• 16 نيسان 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : د. أمجد رفيق شهاب

 

يطلق أسم المقدسيون على كل من يعيش من فلسطينيين في محافظة القدس ويقدر عددهم وفقا لجهاز الاحصاء المركزي لعام ٢٠١٩ 457 الف مواطن . حيث لعب المقدسيون دورا أساسا بالثورة الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني والصهيوني.  وادى احتلال القدس بشطرها  الغربي عام 1948 والشرقي 1967 الى المساس بحقوق  المقدسيين وبفراغ قانوني ، مما نجم عنه تعرضهم لترسانة من القوانين التي تصب  في مصلحة المحتل وتهدف لتهجير أكبر عدد منهم ليحولهم تابعين للمشروع  الاستعماري بقوانينه الى عبيد .

يذكر بأن القانوني الروماني غايوس كتب  قبل ألفي عام تقريبا في كتابه (المؤسسات) يعرف به مصطلح العبودية : (هي الحالة التي يعرفها قانون الشعوب وفيها يخضع شخص ما لسيطرة شخص أخر بشكل يتعارض مع الطبيعة).

ونجد جذور فكرة تطبيق نظرية العبيد في الامبراطورية الرومانية مجسدة  بعاصمتها روما. لعب العبيد دورا مهما  بالعديد من الخدمات المنزلية، وغيرها من المهن ، ولم يقتصر أصل العبيد من القارة الافريقية ، بل كان هناك عبيدا من شعوب أخرى مثل اليونان ، وهنا جب التأكيد ان العبيد قد يكونوا متعلمين تعليمًا عاليًا ، ولكن حكم عليهم بالعبودية كعقاب، فنجدهم يعملوا  في المزارع والمناجم، والمطاحن...ألخ. 

واذكر جيدا اثناء دراستي لقانون العقوبات الروماني بالجامعات الفرنسية ان أقدم مدونة قانونية بمدينة روما كانت نظرية العبودية ، والتي كانت أحد جوانب قانون الشعوب اي  القانون الدولي العرفي المشترك بين جميع الشعوب ، ويوازيه اليوم الأمم المتحدة التي مقرها نيويورك. 

وركزت هذه القوانين على موضوع المنتصر والذي له الحق في استعباد السكان المهزومين ، وتتطور هذا المفهوم اليوم ليدخل في سياقه التوصل الى تسوية من خلال المفاوضات الدبلوماسية أو الاستسلام الرسمي وهذا واقعنا مع الاحتلال الصهيوني اليوم . 

كانت اهمية وجود العبيد بالإمبراطورية الرومانية تكمن بحاجة الاقتصاد حيث يقدم العبيد دورا مهما بازدهار الاقتصاد لزيادة قوة الامبراطورية في توسيع حدودها لو قارنا الوضع في الإمبراطورية الرمانية بدولة الاحتلال لوجدنا نقاط كثيرة تشبه العلاقة بين الاسياد والعبيد،  فعلى  سبيل المثال إسرائيل اليوم تعتمد على الأيادي  العاملة الفلسطينية في جميع المرافق الاقتصادية تقريبا . كما طبقت النظرية ( العبيد)  بحذافيرها حيث عملت على بناء الجدار العنصري حتى لا يزيد سكان المدينة المقدسة على 30% من  سكانها  الاسرائيليين . وهو تماما ما كان يحدث في عهد الإمبراطورية الرومانية حيث تم تحديد عدد العبيد ب 30% من عدد السكان الكلي.  

اما سياسة التهويد التي يتبعها الاحتلال الصهيوني وخاصة التعليم ، الهدف منها هو ايجاد العمالة المؤهلة لسوق العمل الإسرائيلي،  فتقريبا جميع  الاموال التي تنفق على القدس تدخل بضمن مشاريع استهلاكية وغير منتجة حيث تهدف الى ابقاء المجتمع المقدسي كمجتمع مستهلك خاضع لمصطلح المفعول به وبعيد عن الفعل والاعتماد على الذات. 

كان الهم الاول للإمبراطورية الرومانية هو التركيز للحفاظ على الاستقرار وعلى قوة العمل المستعبدة ، وهذا ما نلاحظه من خلال الدور الذي يلعبه اكثر من 180 الف عامل فلسطيني في إسرائيل ، وما لاحظناه ان اسرائيل وضعت ترسانة كاملة من القوانين لإبقاء الوضع كما هو عليه حيث يصب في مصلحتها . ان استخدام اسلوب المكافئة لمن يتعاون معها أكثر  قد ادى الى ظهور عبيد أغنياء من الطبقات المختلفة كما كان في عهد الامبراطورية الرومانية

اعتمدت نظرية العبيد في روما عاصمة الامبراطورية على ان لا يزيد عدد السكان على 30% وهذا ما فعلته العصابات الصهيونية عند احتلالها لفلسطين عام 1948 بعد تدميرها مئات القرى وتهجير معظم سكانها ، فلقد عمدت على إبقاء عدد من السكان الاصليين بحيث لا يتعدى عددهم عن 30% ، وعند احتلالها للشطر الشرقي لمدينة القدس عام 1967 فقد عمد الاحتلال ولا زال   حتى الان باتخاذ اجراءات  للاستيلاء على الاراضي وهدم البيوت وبناء الجدار العنصري وكل ذلك من اجل تحقيق هدف ديمغرافي واحد ، الا وهو تقليل من عدد سكان المدينة المقدسة بحيث لا يتجاوز عددهم عن 30% كحد أقصى .  

نلاحظ هنا أيضا ان اهتمام الامبراطورية الرومانية  في العبيد ، هو ليس فقط في خدمة البيوت حيث تعدى ذلك الى وظائف ومهن ذات مهارات عالية مثل المحاسبون والاطباء الذين كانوا في كثير من الاحيان عبيدا ، لو قارنا اليوم المستشفيات الاسرائيلية لوجدنا ان عددا كبيرا من الاطباء والممرضين والمحاسبين هم من العرب المقدسي الفلسطيني سواء من مناطق الضفة ومن فلسطينيون الداخل المحتل .  

فنظرية العبيد لا تعني فقط ان العبيد لهم أصول معينة ونقصد هنا (أفريقيا ذوي العرق الاسود  ) فلقد كان  عدد كبير من العبيد في الإمبراطورية الرومانية ذو أصول يونانية ، نتيجة هزيمتهم عسكريا أو معنويا ، وكان هذا يدخل ضمن مصطلح العقاب الجماعي وهذا يطابق كليا الوضع في مدينة القدس وفلسطين .

لو لاحظنا العلاقة بين المفاوض الفلسطيني والمفاوض الاسرائيلي لوجدنا ان هذه العلاقة وصلت الى قاعدة العلاقة بين السيد والعبد في عملية تلقين الاوامر وفي حالة الامتناع او المقاومة يتم فرض العقاب.   

إن لم يستطع  العبد تحرير نفسه بالقوة ، فعلى الاقل عليه الحفاظ على هويته وثقافه وتعليمه ولقمة عيشه وحقوقه القانونية مستقلا عن سيده حتى يتمكن من الاستقلال عنه بأول فرصة تتاح له .

ما يهمنا نحن المقدسيون المرابطون الى يوم الدين ، ان نمهد للحظة الانعتاق للحرية ، والتخلص من عبودية المحتل ، وهذا سيتحقق عبر تمسكنا بكرامتنا وحريتنا وهويتنا وحقوقنا  في مدينة عمر وصلاح وتنفيذا لوصية رسولنا صلى الله عليه وسلم صاحب معجزة الاسراء والمعراج بالمرابطة فيها .