• 13 أيلول 2022
  • حارات مقدسية

 

 

 بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام 

 

حكايتنا   اليوم من عبق التاريخ هيا بنا نعرج إلى طور زيتا جبل الزيتون بالقدس في رحلة روحانية نلج إلى محراب رابعة أم الخير بنت إسماعيل العدوية مولاة آل عتيك، الصوفية عابدة مسلمة تاريخية زاهدة خاشعة، صالحة مستورة، من أعيان عصرها، فضلها مشهور.  امرأة عاشت حياتها عكس سائر الناس، انعزلت في دنيا التصوف بعيدة عن أمور الدنيا، ألف الباحثون في تحديد هويتها وسيرة حياتها الكثير. ماتت سنة خمس وثلاثين ومائة.   ودفنت بظاهرة القدس على رأس جبل الطور. فيما يرجح مولدها في عام (100هـ / 717م)، من أب عابد فقير، وهي ابنته الرابعة، وهذا لربما يفسر سبب تسميتها رابعة فهي البنت "الرابعة" حكايتها مثيرة، إذ تيتّمت وهي في العاشرة فتشرّدت وإخوتها وكان نصيبها أن استعبدها أحدهم وباعها لسيّد أساء معاملتها، فلجأت إلى ربّها ونذرت نفسها للعبادة، ليصير الله معشوقها الذي كرّست له كل وقتها بالصلوات والشّعر 

 إحدى الشخصيات المشهورة في عالم التصوف الإسلامي، وتعتبر مؤسسة أحد مذاهب التصوف الإسلامي وهو مذهب الحب الإلهي. المشهورة 

اشتهرت "رابعة العدوية" في التاريخ بما قدمته من زهد وورع ومعرفة لربها، وقد كان لجاهدتها نفسها أثر عظيم في حقل الدعوة إلى الله بالقدوة والعمل الصالح، حيث أدلت بدلوها في نهر الدعوة الجاري، الذي روى ظمأ القلوب المحبة لطاعة ربها، وقد علمت من قصدها بسلوكها الإيمان واليقين وأن الأمور مرجعها إلى الله وحده  

نشأ مصطلح "الحب الإلهي" بمعناه القريب في الحياة الروحية في الإسلام في القرن الثاني الهجري. وكانت الحياة قبل ذلك يحركها عامل "الخوف" من الله ومن عقابه،

 

كان "الحسن البصري" (21-110هـ) أبرز ممثلي هذا الطور في حياة الزهاد والعباد الأوائل، فقد عرف عنه أنه كان يبكي من خوف الله حتى قيل "كأن النار لم تخلق إلا له". 

ويميل مؤرخو التصوف الإسلامي (ت 185هـ) إلى القول بأنها هي أول من أخرجت التصوف من الخضوع لعامل "الخوف" إلى الخضوع لعامل "الحب " وأنها أول من استخدم لفظ "الحب " استخداما صريحا في مناجاتها وأقوالها المنثورة والمنظومة، وعلى يديها ظهرت نظرية "العبادة" من أجل محبة الله   لا من أجل الخوف من النار أو الطمع في الجنة.

اتفق أغلبية العلماء والمؤرخين على أنه مقام وقبر "رابعة"، لكن التاريخ يذكر بأن هذا الاسم حملته أيضا نساء كثر من أبرزهن "رابعة الشامية العابدة" و "رابعة البغدادية"، ويرجح الشيخ محمد الندوي بأن القبر هو قبر "الشامية" ويذهب في نفس هذا الطرح ياقوت الحموي الذي يقرر في كتابه «معجم البلدان» أن قبر رابعة العدوية إنما هو بالبصرة، وأما القبر الذي في القدس فهو لرابعة زوجة أحمد بن أبي الحواري 

«وقد اشتبه على الناس»، وما يؤكد ذلك أنه لم يثبت أن رابعة قد رحلت إلى الشام لكي تموت هناك وتدفن في بيت المقدس، أما سبب الاشتباه فمرده إلى الخلط الذي حصل بين رابعة العدوية البصرية ورابعة الشامية زوجة أحمد بن أبي الحواري المتوفى سنة 235 هـ. هذا الخلط والشبه يتناول الحديث حوله أيضا الإمام الذهبي بقوله 

"رابعة الشامية العابدة فأخرى مشهورة أصغر من العدوية، وقد تدخل حكايات هذه في حكايات هذه الثانية" ومن جانب آخر، تمسك العديد برأي أن القبر يعود لرابعة العدوية نفسها، كما هو الحال عند ابن خلكان، وابن شاكر الكتبي في كتابه «عيون التواريخ»، والمقدسي في كتابه «مثير الغرام»، والسيوطي في كتابه «إتحاف الأخصّا في فضائل المسجد الأقصى»، ومجير الدين الحنبلي في كتابه «الأنس الجليل». فالرّحّالة ابن بطوطة يقول إنه ضريح رابعة أخرى هي رابعة البدويّة، في حين يقول الشيخ الهروي إنه ضريح رابعة الشّاميّة.

اُختلف حول تاريخ وفاتها بين 135ه كما ذكر ذلك ابن الجوزي وغيره، أو 180ه كما رجح ذلك علماء ومؤرخون كثر أمثال الذهبي والمناوي وغيرهم. 

إذاً على جبل الزيتون (الطور)، المطل على مدينة القدس، من جهة الشرق، ترقد رابعة الآن، في قبر يكاد يكون منسيا، لا يسترعي الانتباه، ولا يعرف الكثير من المقدسيين بان رفات أم الخير، شهيدة العشق الإلهي، يرقد بينهم.  على مقربة من كنيسة الصّعود قرب الزّاوية الأسعديّة التي بناها الشيخ أسعد أفندي بن حسن التبريزي قاضي قضاة اسطنبول في القرن السابع عشر وأوقفها للشيخ محمد بن عمر العلمي من سلالة الحسن بن علي بن أبي طالب، وتحت الزاوية والبيت قبو فيه ضريح، يُنسب لرابعة العدويّة التي عاشت في القرن الميلادي الحادي عشر وحكاية ضريحها في القدس 

يقع قبر رابعة العدوية فيما يشبه الحوش، يكاد يكون غريبا، من حيث تعدد استخداماته، وهو مكون من مبان متلاصقة، يطلق عليه اسم الزاوية الأسعدية، التي كانت مركزا للصوفيين في منطقة القدس، وتنسب إلى مفتي الإمبراطورية العثمانية (أسعد أفندي بن سعد الدين حسن حيان التبريزي).

وأمر أسعد التبريزي، الذي وصف بأنه من أعلام عصره، ببنائها، خلال زيارة له إلى القدس، وتشرف على الزاوية عائلة مقدسية عريقة هي عائلة العلمي، ويوجد في المكان قبر جد العائلة الشيخ محمد بن عمر العلمي، الذي تولى الإشراف على الزاوية، وتوفي عام 1628م، وتولت ذريته من بعده هذه المهمة، وتعتبر ذلك تشريفا له، وحافظت على ذلك طوال عقود، مثلما فعلت عائلات مقدسية أخرى حافظت على الأدوار التي أسندت لأجدادها في تاريخ المدينة المقدسة.

ويتردد أن مؤسس الزاوية الشيخ محمد، 

وهو من الأشراف أنه جاء إلى القدس من جبل العلم في المغرب.

وفي يوما ما اعتبرت الزاوية الأسعدية أعظم زوايا الصوفيين في القدس، الذين كانت لهم زوايا أخرى متعددة، ما زالت موجودة، ولكن ضعف الطرق الصوفية في فلسطين، لا تجعل الأضواء مسلطة عليها.

وفي سنوات سابقة كانت تشهد هذه الزوايا جلسات للذكر مساء كل خميس، ورقص للدراويش، وموسيقى دينية، وقراءة أوراد القران، ومدائح لله ورسوله.

ويذكر الدكتور توفيق كنعان في كتابه الذي صدر عام 1927 بالإنجليزية، عن دار نشر لوزاك في لندن وحمل عنوان 

(الأولياء والمزارات في فلسطين) بعض مهام هذه الزوايا.

يقول كنعان بأن من أهم الأوراد التي تتلى في هذه الزوايا "ورد المحيا الذي يقرأ في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان".

ويشير إلى أن الهدف الأساسي من هذه الزوايا كان إطعام الفقراء وإيوائهم، وهو الأمر غير الموجود حاليا.

وعندما يدخل الزائر الآن من باب الزاوية الأسعدية يجد أمامه باحة صغيرة، تؤدي إلى مسجد، وبجانب باب المسجد يوجد باب يؤدي إلى مسكن عائلة العلمي. 

ويوجد في الغرفة الكبيرة ذات المحراب، بئر ماء، هناك أحاديث عديدة عن مذاقه الجيد، ويتوسطها درج صغير، يتكون من اثنتي عشر درجة محفورة في الصخر الصلب، يؤدي إلى ما يشبه المغارة أو الكهف، أو الغرفة الصغيرة، وفيها يقع قبر رابعة العدوية، الذي يرتفع أكثر من متر عن الأرض، وحوله أمكنة للصلاة والجلوس والخشوع، ومنها ما يمكن اعتباره غرفة صغيرة جدا، يقال إنها كانت تقيم فيها صلاتها وابتهالاتها ومناجاتها للذات الإلهية. ويجلل القبر الذي يرتفع عن الأرض ويشبه القبور التي تغص بها المقامات في فلسطين، رداء أخضر، كتبت عليه آيات قرآنية.

ومن أشعار رابعة العدوية في الحب الألهي   

عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك واغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك

وكــنت أناجيـــك يـــا من تــرى       خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك

أحبـــك حـبـيــن حـب الهـــــوى         وحــبــــا لأنـــك أهـــل لـــذاك

فــأما الــذي هــو حب الهــــوى   فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك

وأمـــا الـــذي أنــت أهــل لــــه     فكـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك

فـلا الحـمد فـي ذا ولا ذاك لـــي     ولـكـن لك الـحـمـد فـي ذا وذاك

أحبــك حـبـيـن.. حــب الهـــوى     وحــبــــا لأنــــك أهـــل لـــذاك

وأشتـاق شوقيـن.. شوق النـوى     وشـوقا لقرب الخطــى من حمـاك

فأمـا الــذي هــو شــوق النــوى     فمسـري الدمــوع لطــول نـواك

وأمــا اشتيـــاقي لقـــرب الحمـــى     فنــار حيـــاة خبت فــي ضيــاك

ولست على الشجو أشكو الهوى     رضيت بما شئت لـي فـي هداكـا

يا سروري ومنيتي وعمـادي     وأنـيـسـي وعـدتـي ومــرادي.

أنت روح الفؤاد أنت رجائـي     أنت لي مؤنس وشوقك زادي.

أنت لولاك يا حياتي وأنســي     مـا تـشـتت في فـسـيـح البـلاد.

كم بدت منةٌ، وكم لك عنــدي     مـن عـطـاء ونـعـمـة وأيـادي.

حبـك الآن بغيتـي ونعـيـمــي     وجـلاء لعيـن قلبــي الصـادي.

إن تكـن راضيـاً عنـي فإننــي     يا منـى القلب قد بـدا إسعـادي.

وعلى هذا المنوال، عبرت بشعرها عن حالة العشق الإلهي، وأدى إلى تقلبات لديها وجعلها قلقة دائما ونقل عن خادمتها عبدة بنت أبي شوّال قولها " 

كانت لرابعة أحوال شتى: فمرة يغلب عليها الحب، ومرة يغلب عليها اليأس، وتارة يغلب عليها البسط، ومرة يغلب عليها الخوف".
وقادها سعيها للتحقق في هذا العشق، إلى القدس، أولى القبلتين، وعاصمة الأنبياء والأديان، وعاشت، مثيرة جدلا بين معاصريها، لم ينته حتى الان، وفي القدس 

لقيت رابعة ربها في جبل الزيتون، وقد ظلت طوال أيام وليالي حياتها مشغولة بالله وحده متعبدة في رحابه طامحة إلى حبه، وكانت تدعوه دون أن ترفع رأسها إلى السماء حياء منه.

رابعة تختلف عن متقدمي الصوفية الذين كانوا مجرد زهاد ونساك، ذلك أنها كانت صوفية بحق، يدفعها حب قوي دفاق، كما كانت في طليعة الصوفية الذين قالوا بالحب الخالص، الحب الذي لا تقيده رغبة سوى حب الله وحده"

أما عن تفاصيل عيشها وظروف نشأتها فقد أوجز في ذلك المؤرخ الصوفي فريد الدين عطار، الذي أكد رواية رحيل والديها مبكرا، 

إذ توفي والدها وهي طفلة دون العاشرة ولم تلبث الأم أن لحقت به، لتجد رابعة وأخواتها أنفسهن بلا عائل يُعينهن على الفقر والجوع والهزال واختلفت أقوال وآراء العلماء حولها، لكن غالبيتهم ذكروا اسمها بالحسنى وأشادوا بها واعتبروها من الزهاد وممن تركوا الدنيا وأقبلوا على الله تعالى ويذكر ذلك 

إن أكثر ما يربط رابعة العدوية ببيت المقدس أمران اثنان: 

أولا:

 اعتكافها ورباطها بإحدى الأمكنة بالقرب من المسجد الأقصى، حيث كانت هناك تمارس عباداتها وتنظُم شعرها وكذلك تعقد جلسات تتحدث فيها وسط جموع من الناس والعلماء حول ما عرفت به وما تذكرها التاريخ به من: "عشق إلهي" و "زهد" و "كلام رقيق". إلا أن المصادر التاريخية التي توثق لهذا الأمر قليلة وضعيفة جدا.

 ثانيا: قبرها الذي ظل شاهدا على تواجدها بالمنطقة، إذ تناول الكثير من المؤرخين الأوائل الذين زاروا المنطقة في سيرهم وكتبهم هذا الأمر، ولعل أبرزهم الرحالة المغربي ابن بطوطة، إذ نجد في كتاب "الرحلات الحجازية المغاربية: المغاربة الأعلام في البلد الحرام" بأنه قد "ذكر الرحالة ابن بطوطة بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف، فمنها في شرقي البلد على تل مرتفع (مصعد عيسى عليه السلام) إلى السماء. ومنه أيضا قبر رابعة العدوية الشهيرة. مسألة وجود قبرها على هذا المكان الذي وصفه ابن بطوطة يؤكده أيضا 

د. حسن موسى إذ يذكر بان الأمر يتعلق بعدوة الوادي المعروف بوادي جهنم في شرقي البلد على تل مرتفع. وهناك بنية يقال إنها مصعد عيسى عليه السلام الى السماء، وفيها قبر رابعة العدوية، منسوبة إلى البادية قاد سعي رابعة العدوية للتحقق من هذا العشق، إلى القدس، أولى القبلتين، وعاصمة الأنبياء والأديان، وعاشت، مثيرة جدلا بين معاصريها، لم ينته حتى الآن، لها أخبار في العبادة والنسك، ومن كلامها: 

(اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم) 

قال ابن خلكان: توفيت بالقدس

(وقبرها يزار، وهو بظاهر القدس من شرقيه، على رأس جبل يسمى الطور) وقال: (وفاتها سنة 135 كما في شذور العقود لابن الجوري، وقال غيره سنة 185) أُرقدي رابعة بسلام  في ثرى القدس  الطهور فكم سبقك كُثر  واللاحقون  على الطريق أكثر !!!

أولئك صنعوا من دمائهم مدادا نكتب به تاريخ القدس  

  إلى الذين رسموا لنا خارطة القدس عربية إسلامية. الذين علمونا عشق القدس عاصمة الأنبياء فمن أي فج هؤلاء الأشباه جاءوا ومن رمى في القدس كل هذا الحزن أيها العابرون إلى الوراء قدركم معلوم لكن للأقدار توقيت    ياقدس سيان ما يبدأون إن كان الله من يختم ومن ينهي  

ياقدس يعبرون إليك حشودا ملتفة وتلك حيلة القدر   إن اللفيف في غباره بلا بصر إن اللفيف يعميه الضجيج عن صوت القدر  

ياقدس   يشتد الصهاينة بحبل من الناس ممتدا لهم من مغرب الشمس فهل تدوم دويلة حبلها آت من وهج الغروب ياقدس يا مشرق الحق لن أبوح بما أرى إن الرؤى توصل لنا ما غاب عنا وانقطع ياقدس صبراً قليلا همُ الوهم والوعد وعد الآخرة  

المراجع

 عمر رضا كحالة، رابعة بنت إسماعيل العدوية أعلام النساء، 1959

 ابن الجوزي، شذور العقود

 فريد الدين عطار، تذكرة الأولياء

 د. رائد فتحي، مقتطف من البرنامج التلفزيوني: رجال حول بيت المقدس

 د. حفناوي بعلي، الرحلات الحجازية المغاربية: المغاربة الأعلام في البلد الحرام، ص 125

 حسن موسى، القدس والمسجد الأقصى المبارك: حق عربي وإسلامي عصي على التزوير، ص34

 د. محمد الندوي، ذكرٌ جميلٌ لأيامٍ في القدس والخليل

 الإمام الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج4، ص432

 الامام المنهاجي السيوطي، اتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى، الباب العاشر

مخطوطة المزامير

بواسطة د. أنجي فراج

تحقيق موضع قبر رابعة العدوية للأستاذ أسامة العيسة:

دائرة المعارف الإسلامية في الجزء 11 من المجلد التاسع: " 

د. رائد فتحي ويضيف بأنه حتى من الشيوخ الذين عُرفوا بتقييم العلماء كالإمام الذهبي والشيخ ابن تيمية أثنوا على أم الخير وقالوا فيها خيرا

طبقات الأولياء خير الدين الزركلي في الأعلام:

د. كفاح أبوهنّود الشاعر 

اصدار هيئة أشراف بيت المقدس