• 20 نيسان 2025
  • حارات مقدسية

 

 القدس - أخبار البلد -  مع بداية موسم الربيع ارتفعت وتيرة  الأعراس في القدس ولهذا قرر الناشط المجتمعي الخبير بالقدس وأهلها " نافذ عسيلة" أن يخصص حديثه هذا الاسبوع في " أخبار البلد" للحديث عن العرس الفلسطيني ومعانيه بعد أن شارك في عرس في حارته انطلق من البلدة القديمة مرورا بمخيم شعفاط وصول الى قرية حزمة ونقل انطباعاته :  

كتب: نافذ عسيلة

 يمتزج في المجتمع الفلسطيني اليومي بالسياسي، حيث يتحول الزواج من طقس اجتماعي إلى فعل ثقافي يُجسّد الهوية والصراع المكاني، يتتبع الموضوع مسار العرس من القدس القديمة، مروراً بمخيم شعفاط، وصولاً إلى قرية حزما والعيزرية والرام وغيرها ، كاشفاً تحولات الهوية تحت وطأة الشتات. 

يوضح العرس كيف يُعاد تشكيل العلاقة بين الماضي والحاضر عبر فضاء رمزي، في القدس يظهر البعد الديني والتاريخي، وفي مخيم شعفاط تستحضر ذاكرة النكبة، بينما يكشف العرس في حزما خلف الجدار عن تناقضات الحداثة.
هذه الرحلة تمثل طقس عبور لهوية تتأرجح بين الصمود والاغتراب، وتُقدّم طقوس الزواج نموذجاً حياً لثبات يتجدّد، حيث تتفاعل العوامل التاريخية والاجتماعية في فضاء محتل. 

 لا زالت البلدة القديمة من القدس تعتبر رمزية المكان والهوية وهي تتشبث بجذورها التاريخية والدينية، ما يمنح العرس فيها طابعاً قدسياً خاصاً. 

اختيار هذا الموقع لا يُعد مجرد مسألة مكان، بل تعبيراً واضحاً عن تمسك العائلة بهويتها في وجه التهويد والاستيطان، في طقوس الزفاف، من الزفات الشعبية إلى الأغاني التراثية، تتجلى رموز تؤكد الانتماء للأرض والذاكرة، فيتحول العرس إلى فعل جماعي يُجدد الهوية.

كل خطوة في أزقة القدس تُعيد امتلاك المكان رمزياً، وكل نغمة تراثية تروي حكاية صمود. في هذا السياق، يصبح العرس مقاومة ثقافية، تختلط فيه أفراح الفرد بتحديات الجماعة، وتُدمج فرحة الزفاف مع معركة الحفاظ على الهوية في مدينة تواجه الطمس يومياً.

 أما مخيم شعفاط فهي اللجوء والذاكرة الجماعية، ومن هناك  يمر موكب العرس بمخيم شعفاط، أحد أبرز تجمعات اللاجئين الفلسطينيين، ليحوّل الزفاف إلى فعل يستحضر الذاكرة الجمعية للنكبة والنزوح، مما يكتسب هذا العبور دلالات سياسية وعائلية، خاصة حين يكون أحد العروسين من عائلة لاجئة، فيغدو العرس مساحة لتجديد التمسك بحق العودة.

يتجلى التباين بين قدسية البلدة القديمة وطابعها التاريخي، والبعد الاجتماعي والسياسي للمخيم، كاشفاً عن تعددية التجربة الفلسطينية وتشابكها بين ماضٍ مثقل وحاضر معقّد. 

يختتم العرس مساره في قرية حزما، البلدة الواقعة على أطراف القدس قرب مخيم شعفاط، مما يُجسّد هذا الانتقال تحوّلاً من الفضاء التاريخي العام إلى فضاء حديث وخاص، ويعبر اختيار العريس لقاعة تعبر عن تطلعات العائلة الاجتماعية ورغبتها في تجاوز قسوة الواقع وتحدي ضغوط الاحتلال.

تقع حزما خارج الجدار الفاصل وتحت السيطرة الإسرائيلية، ما يفتح أسئلة حول أثر الفصل الجغرافي على النسيج الاجتماعي، من تقييد الحركة إلى التفاوت المعيشي بين المقدسيين وسكان الضفة مما يكشف هذا المشهد التناقض بين مظاهر الرفاه الفردي والقيود الجماعية التي يفرضها الاحتلال.

الزواج كطقس عبور

يمكن تأمل حفلة العرس كطقس عبور، يمرّ خلاله العروسان بمراحل رمزية ذات دلالات واضحة. تبدأ الرحلة بمغادرة البلدة القديمة، كمغزى لفراق حياة العزوبية، تليها محطة مخيم شعفاط، التي تجسد مرحلة من التحوّل، حيث تتداخل الذكريات مع الأزمات، ويُختتم المسار بالوصول إلى القاعة، حيث الضيافة، والطرب العربي، وتقديم النقوط، إعلاناً للعبور إلى عالم الزواج كحالة وجودية جديدة.

هذا الانتقال الجغرافي يعكس طبقات رمزية عميقة، تعبر القدس عن الذاكرة التاريخية، في حين يرمز المخيم إلى واقع الهجرة وطموح العودة.

 بينما تشير القاعة الحديثة إلى تطلعات نحو مستقبل يسعى للتوازن بين الأصالة والحداثة. هكذا تتشكل خريطة ثلاثية الأبعاد تختصر حكاية شعب يتنقل بين الموروث والمتخيل والواقع المعاش.

التفاعلات الطبقية والسياسية

تكشف حفلة الزفاف عن التباينات القسرية في المجتمع الفلسطيني، حيث تبرز الفجوة بين سكان القدس الذين يحملون الهوية الإسرائيلية بشكل إجباري، وأهالي المخيمات الذين يعانون من ظروف قاسية فرضها الاحتلال، وسكان الضفة الغربية الخاضعين للحكم العسكري. يجمع الحدث مشاركين من خلفيات متنوعة، ليصبح العرس فرصة لتعزيز التماسك الاجتماعي، مما يعكس هذا التجمع القسري كيف يمكن للزواج أن يكون مرآة للتركيبة الاجتماعية المعقدة للشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال والتشتت.

 ومن هنا يتحول  حفل العرس أي احتفال جماعي في السياق الفلسطيني إلى شكل من أشكال المقاومة الثقافية، خاصة عندما يمر عبر أماكن ذات دلالة سياسية مثل القدس ومخيمات اللاجئين. تصبح الأغاني، والرقصات، مسار الموكب وسائل تعبير وطنية، حيث تحمل كل حركة وإيقاع رسالة مقاومة وتأكيداً على الهوية. بذلك، يُصبح العرس فضاءً للصمود الثقافي، يعيد إنتاج الذاكرة الجمعية ويُؤكد الحقوق الوطنية من خلال الممارسات اليومية.