضفتها الى الكيس 

 تبسمت ابتسامة ورفعت يديها بالدعاء   شاكرة لله دون ان يصدر عنها أي كلمة وغادرت من حيث أتت ….

في خلال تلك الأثناء  كان هناك صحفي أجنبي رصد الموقف  كان يلتقط بعض الصور خِلسة لم أُعيره انتباهي ، بدأ يقترب  مني قبل ان يبادرني ب الحديث هل أتكلم اللغة الإيطالية أو الإنكليزية قائلاً:

 هل تعرف تلك السيدة   ماذا أرادت ؟ أنت قدمت لها خبزا  وشيئا  أخر ... عفواً انت مُسلم   والسيدة نصرانية  ماذا تعمل ,انهالت عدة أسئلة متتالية 

قلت له صبراً اخي الفاضل 

بداية السيدة الفاضلة وقفت باب حانوتنا وقد شعرت أنها بحاجة لشيء ما   والمعطي هو الله  والخير من عند الله  الرزاق 

لِم أسألها عن مُعتقدها أو لسنا جميعاً أُخوة في الإنسانية !!!

وأن فرحة السيدة وابتسامتها قمة السعادة والدعاء لي شيء مبارك  

 اخي الفاضل أبواب الخير كثيرة ، فلا ندري من أي باب يُسوق  الله الخير ،  وفي مدينتنا المقدسة  الإيثار والعطاء  والتسامح جزء من أخلاقنا  وعقيدتنا هكذا جُبلنا وهكذا نشأنا  وما الغريب ؟

استغرب من سؤالك عن كوني مُسلما وهي نصرانية  دفعني  الفضول لدعوته لمشاركتي لاحتساء فنجان  قهوة  ليخبرني أنه يعمل مراسلاً  صحفياً لمجلةٍ إيطالية وقد طلب عنواني 

ومضت  ستة  أشهر على تلك الحكاية  ،حين حضر ثلاثة أشخاص يبدوا أنهم أغراب يتكلمون اللغة العربية لدعوتي لشرب الشاي في بيت يقطنون فيه على مقربة من حانوتنا ، وانهم يحملون رسالةً أردوا أن يقدموها لي 

الرسالة عبارة عن مجلة تصدر عن الفاتيكان بمدينة  روما ، وقد ورد فيها قصة الصحفي  وصورة  لي أمام خزانة الخبز، ورسالة شُكر  من سيدة  اسمها (كيارا لوبيتش) المولودة بتورنتو بشمال إيطاليا 1920 

ولم اكن  اعرف من هي هذه السيدة لكن عرفت ان كيارا لوبيتش ولدت  باسم سيلفيا لوبيتش في تورينتو وهي مؤسسة حركة الفوكو لاري، لم يكن هناك برنامج أو فكرة أن تؤسس شيئاً .

 وعندما بدا هؤلاء الحديث  عرفت انهم من مؤسسة  حركة  فوكو لاري  الإيطالية  التي تأسست الحركة عام 1943 على يد كيارا لوبيك في مدينة تورينتو الإيطالية كحركة دينية مسيحية تقدم العون للعائلات من أطعمة وملابس وعلاج .

فخلال الحرب العالمية الثانية، بينما كانت القنابل تدمر تورينتو، كانت لوبيتش تخوض تجربة دينية قوية، والتي نقلتها لوبيتش على الفور إلى أصدقائها المقربين. بعد إقناعها أصدقائها قرروا بأنهم، إذا قُتلوا، يرغبون في الحصول على نفس النقش على قبورهم: «ولقد آمنا بالحب». قادتها تجربتها في 7 ديسمبر 1943 إلى تكريس نفسها  للرب وتغيير اسمها إلى كيارا، تكريمًا لكلير الأسيزية. يعتبر هذا التاريخ بداية حركة فوكو لاري.

سعت حركة فوكو لاري إلى المساهمة في السلام لجميع الناس في كل بيئة اجتماعية. أصبح الهدف هو تحقيق عالم يعيش في وحدة

وأردف أحدهم مُعقباً : وفي هذه الطريق الجماعية يلاقي الأفراد، بالمحبة كمالهم الشخصي. 

بدأت حديثي مجرد مجاملة، ومن خلال الحديث الذي جرى بيننا شعرت أنه لديهم الرغبة  للتعرف والاستزادة  عن العلاقات  الاجتماعية  في مدينة القدس وبين أهلها،  حاولت أن يكون حديثي بسيطاً وافياً كافياً جامعاً لاهم المحطات التاريخية ، وقد شرعت بالعهدة العمرية لسيدنا عمر بن الخطاب لأهل إيليا (القدس) عندما فتحها المسلمون عام 638 للميلاد، وقد اعتبرت العهدة العمرية واحدة من أهم الوثائق في تاريخ (القدس)وتُكتب بماء الذهب:

” هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيليا من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها. أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم…."

وبالمقابل ان ما جرى ويجري من حروب وويلات في العالم وقهر الإنسان لأخيه الإنسان ودمار وتشريد وهدم لحضارات وإبادة لثقافات  وتجارة لأسلحة تفتك بالبشر وتيتم الأطفال  وترمل النساء وأضيف ماذا جلبت لنا تلك الحروب سوى الخراب وإلى متى 

أيها الأخوة أن الخير  والشر في هذه الدنيا  قائم فمن زرع بذور الخير حصد خيراً عظيما ومن أراد أن يفسد  في الأرض (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ في ٱلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ)والله سبحانه وتعالى قص علينا قصة قابيل وهابيل عبرة وحكاية 

حكى لنا القرآن الكريم قصّة قابيل وهابيل في سورة المائدة، إن عمارةَ الأرض تأخذ صورًا شتى؛ كذلك تشمل إعمال العقل في كلِّ ما يفيد هذه البشرية وتلك الإنسانية، فيحاول هذا الإنسانُ - بما أعطاه الله تعالى من عقل وعلم - أن يحوِّلَ الصحراء القاحلة إلى أرض خضراء ممتلئة بالزروع والثمار، كذلك عليه أن يسبَحَ في الفضاء ليستكشفَ ما به من أسرار، ويعرِف ما يفيده ليفعله، وما يضره ليتجنَّبَه، كل ذلك في إطار مِن التواضع لله تعالى، وعدم العُجْب والغرور بهذا العقل الذي قد يجرُّ صاحبه إلى الدمار والهلاك

 كم من الغزاة مرو بتلك الديار خراباً وفساداً وتدميراً ولم يسلم   البشر والشجر والحجر من افعالهم تارة باسم الدين وتارة أخرى بالهيمنة وقهر الشعوب وتارة...

التاريخ سطر للغزاة في صحائفهم السواد ء   دروساً  وعبر  فهل من معتبر 

وان انبياء ورسل الله لا نفرق بين احد من رسله  رسالتهم واحدة و ان الدين واحد  وهو الإسلام لأمر الله وان الخلق كما ورد  في القرآن الكريم ((وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلْقَيِّمَةِ  ) وتحقيق العدل في الأرض واجب على الإنسانية  ورفع الظلم عن العباد  وإحلال السلام المنشود في الأرض)

الخلاصة و الرسالة لنا وليس لغيرنا كثيراً من شعوب العالم مع الأسف الشديد لا يعلمون عن الدين الإسلامي وهنا فرق كبير بين التطبيق الواقعي وبين من يسيئون  . 

الإسلام طريقه واضح جليَ  وبعض المسلمون  يسلكون درباً أخر والدعوة  تتجسد بقوله تعالى وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)فصلت 

 المراجع:

  كيارا لوبيك مؤسسة الحركة (22/01/1920- 14/03/2008)

مجلة صادرة  في روما