- 1 تشرين أول 2024
- حارات مقدسية
القدس - أخبار البلد - استكمالا لموضوع البازار في القدس فلقد ارسل الباحث الشيخ مازن اهرام بحثا شيقا عن حكاية البازار التاريخية والتي تؤكد اهمية هذا المكان للهوية المقدسية .
واليكم الحكاية كما بعثها الباحث النشيط مازن اهرام :
كان سوق البازار في الماضي مستشفى اي المارستان الصلاحي والذي يمتد من سويقة علّون قرب باب الخليل حتى ملتقى مفرق الطرق بين سوق الحصر وسوق اللحامين، لكن لاحقا تقلص ليشمل المنطقة الواقعة بين طريق البيمارستان (المارستان) وسوق اللحامين، وتركز هذا السوق فيما بقي من عمارة البيمارستان، أي المستشفى الصلاحي نسبة إلى صلاح الدين الأيوبي الذي أوقف عليه الأطباء وجعله مركزا لمعالجة مرضى القدس. ثم بعد ان خرب وتعطل حاله، استخدم مركزا متخصصا لبيع الخضار والفاكهة خاصة في العقود الثلاثة الأولى من النصف الثاني من القرن العشرين
تخطيط البازار
ويتكون البازار أي ما بقي من البيمارستان، من مجموعة الأروقة تمتد من الشمال للجنوب، تسندها مجموعة عقود، يقوم بينها بلاطات (فراغات) تغطيها أقبية متقاطعة ويتوسطها بعض الفتحات للتهوية والإضاءة. ومع خروج إعداد كبيرة من السكان خارج البلدة القديمة وصعوبة السكن ضعف هذا السوق وتعطل حاله وأغلق لفترة، وعلى الزائر ان يتذكر العهود العامرة التي مرت على هذا الموقع حينما كان يعالج فيه جماعة من الأطباء المهرة مرضى القدس على اختلاف أجناسهم، وقد تُرجم لهم وذكروا في كتب الأطباء.
سوق البازار أحد أسواق الواقعة داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس. كان السوق من جملة أوقاف المدرسة الأفضلية والمدرسة الكريمية ثم أصبحت مرافقه من جملة أوقاف عائلة الحسيني وجار الله، وكان في الماضي سوقا للخضار، يأتي اليه القرويون من ضواحي القدس لبيع بضائعهم.
هناك جزءاً كبيراً من البازار قد تهدم نظراً للزلزال وقامت الكنيسة بجرفه وضمه لها ليصبح ملعبا وساحة للمدرسة داخل الكنيسة وهذا أمر واضح للعيان دون جدال
البيمارستان للبيمارستان كلمة قديمة ذات أصل فارسي كانت دارجة في تراثنا وحضارتنا العربية والإسلامية العريقة في اللغة الفارسية بيمار تعني مريض وستان تعني مكان أو موقع وهاتين الكلمتين معاً تعنيان المشفى أو دارا لشفاء.
البيمارستان يقع فيما يعرف اليوم بالدباغة، قرب كنيسة القيامة وتحديداً كان يشمل سوق البازار والأرض إلى الشمال منه وشطراً من الأرض التي تقوم عليها الكنيسة الألمانية ومدرسة مارتن لوثر وسوق أفتيموس للروم الأرثوذكس. ينسب إلى مؤسسه صلاح الدين الأيوبي في سنة (583هـ/ 1187م)، حيث أمر أن تجعل الكنيسة المجاورة لدار الاسبيتار بقرب حمامه مارستانا للمرضى، ووقف عليها مواضع وزودها بأدوية وعقاقير غزيرة وفوض القضاء والنظر في هذه الوقوف إلى القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم. وذلك لمداواة المرضى وتدريب الأطباء وتعليم الطب، وساهم في ظهور عدد لا يستهان به من الأطباء والمؤلفين في العلوم الطبية، ومفردات الأغذية والأودية، في القدس وفلسطين.
وجاء في كتاب أحمد عيسى "تاريخ البيمارستانات في الاسلام": أنَّ السلطان صلاح الدين -عندما فتح القدس- أمر بأن تُجعل الكنيسة المجاورة لدار الاسبيتار بيمارستانًا للمرضى، ووقف عليها مواضع، وزوَّدها بالأدوية والعقاقير الغزيرة، وفوَّض القضاء والنظر في هذه الوقوف إلى القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع أبي تميم (اشتهر بابن شداد، وشدَّاد هو جده لأمِّه وقد عُرف بعلمه وكفاءته).
وقد خصَّص صلاح الدين الأوقاف والأموال لدعم البيمارستان، واستحدث وظيفة ناظر البيمارستان تحت صلاحية القاضي، وعيَّن لذلك القاضي بهاء الدين ابن شداد؛ لمتابعة الشئون المالية الخاصَّة بهذه الأوقاف، وأمر صلاح الدين أن تُصرف الأدوية والعقاقير بهذا البيمارستان للمرضى بالمجان؛ جاء في كتاب "سيرة صلاح الدين" لابن شداد ما يلي: "وأمرني السلطان بالمقام في القدس الشريف لعمارة بيمارستان أنشأه فيه، وإدارة المدرسة التي أنشأها فيه إلى حين عوده، وسار من القدس الشريف ضحوة نهار الخميس في (سادس شوال 588هـ=15 أكتوبر 1192م)" وقد استمرَّ الاهتمام بالبيمارستان من قِبَل الحكَّام الأيوبيين، الذين استلموا الحكم بعد صلاح الدين؛ فقد عُرف اهتمام الأيوبيين بصفةٍ عامَّةٍ وصلاح الدين بصفةٍ خاصَّة ببناء البيمارستانات والمدارس، وتكريم العلماء والأطباء، كما تظهر آثار الأيوبيين والمخطوطات القديمة.
وممَّا ذُكر في وصف البيمارستان الصلاحي بالقدس أنَّه كان يتكوَّن من مجموعة دعامات حجرية تعلوها عقود، وقد قسمت مساحته إلى عددٍ من القاعات المغطاة بسقوفٍ ذات أقبيةٍ متقاطعةٍ وسقوفٍ برميلية، وكانت كلُّ قاعةٍ من تلك القاعات مخصَّصةٌ لأمراضٍ مختلفة، على نحو ما هو مألوفٌ في بيمارستانات ذلك العصر.
واستمر البيمارستان في أداء وظيفته رغم تدميره إثر زلزال حدث في سنة (862هـ/ 1458م)، إذ تشير سجلات محكمة القدس الشرعية إلى أعماره بعد أكثر من قرن، كما انه تحفل في الإشارات إلى أوقافه التي اشتملت على دكاكين ومصابين في سوق خان الزيت وعقبة الخانقة وقطع أراض متفرقة في القدس والمعاملات التي تمت حولها وغادرتها وغير ذلك وذلك قبل أن يصبح خراباً صفصفاً في القرن التاسع عشر الميلادي.
وهب السلطان عبد العزيز (1296-1277هـ/ 1879-1861م) قسماً من خراباته إلى الدولة الألمانية المناسبة زيارة ولي عهدها فريدريك ولهلم للقدس سنة (1285هـ / 1869م)، فبني عليها الألمان كنيسة (تعرف اليوم بكنيسة الفادي المخلص الإنجيلية) التي افتتحها الإمبراطورية غليوم الثاني سنة (1315هـ/ 1897م)
أقدم بئر
ويوثق علماء الآثار وجود أقدم آبار المدينة المقدسة في سوق البازار وتعتبر هذه البئر أعمق وأقدم بئر ماء في المدينة وعمقها 28 متراً وتضم سبع غرف ضخمة تحت الأرض لا يعرف مداها إلا الله، كانت تزود البلدة القديمة بالماء أيام الحروب والحصار الذي تعرضت له المدينة في القرون الماضية، وخاصة في الحروب الصليبية.
والبئر يزيد عن 2100 عام تتشعب لم يجرؤ أحد على النزول فيها، وهي تعتبر من خزانات المياه القديمة في القدس، قرب (المسجد الأقصى المبارك) وحائط البراق.