- 9 كانون أول 2025
- حارات مقدسية
بقلم : الشيخ الباحث مازن اهرام
نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ
كم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ
في ستينيات القرن الماضي بنينا بيتنا في بلدة شعفاط حيث الطبيعة الخلابة والهدوء لم تحظى شعفاط بالعمائر كما هي اليوم وأذكر أن حافلة شعفاط كانت أخر محطة لها قُبيل تلة الفول والعودة لباب العامود (باص شعفاط)
الطريق لبيتنا كان غير معبد وحقول سنابل القمح الذهبية تتعانق مع بزوغ ضوء الشمس ومروج الخضروات تملأ السهل وبائع الحليب الطازج يملأ كوز الحليب مقابل خمسة قروش ناهيك عن سلة بيض الدجاج البلدي من جارتنا عيشة الحمدان وطابون الخبز تفوح رائحته نتسمر أمام دار أُم عزت وهي تقول (اللقم تدفع النقم ) لنحظى برغيف خبز القمح نتقاسمه بين الأخوة وحديقتنا بها بضع شجيرات وورد جوري و ياسمين أيام الطفولة عالم ملئ لا يستطيع نبشها إلا الزمن عالم من الازهار تتمايل في حديقتنا شذاها وعبقها تلك الأيام لم يكن لدينا كهرباء ندرس على ضوء المصباح ونتسامر ونعشق الحياة ... وثلة من خيرة الجيران نتشارك أفراحنا وأتراحنا ونتفقد بعضنا البعض
ما أجمل تلك الأيام فلم يبق منها سوى ذكريات
يكتنف اسم قرية شعفاط الكثير من التأويلات، فقد سميت القرية في العصر الصليبي «درسوفات» باللاتينية Dersophath، ولكن مع كثرة الاستعمال سقطت كلمة «دير» وبقي المضاف إليه «شعفاط»، وكُتب اسم القرية في السجل العثماني «شعفات»، لذلك من الراجح أن يكون الاسم عربياً جمعا لكلمة: شَعفَة، بمعنى:
رأس الجبل، و«الشعَف» أيضا: «ما ارتفع وعلا». وهو الراجح لأنه يطابق الوصف الطبوغرافي لموقع القرية، التي تجثم على هضبة. ويرى بعضهم أنه تحريف لأسماء قديمة ك Mizpeh sapha، وهو رأي بنُي على أساس قرب القرية من موقع «راس المشارف» الذي يطل على القدس، وهو رأي مرجوح يعوزه الدليل. والرواية الصحيحة شعفات بفتح الشين والعين وتعني المكان المرتفع وكما نعلم جميعنا ان شعفات منطقة مرتفعة مثل شرفات ورافات وغيرها ذكرت في العصور الوسطى باسم Dersophath،
تقع قرية شعفاط على بعد 5 كيلومترات إلى الشّمال من البلدة القديمة في القدس تحدّ القرية من الشّرق عناتا وحزما، ومن الشّمال بيت حنينا، ومن الغرب بيت اكسا، ومن الجنوب العيسوية ويحيط بالقرية خمس خرب، هي: خربة الصومعة، خربة الرأس، خربة المصانع، خربة تل الفول، خربة العدسة، وتحتوي هذه الخرب على العديد من المواقع الأثرية.
وفي قرية شعفاط عام 1884 , حيث قام الرحالة الفرنسي فيكتور جورين بزيارة القدس ووصف قرية شعفاط، سكن شعفاط عام 1884 ما يقارب 150 شخص، وكانت تلال شعفاط يرى من خلالها البلدة القديمة في القدس، بالإضافة لوجود دير يعود للعصور الوسطى داخل القرية وبركة طولها 12 قدم وعرضها 6 اقدام.
تم العثور على بقايا هيكل صليبي في وسط القرية. اعتقد گبران أنه من المحتمل أن تكون كنيسة: "أحد [المنازل] الذي لا يزال حتى اليوم يحمل اسم(الكنيسة)، يعرض بقايا مقدس مسيحي مواجه للشرق ونوافذها مدببة ويعود تاريخها في الغالب إلى العصور الوسطى. وقد تم استخدام بعض الأشلاء الجميلة ذات المظهر العتيق، إلى جانب مواد أخرى أصغر، في بناء هذه الكنيسة الصغيرة" ومع ذلك، لم يعثر الباحث شيك على أية كنيسة، "ببساطة مبنى صليبي قديم له نافذتان محفوظتان. يبلغ سمك الجدران حوالي 6 أقدام، والتي تم بناء منازل اللاهين عليها، وبالتالي فإن الأمر ليس بالأمر السهل لنتعرف عليه. لقد كان نوعًا من خان مبني بالطريقة الصليبية المعتادة، مع قبو أعلى قليلاً في المنتصف من نصف دائري.
تاريخ القرية يعتقد أنها بُنيت في موقع بلدة (مدَمينة) الكنعانية وقد أطلق عليها في المصادر القديمة (دير سوفاط ومن خلال سرد تسميات البلدة المتعددة، نلاحظ أنها حملت طابع الأزمنة والدول التي كانت تحكمها كلاً في عصره. ففي العصور القديمة: كانت شعفاط مأهولة بالسكان منذ زمن بعيد يرجع إلى 200 عام قبل الميلاد. وسميت بهذا الاسم حسب بعض الروايات، نسبةً إلى الملك الروماني شفاط الذي حكمها في عصر الرومان، ويعتقد أنها أقيمت على أنقاض قرية تل الفول. الكنعانية، والتي تقع على مشارف القرية الأصل
الأماكن الأثرية في القرية وايضاً توجد الصومعة وهو مكان أثرى قديم في شعفاط ويوجد بيت (حوش) إبراهيم وهو موجود في الجهة الغربية لشعفاط وهو كان يعتبر ك "دير" وعراق الصفري وهو عبارة عن مغارة كبيرة وداخلها عدة مغُر والمسجد الشرقي وموقعه على الشارع الرئيسي للقرية.
ويوجد في شعفاط مسجد قديم سُمي بالمسجد العمري وعُرف بالمسجد الادهمي ومسجد شعفاط الجديد مسجد إبراهيم الأدهمي" وهو قديم جداً تم هدمه في 1967 وتم اعادة بناءه من قبل اهل القرية وفي الفترة العثمانية كان المسجد يحتوي على غرفة واحدة قديمة مربعة الشكل، وفي عام (1947/1366هـ) وخلال الحرب دمر المسجد بقذيفة أدت إلى تسوية المسجد، فقام أهل القرية وعلى نفقتهم الخاصة إعادة المسجد وتوسعته فأصبحت المساحة ألإجمالية (270م) وتم بناء مئذنة دائرية شملت الطراز العثماني بناها أحد عائلة (بخضير)
ذكر الأستاذ بشير بركات في كتابه عن قرية شعفاط أن موقع هذا المسجد حسب سجلات المحاكم الشرعية بالقدس الشريف أن قطعة الأرض المقام عليها المسجد في منطقة كعكول تحدها قبلة اراضي العيساوية وشرقا أراضي عناتا (عام 941/هـ 1535م) وكانت الأرض تحت تصرف أحد أبناء عائلة الخطيب الظهيري المقدسية عام (1097هـ/1685 م) وقد صدر مرسوم إلى مشايخ قرية شعفاط يبلغهم بأن ( الحاج سليمان القباني ) قد حصل على براءات شريفة سلطانية وفرمان عاليا مضمونها ان الدولة العلية أنعمت عليه بالتولية والنظر على وقف جوامع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن ضمنها جامع سيدنا عمر في شعفاط وبعد وفاة سليمان المذكور انتقلت وظيفة التولية والنظر على وقف الجامع الكائن بقرية شعفاط عام (1205هـ/ 1791م)إلى ولديه يوسف وعبد الله حيث تنازل يوسف عن حصته من الوظيفة وهي النصف لمحمد بن عبد الله قاسم البير قدار ولخليل بن عبد الجواد النمري وكان امام الجامع يتولى إقامة الصلاة وخطبة الجمعة إضافة إلى مهام أخرى كإبرام العقود بين السكان وخاصة عقود الزواج ومن بين هؤلاء ألائمه الذين ورد ذكرهم في السجلات
( الشيخ علي بن المرحوم الشيخ إبراهيم خطيب قرية شعفاط عام (1279هـ/ 1862م) والشيخ درويش بن سليمان ابو خضير إمام قرية شعفاط عام( 1326هـ/ 1908م) والشيخ أحمد عرفة إمام قرية شعفاط عام ( 1328هـ/ 1910م) وبعد الحرب العالمية الآول أصبحت عقود الزواج تبرم في محكمة القدس الشرعية وفي بداية الستينات من القرن المنصرم شهدت قرية شعفاط إ متداد للعمارة فقد قامت بلدية القدس بإقامة مدرسة للذكور لا ستعاب الأعداد المتزايدة من السكان ونتيجة إقامة مساكن وشق طرق ثم أتبعها بناء مدرسة للآناس تحديدا في عام ( 1964 م/1384هـ)
المصادر
كتاب قرية شعفاط بشير بركات (مباحث في التاريخ المقدسي الحديث) الجزء الثالث ص3,4, ص 7/8/9/
شعفاط عن بلادنا فلسطين ص 2, 85, 87, مصطفى الدباغ (مباحث في التاريخ المقدسي الحديث) الجزء الثالث ص3,4,
فيكتور جويرين (الفرنسية Victor Guérin) ولد في 15 من أيلول عام 1812 في باريس وتوفي في 21 أيلول عام 1891. هو مفكر، مستكشف وعالم آثار فرنسي، كتب العديد من الكتب التي تصف جغرافيا وتاريخ وآثار المناطق التي زارها، والتي تتضمن اليونان القديمة، والأناضول وشمال أفريقيا وسوريا وفلسطين.

