- 1 شباط 2025
- حارات مقدسية
بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام
خان الأحمر 1877 م
الخان كلمة فارسية الأصل، بمعنى منزل مؤثث أو نُزل مفروش مهيَّأ للطعام والشراب والنوم، وهو أيضاً دكان أو حانوت كبير للتجار. والخان في العمارة الإسلامية من أنواع العمائر التجارية التي تبنى لتكون مكاناً يقصده التجار للاستراحة وبيع ما يحملونه من سلع
وإذا نظرنا إلى كلمة خان، فهي كلمة فارسية معرَّبة استخدمت للدلالة على منشآت معمارية خاصة لاستراحة وإقامة ومبيت القوافل التجارية والمسافرين وغيرهم فيها، سواء أكان ذلك على الطريق أم في المدن، ويُقَدَّمُ لهم الطعام والشراب، وفيها أماكن لنوم التجار والحجاج والرحّالة والمسافرين وقد شاعت الخانات على طرق القوافل الممتدة بين المدن في العالم الإسلامي عموماً وفي فلسطين وخصوصاً في بيت المقدس لأهمية موقعها على طرق التجارة القديمة، وكانت المسافات فيما بين الخانات تُحدد بمسيرة يوم أو ما يقرب من ثلاثين كيلومتراً، والخانات نوعان:
الأولى: هي التي تبنى على طرق التجارة خارج المدن وتسمى خانات الطرق.
الثانية: هي التي تبنى داخل المدن بشكل عمائر تكمل الأسواق، وترتبط بها وتقوم بوظائف مساعدة لها.
واليوم حكايتنا عن الخان الأحمر أو الكثيب الأحمر الذي توارى بين كثبان صحراء القدس والذي أضحى طي النسيان ولا يؤمه الناس كمعلم حضاري وتاريخي
الخان الأحمر عبارة عن بناء عثماني من القرن السادس عشر الميلادي
الموقع يقع في برية شاسعة تمتد من السفوح الشرقية لجبال القدس وصولاً إلى البحر الميت وشرقي نهر الأردن بادية القدس الفريدة بسكانها وجغرافيتها ومناخها المميز وسط الطريق بين القدس ومدينة أريحا وتميل تربتها في كثير من المناطق إلى اللون الأحمر يأتي اسمها من اللون الأحمر المستخرج من حجر الجير المكسو بأكسيد الحديد المكون للتلال الحمراء في المناطق الواقعة على الطريق من القدس إلى أريحا
أُعتبر مزاراً للتجار على الطريق القديم الذي يربط ضفتي نهر الأردن حيث كانوا يتوقفون للاستراحة وإطعام الخيول أ ُطلق عليه خربة خان الأحمر وخربة السلاونة وخان السامري الصالح (الخان الأحمر)
يقع خان السامري الصالح الذي تأسس في القرن الثالث عشر على بعد عشرة كم إلى الشرق من مدينة القدس، على الطريق الرئيس المؤدي إلى أريحا. ويعود في الفترة العثمانية بناءه الى القرن السادس عشر الميلادي، ذكر في الإنجيل أن السامري الصالح مر بالقرب من منطقة الخان الأحمر نزل السامري الصالح (خان الحتروري) في الخان الأحمر آثار دير فيه كنيسة، بناه القديس أوثيميوس عام 428 للميلاد ليكون مركزا للرهبان الذين يتعبدون في المغاور القريبة، وربما بني تكريما له وفي عام 614 للميلاد احتل الفرس فلسطين وقاموا بهدم الكنيسة، فلما جاء المسلمون سمحوا بترميم تلك الكنيسة التي بقيت عامرة في العهد الصليبي، ثم خربت بعد ذلك، وبني على آثارها خان يخدم التجار المارين بين القدس وأريحا. كان هذا الخان مسورا ومكونا من طابقين، وفيه بركة مياه، وسمي باسم الخان الأحمر لأنه مبني من حجارة حمراء اللون، وهو مملوكي الطراز بجوار الخان أقيمت قلعة صغيرة سميت بقلعة الخان، أو قلعة الدم لأن حجارتها كانت حُمرا كالدم. وفي بداية العهد العثماني قلت أهمية الخان الأحمر، إذ أقيم خان آخر بالقرب منه
وكان يستخدم في الماضي كاستراحة للمسافرين. ويقع على الجانب الآخر من الطريق، بقايا لكنيسة القديس أفتيموس التي بنيت في القرن الخامس الميلادي لإحياء ذكرى قصة الأماكن الأثرية في فلسطين
ويطلق عليه باسم القديس مار أفتيموس وقد أسس في تلك المنطقة ديراً وكنيسة عام 428 م ومن خلال التنقيبات الذي جرى عام 1928 م ظهر أثريات الموقع أنقاض دير وكنيسة وعقود مرصوفة بالفسيفساء وصهاريج وبقايا برج، تقدر مساحة الأرض 16380 دونماً ويحدها أراضي النبي موسى عليه السلام وقرية عناتا والعيزرية وأبو ديس
مرّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق في رحلة الاسراء والمعراج وكانت تعبرها الطريق الدولية التي تربط اليمن والحجاز ببيت المقدس والشام ورأى فيها رسول الله أخاه موسى عليه السلام قائماً يصلي في قبره كما قال لنا في صحيح أحاديث الاسراء والمعراج وفي هذه البريّة الحمراء قبر ومقام مشهور يزوره الناس منذ التحرير الصلاحي
تحفّه هندسية يشوبها السكينة والجمال بشكل عجيب وينسب على قول كثير من العلماء والعارفين إلى نبي الله موسى عليه السلام
وقد جاء في الصحيحين ذكر الكثيب الأحمر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر " وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أَتَيْتُ - وفي رواية مررت - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ
قال القرطبي رحمه الله " الكثيب هو الكوم من الرمل وهذا الكثيب هو بطريق بيت المقدس " انتهى." وهذا يدل على أن قبر موسى أخفاه الله تعالى عن الخلق ولم يجعله مشهورا عندهم ولعل ذلك لئلا يعبد والله أعلم "
أصل العديد من العائلات التي تعيش في الخان الأحمر، من قبيلة بدو الجهالين، وينحدر عرب الجهالين اساسا لمجتمع قبلي رعوي الراجح ان مردهم لقبيلة الحويطات وعشائر الحويطات
أضافةً للعشائر الخمسة السابقة يطلق عليها اسم الريّشة نسبة الى جدهم سلامة أبو ريشة ابن سويعد بن حويط وقد سمي بأبو ريشة لأنه كان يضع في مقدمة عمامته ريشة اثناء المغازي ليميز نفسه عن الفرسان وكان فارسا مشهورا له تاريخ بطولي ويملك العديد من أهالي الجهالين وثائق تعود إلى فترة الحكم العثمانيّ والتي تثبت ملكيتهم على الأراضي التي هُجروا منها على يد سلطات الاحتلال ما بين العامين 1949 و1951 ينتشر البدو في جميع أرجاء الضفة الغربية، ويتوزعون على ثلاث قبائل رئيسة هي: الكعابنة والجهالين والرشايدة
تلك القبائل طُردت على يد الاحتلال من النقب عام 1952، واستقروا في الخان الأحمر وتنحدر أصول بدو القدس من منطقة بئر السبع التي كانوا يسكنونها قبل حرب عام 1948 في منطقة تل عراد بصحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة وكانوا يتنقلون في أرجاء المنطقة باحثين عن مصادر الماء والمراعي لمواشيهم
مع اتساع المنطقة نجد أن برية القدس تحوي على العديد من المواقع والقرى والأمكنة الأثرية التي تعود جذورها إلى تاريخ سحيق وأن اهل فلسطين والقدس لهم ارتباط تمتد بين الجهة الشرقية والغربية من نهر الأردن وأنها كانت صلة وصل للتجار والسكان ففي كل قرية أو موقع حكاية وسردية نجد الخانات عبارة عن أماكن لنزول الوافدين للمدينة المقدسة ومأوى سكن إضافة لمقام نبي الله موسى عليه وعلى رسولنا سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام ومن تلك المواقع في برية القدس خان الأحمر أُم الضيف وخان الأحمر أبو الحلو وخان الأحمر الكرشان وخان الأحمر المهتوش وخربة كرم أبو طبق ودير مكلك وخربة مرد وجب الروم وخرزان ودير ثيودوسيوس وادي العرايس وحجيلة وأم عسلة وكنيسة جت الزيت يحد تلك المنطقة أيضاً منطقة الشيخ سعد وأبو ديس والعيزرية والعبيدية والمنطار ووادي القلط والحثرورة
وقد أقام الاحتلال على مساحة شاسعة من الأرض عدة مستعمرات منها كفر اُدوميم ومعالي أُدوميم ونوفي برات وتسامح هسديه وكيدار والبقية تأتي ......
المصادر
الوقائع الفلسطينية 1623و 1581
الخان الأحمر بلادنا فلسطين /ص100-101/صحيح مسلم (2375)
المفهم " (6/222) وانظر “عمدة القاري " للعيني (12/474)
الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ط-أخرى - المجلد 1 - الصفحة 198 - جامع الكتب الإسلامية