• 16 تموز 2025
  • حارات مقدسية

 

                          

بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام

 

حكايتنا اليوم هي حكاية عتيقة كرائحة المسك حارة عريقة اصيلة هي مثال للحكاية المقدسية لها نكهة خاصة تبقى في الذاكرة عالقة على مر الزمن يعيشها كل مقدسي كلما مشى فيها ذهابا وإيابا بطريقه الى المسجد الأقصى حكاية عشق للزمان والمكان وتعود بنا الذكرى لأيام الطفولة نقف أمام كل زاوية مسترجعين كل الأحداث فالواقع نحن لا نشتاق لتلك الأوقات فقط بل إننا نشتاق لـ (أنفسنا) وكيف كنا حين ذاك نشتاق أن نعود لتلك الذكريات من جديد تكون لحظات وأحداث فريدة في حياتنا، تظل ذكراها لدى العائلات المقدسية فمن لا يعرف حارة السعدية إحدى حارات البلدة القديمة بالقدس وبالحي الإسلامي

تلك المحلة الواقعة على نجوة بالقرب من باب العامود (والنجوة هنا سقف المغارة المعروفة باسم مغارة الكتان الكائنة أسفل مدينة القدس بين بابي الساهرة والعامود) وتصل هذه المغارة إلى مسافات عميقة أسفل حارة السعدية تنسب تلك الحارة إلى الشيخ سعد الدين الجباوي مؤسس الطريقة الصوفية (الطريقة السعدية)

وقديماً كانت حارة السعدية تسمى أيضاً بحارة الأكراد نسبة للأكراد الذين قدموا مع القائد الإسلامي الكبير صلاح الدين الأيوبي وأقاموا فيها، وتسمى كذلك حارة المشارقة ولعل أهم ما يميز هذه الحارة كثرة الكنوز الرائعة من الآثار الإسلامية، ومنها مسجد المئذنة الحمراء وهو من أهم العمارات التي بنيت في العهد العثماني

المسجد: صغير المساحة مربع الشكل يقع في الجانب الغربي للحاكورة في الجانب الشمالي مبني من الحجر المزي ويحده من الجنوب سقف قبو فرن وقف داود بن الأسيد ومن الشرق طريق المئذنة والقنطرة ومن الشمال حوش المئذنة ومن الغرب دار وقف الشيخ مصطفى

أنشأ هذا المسجد شيخ الشيوخ علاء الدين علي بن شمس الدين محمد الخلوتي قبيل عام 940هـ ـ 1533م   وأُطلق عليه في النصف الأول من القرن السادس عشر اسم” مسجد الشيخ علي الخلوتي” نسبة إلى منشئه، ثم أطلق عليه أهل القدس اسم” مسجد المئذنة الحمراء” نسبة إلى شريط أحمر كان يحيط شرفة مئذنته من أعلى كما تلونت المسميات 

وقد تعاقب على الإمامة في هذا المسجد عدد كبير من الأئمة  ومنهم الشيخ جميل الخطيب الكناني الجماعي في (30/3/1940)   بعد أن أنهى دراسته من الجامع الأزهر الشريف وحصوله على شهادته الأهلية  والعلمية ( والتي تعادل الدكتوراه) وقد قام بشرح تفسير ابن كثير مدة أربع سنوات عُقب الصلوات المفروضة بعد انتقال  الشيخ  محمد الصالح للرفيق الأعلى  والذي كان إماماً للمسجد  بعد ذلك انتقل الشيخ جميل إماماً لقبة الصخرة  المشرفة  في (12/5/1947م)  وطلب  الشيخ  محمد مصلح  إمام مسجد  سعد وسعيد  (المسعودي ) العمل في المئذنة الحمراء وكان المؤذن من آل لقاطة (أبو محمد) يُشرف على سدنة المسجد والأذان. وقد تناوبت عليه الطريقة الصوفية الشاذلية العلوية وكانت تُعقد جلسات صفية يومي الأحد والخميس بين صلاة المغرب والعشاء بتلاوة القرآن الكريم والمذاكرة قد تحلق السادة الصوفية بحلقات الذكر والتواشيح الدينية وقد تشرفت بالتدريس في المسجد لعدة سنوات في ثمانيات القرن المنصرم مادة التصوف في كتاب إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عطاء الله السكندري (الحكم العطائية) وديوان الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي في الطريقة العلاوية الشاذلية

عبر هذا الدرب تفوح منه رائحة الخبز الذي ينبعث من الأفران والتي تقع في أقبْية أسفل المباني المنتشرة بين مسجد المئذنة الحمراء وزاوية الشيخ علي الخلوتي 

وقد أشار الدكتور محمد هاشم غوشة أن هذان الأثران أوقفهما داود بن الأسيد الشافعي وهو أبو الجود  زين  الدين  داود  بن الحاج  شمس الدين  أبي الفتح  محمد بن الأسيد الشافعي المقدسي   قاضي الشافعية بالقدس سنة ( 879هـ/1474م)   في  خط المئذنة الحمراء بين مسجد المئذنة الحمراء  وزاوية  الشيخ  علي الخلوتي   ويحدهما من  الجنوب  الزاوية   ومن الشرق خط  المئذنة الحمراء   ومن الشمال مسجد  المئذنة  الحمراء  ومن الغرب  دار وقف  أبو بكر الدنف وقد  ذكر  كتاب  وقف  هذين القبوين أنهما  (قبوين  متلاصقين   الأول طاحوناً  والثاني  فرناً  الكاين  ذلك  بمدينة القدس  الشريف  بالقرب  من أملاك  بني الدويك  بحارة بني زيد     

 تعود بنا الذكريات أيام شهر رمضان المبارك بعد تناول وجبة الإفطار مع العائلة وقد مضى يوم طويل وصيام إخواني صوم العصافير تشجيعاً ومثابرة من الأهل على عبادة الصوم فلا بُد من وقت الترفيه في المساء بعد الإفطار، وهو من أجمل الأوقات التي يقضي فيها الناس أوقاتا مرحة مليئة بالبهجة والسرور، وبعد الإفطار تزدحم الشوارع بالمارة فمنهم من يقضي وقته بالمساجد أو زيارة الأهل وصلة الأرحام والارتداد على المقاهي  وتتناول القهوة والشاي وشراب عرق السوس والخروب والكركدن  والاستماع  إلى راوي الحكايات، كمقهى زعترة وعويضة ومنى  وعلون بمحلة باب حطة 

غد جديد وحكاية جديدة ..... سقى الله أيام زمان. 

المصادر

الشكر الموصول لدكتور محمد هاشم في كتابه حارة السعدية بالقدس ص263) حارة السعدية في القدس ص 293 القدس العثمانية في المذكرات الجوهرية ص 156/ منشورات هيئة أشراف بيت المقدس بالقدس وفلسطين /