• 26 آذار 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : تحسين يقين

 

أم تكون باتجاه استنساخ نزاعات أخرى واقتتال وتشظ وعنف!

العبارة هي الجزء الآخر من التساؤل في العنوان، وكان لزاما الاختصار، فآثرت التأكيد على جانب الأمل والرجاء والتوقع الإيجابي.

من الآخر، صعب أن نتقبل ما يكون من حرق جزئي أو لبعضنا بعضا، وهو على مستوى النخب، أكثر؛ أقرأ صباحا من (يحرق/ يقزّم/ينتقد نقدا سلبيا، وما شاء من مفردات مترادفة) إحدى الوزارات، دون أن يضع البدائل وسبل تنفيذها فعلا، لأقرأ مقالا يشيطن شخصية (وكأن الشخصيات الأخرى ملائكة)، وثالث قد بذل جهدا في نفيه بعيدا إلى آخر الوادي، ورابع..وآخرون من يشيطنون آخرين، متهمين. ويصحب ذلك نفي ونقد جارح من هؤلاء وغيرهم للسلطة والحكومة والفصائل، بما يشبه الردح لا النقد البناء والموضوعي. وهنا وهناك، ثمة اصطفاف للحرق، للنفي، للرفض، فهى تركوا قليلا مجالا للتسامح أو بعض موضوعية.

كان حريا بمن انتقد الوزارة بشكل سلبي مطلق، التي أطلق عليها نيران كلماته، أن يذكر ما تم إنجازه، مهما كان، لأنه ليس مقبولا نفي المنجزات، ومن ثم ليطرح العقبات، ثم الحلول وسبل تطبيقها. وكان من الأفضل في النقد السياسي بيان الاختلاف، وعدم التجريح، وترك مساحة للتصالح، ولو كان النقد للسلطة والحكومة والفصائل موضوعيا لكان أفضل. نقد لكن للأسف ثمة نهج يعمق حالة الإقصاء والنفي والتهميش، "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك".

من المهم تأمل حقيقة: لدينا معارضون لا معارضة، ولدينا مقتتلون لا مختلفون.

من المفروض والطبيعي أن تكون الانتخابات إجراء ديمقراطي لتداول الحكم، لكن الذي نشهده أنها توظف لمآرب تصب في خلاص أفراد لا وطن، فهل هناك من يقود البلد للعنف والخوف والإرهاب الفكري بدلا من الديمقراطية؟

صباحا، التقط منشورا لإحدى الفصائل، يتنتصل من اتهامات تجاهه، فيراح يهدد ويتوعد، وشخصية أخرى تنفي ما نسب إليها من فعل، ولجنة سياسية تفصل، وما يترتب على ذلك ليس من خلال سياسي، بل من اقتتال وتنازع، ولعب سخيف بالولاءات والتحالفات.

هي لغة الخطاب اليوم للأسف، فماذا نحن صانعون!

باختصار، نحن بحاجة لقدوة الآن الآن وليس غدا..

نحناج قدوة دينية وسياسية وتربوية وثقافية وإعلامية؛ القدوة الدينية هي من تعمق التسامح والأخلاق والتضامن، والقدوة السياسية مهمة كون الجانب السياسي الحاكم هو الناظم لجوانب المجتمع، أما القدوة التربية، فهي التربية على الديمقراطية الحقيقية من خلال الفعل لا من خلال نص، في حين نطمح أن يتجلى كل ذلك استراتيجيا وإنسانيا في الأعمال الفنية والأدبية. بقي الإعلام، الذي يجب أن يتجنب صب الزيت على النار، بل الأحرى به ان يقود التصالح والعدالة الاجتماعية، لأن ذلك يصب في المصلحة العليا للوطن والمواطن.

ما بين ابن عبد ربه القرن التاسع الميلادي، وجان جاك رسو، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، 1762، 9 قرون، ومسافة المكان: الأندلس (إسبانيا)،  وفرنسا. وثقافيا، يمكن جعل ذلك شرقا وغربا، كون الأندلس الأوروبية الجغرافيا هي مشرقية التكوين.

ما بين عبد ربو وروسو ما يتجاوز اللغة إلى المضمون الإنساني، لكنني وقفت عند مفردة العقد، أكان جماليا أكثر عن ابن عبد ربه (حيث فيه أيضا حديث عن السياسة والعادات) أو سياسة وحكم عند رسو.

العقد..ما العقد؟  إن أهم ما في العقد هو مبرراته، أي التوافق في تنظيم العيش المشترك؛ فإن وضعنا عقدا، فالمفروض والطبيعي الالتزام به، لكن أن نلف وندور عليه، فمعنى ذلك تفريغه من محتواه وفاعليته. هي مسؤوليتنا جميعا، الحاكم والمحكوم، الأحزاب في الحكم وخارجه، وكل جوانب ومجالات المجتمع..كلها يعني كلها.

أما العقد الفريد، فهو كتاب من تأليف ابن عبد ربه الأندلسي (ت. 328 هـ)، والذي يعتبر من أمهات كتاب الأدب العربي. ويشتمل الكتاب على جملة من الأخبار والتاريخ والأمثال والحكم والمواعظ والأشعار وغيرها. وقد سُمي بـ «العقد» لأن ابن عبد ربه قسّمه إلى أبواب أو كتب حمل كل منها اسم حجر كريم، كالزبرجدة والمرجانة والياقوتة والجمانة واللؤلؤة، وغير ذلك مما تناول عقود الحسان الحقيقية. وهو يجمع بين المختارات الشعرية والنثرية، ولمحات من التاريخ والأخبار، مع الأخذ بنظرات في البلاغة والنقد مع شيء من العروض والموسيقى، وإشارات للأخلاق والعادات.

أما العقد الاجتماعي أو مبادئ الحق السياسي، وهو المرجع الأساسي حول الحكم في العالم،  فهو كما هو معروف من تأليف جان جاك روسو، "الذي وضع نظريته حول أفضل طريقة لإقامة المجتمع السياسي في مواجهة مشاكل المجتمع. وكان الكتاب في وقته وما بعد ذلك، مصدر إلهام لبعض الإصلاحات السياسية أو الثورات في أوروبا وخاصة في فرنسا؛ فبعد سقوط الشرعية الملكية والدينية كأساس للحكم في أوروبا، أصبح من الضروري البحث عن شرعية بديلة يقوم عليها الحُكم السياسي، وتتحدد على أساسها مسئوليات الحاكم والمحكوم، والواجبات والحقوق المترتبة على كل منهم. لذلك ظهر العديد من المفكرين والفلاسفة الذين عملوا على إيجاد ميثاق شرعي جديد يحكم العلاقة بين الطرفين، وكان من بين هؤلاء المفكرين الذين سعوا لإيجاد هذا الميثاق جان جاك روسو الذي طرح فكرة العقد الاجتماعي إلى جانب مجموعة أخرى من المفكرين التنويريين أمثال توماس هوبز وجون لوك".

ما بين العقدين الادبي والسياسي يكمن البعد الإنساني، وهو الأصل. لعله العقد الاجتماعي السياسي والأدبي الثمين.

لذلك، فإنه خارج نطاق التفاهم الديمقراطي سنكون مع الديكتاتورية غير الإنسانية في كل زمان ومكان، فكل زمن ومقصلته للأسف، من قتل فيزيقي أو قتل معنوي، فحين قال الديكتاتور النمرود "أنا أحيي وأميت" للنبي إبراهيم عليه السلام، نفذ ذلك بأن أحضر اثنين: قتل أحدهما، وأطلق الآخر.

من البيت إلى البيت، رحلة نهار وبعض ليل أو أكثر، خطوات، وجلوسا، وسماعا، وقراءة، وتأملا وبعض الوجع يزيد مع تكرار العزف على اللحن الرئيس، يقل مع وجود هامش موضوعي.

فلسطينيا، نحن من هذه الثقافة، ولعل سياق راهننا السياسي، غير منقطع عن السياق التاريخي العام،

حين كان التنافس والفتنة من أسباب نهاية الإمبراطوريات.

نحن نحتاج جميعا قدوة سياسية ترتبط بها منظومة تنبع من اتجاهاتها ومنهجها وسلوكها وفكرها الديمقراطي.

لعلنا وسط هذا التشظي والنزق السياسي محتاجون لتيار وطني شعبي تصالحي ناضج بعيدا عن تعقيدا أثقلت كاهل الفصائل، نقول ذلك ونحن جزء منها، لكن الوطنية والحكمة تقتضي ذلك في طريق الخلاص الوطني. هو تيار يجمع ولا يفرق، والذي يمكنه التفاعل مع الكل الوطني بجميع مكوناته، والذي إن وعد بالانتصار لكرامة الإنسان سيفي بوعده، وإن وعد بدعم صمود منطقتي باء وجيم والأغوار، سيفعل، المهم ترك الناس لاختياراتهم/ن دون تأثير سلبي، ودون تحريض وتشكيك.

فقط لنترك للناس حق الاختيار. وليكن هدفنا من الانتخابات هدفا وطنيا تنمويا وأمل لشعبنا وسلاما وأمانا وحبا وربيعا وشجرا وصناعة وتجارة وتعليما وأدبا، سلام على ابن عبد ربه وسلاما على رسو.