• 6 حزيران 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم :  فــوّاز إبراهيــم نــزار عطيــة

 

 

أربعة وخمسون سنة مضت على حرب  حزيران عام سبعة وستين ، في  تلك الحرب المشؤومة احتلت  الجيش الإسرائيلي ما تبقى من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، هُزمت ثلاثة جيوش عربية بعض  اصواتها  كانت تدعو سمك البحر ليتضرع جوعا  ليأكل جثث اليهود، والبعض الآخر تغنى بقوة تلك الجيوش واستعراضاتها الكرتونية....

 أسباب الهزيمة عديدة وكثيرة لا مجال لتعدادها، لكن لا بد من الاشارة  في هد المقام إلى أن دعم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا الجيش الإسرائيلي على مدار سنوات قبل اندلاع الحرب ، ساهم في حسم المعركة في ساعدت لصالح الجيش الأقوى والمستعد والمنتظر لهذه المعركة ، فالمشاهد تؤكد على التفوق العسكري من خلال الدمار على الصعيدين الانساني والبيئي، إذ بدء الدعم الاوروبي ممثلا  في بريطانيا وفرنسا اللتين ساهمتا بعدوانهما المشترك مع اسرائيل  على مصر سنة 1956 ، أسس لمعالم تحديد مصير ومستقبل التوازن العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، بل أسس  ايض لتحديد شكل وملامح  المنطقة العربية، باعتبارها مستعمرات محمية قُسمت بين الولايات المتحدة وأوروبا في سبيل نهب خيرات تلك البلاد بحجة مواجهة ومعسكر الشرق الأوروبي السوفياتي، فزُرعت اسرائيل كجسر لتوزيع أطماع الدول الغربية لثروات العرب، ولإحكام السيطرة على العالم،  مستخدمة " فرّق تَسد"  بتشديد وبتعزيز الخلافات بين الاخوة العرب لضمان بقاء ذلك الجسر.

لم يتنبه العرب لخطورة إنشاء دولة تحتل الاراضي العربية في اتجاهات مختلفة، ولم يدرك العرب حتى اللحظة أن المخطط أكبر من نظرتهم الضيقة المحلية التي لا تتجوز حدود كرس الحاكم ، فتم تسويق قرار تقسيم فلسطين في 29/11/1947 بموجب قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة على اساس انهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين التاريخية إلى ثلاثة كيانات:

1-   دولة عربية بمساحة 11000 كم2  من الجليل الغربي ومدينة عكا والضفة الغربية.

2-   دولة يهودية بمساحة 15000كم2 من السهل الساحلي حيفا وحتى جنوب تل ابيب اي الشيخ مؤنس والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا والنقب حتى ام الرشراش.

3-   القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية.

فكيف يتصور العاقل بيننا ان  تقسيم بيته مع جاره أو مع الدخيل! فكلاهما لا يملك أية حقوق في البيت، فالعقل والمنطق يقبل تقسيم البيت مع الشركاء في المال المملوك على الشيوع، سواء كانت تلك الملكية الشائعة نتجة التركة أو نتيجة شراكة قائمة على اساس قانونية.

تأكيدا على زرع الجسم المذكور، بتاريخ 22/11/1967 صدر قرارا عن مجلس الأمن الدولي أي بعد استكمال احتلال القدس بكامل طبيعتها الجغرافية وباقي الضفة الغربية وقطاع غزة  بخمسة اشهر تقريبا ينص علي:

 إن مجلس الأمن، يعرب عن  قلقه المستمر إزاء الأوضاع الخطيرة في الشرق الاوسط، ويؤكد أنه لا يجوز اكتساب الأراضي بالحرب، كما يؤكد على الحاجة للعمل من أجل سلام عادل ودائم يسمح لكل دولة في المنطقة بالعيش بأمن، ويؤكد كذلك أن كل الدول الأعضاء قد التزمت، بموافقتها على ميثاق الأمم المتحدة، بالعمل وفق المادة الثانية من الميثاق.

1-   يؤكد أن تنفيذ مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط يجب أن يشمل تطبيق المبادئ التالية :

أ‌-     انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية  من أراضٍ احتُلت في النزاع الأخير.

ب‌-   إنهاء كل حالات الحرب والمطالب المتعلقة بها، واحترام السيادة ووحدة الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة والاعتراف بها، بالإضافة إلى حقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها دون تهديدات او استخدام القوة.

2-   ويؤكد على ضرورة:أ

أ‌-     ضمان حرية الملاحة عبر الممرات المائية الدولية في المنطقة.

ب‌-  التوصل إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.

ت‌-  ضمان عدم انتهاك حرمة الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق اتخاذ إجراءات من بينها إقامة مناطق منزوعة السلاح.

3-   يطلب من السكرتير العام تعيين ممثل خاص للتوجه إلى الشرق الأوسط من أجل إقامة اتصالات بالدول المعنية ومواصلة هذه الاتصالات من أجل دعم الجهود الرامية ألى تحقيق تسوية سلمية ومقبولة وفق نصوص ومبادئ هذا القرار.

4-   يطلب من السكرتير العام تقديم تقرير إلى مجلس الأمن بصدد سير مهمة ممثله الخاص في أقرب وقت ممكن.

 

يلاحظ القارئ الكريم، أن ما يميّز قرار مجلس الأمن الدولي أنه انتقل من تقسيم فلسطين التاريخية ما بين العرب واليهود من نسبة 49%:51% ، إلى دعوة السلطة المحتلة للإنسحاب من أراضٍ احتلت في النزاع الأخير، وكلمة أراضٍ تم صياغتها بعناية مقصودة لتكون محطة اختلاف وخلاف بين اعضاء مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وباقي المؤسسات الدولية، ومازال الخلاف سيد الموقف حتى اليوم لتحديد مفهوم الاختلاف بين المصطلحين أراضٍ والأراضي، بحيث تناقصت المساحة من 49% من مساحة فلسطين التاريخية إلى تقريبا 28%، وما زاد من تلقيص تلك المساحة مشروع أريحا غزة أولا عام 1993، والمرحلة الانتقالية التي حددت نهايتها عام 1999 ولكنها حتى اللحظة للأسف لم تنتهي بعد.....وبعد انتفاضة الاقصى التي هبت في شهر تشرين أول من عام 2000، وبعد بناء جدار الفصل العنصري أصبحت المطالبة الرجوع إلى وضع عام 2000....

توالت الاحداث وازداد انقسام العرب لدرجة لم يعد هناك  أي عرب ، فوقعت حروب دامية بعد النكسة، ففي عام 1973 وكنتيجة لتفوق القوات المصرية على الجيش الاسرائيلي، صدر قرار عن مجلس الأمن رقم 338 الذي دعا لوقف الحرب، لأن ميزان الربح كان في صف الجيش المصري....

بعدها جاءت الحرب العراقية الإيرانية، ومن ثم قيام العراق باحتلال الكويت، مما زاد وعمق من شرخ الأمة العربية وانقسامها، وظهرت الفتنة الكبرى واستعرت نيرانها بين العرب، فدُمّر العراق وطبقت فيما بعد  مسلسلات الربيع العربي، في سبيل الوصول لقمة الانحلال والانهزام بالتطبيع العلني بعد خلع شعب الحياء من الوجوه، وصولا إلى آخر فضيحة مجلجلة لمخلق يقل انه عربي وهو ليس كذلك يحاول أن ينال بركات رجل دين إسرائيلي عنصري يحتقر العرب حتى لو كان مطيعا...

نعم كانت سلسلة الاحداث ضرورية لسردها، للتذكير بأنه رغم مآسي المشاهدات والمسموعات، لكن هناك بارقة أمل لا تزال بجعبة العرب، قوة لا يستهان بها، فهي ليست محل مساومة وليست محل شك أو ريبة تلك القوة تتمثل بالإرادة، بحيث يمكن استغلالها كقوة موحدة أو من الممكن استغلال جزء منها لفئة معينة، وخير دليل على ذلك احداث القدس في شهر رمضان من العام 2021 أي قبل شهر من اليوم، وحدت أهل فلسطين التاريخية على قلب رجل واحد، ورغم الإمكانيات البسيطة التي لا تقارن مع دولة تعد من زمرة الدول الأقوى في العالم، استطاع أهل القدس وأهل غزة أن يلقنوا إخوانهم العرب درسا في الصبر والإرادة الصادقة، بأن أسطورة الجيش الذي لا يقهر دُحرت وولت، باعتراف قيادات كبيرة من الجيشالذي لا يقهر، الامر الذي يجب أن نجعل من ذكرى النكسة ذكرى ايجابية للعمل على استعادة وحدتنا نحن أهل فلسطين، وذكرى لشحن الطاقات الايجابية في سبيل الحرية وحق تقرير المصير...

لذلك لا بد من أن أقف على العبارة التي ذكرها جدي المرحوم الشيخ نزار ابراهيم عطية عام 1969 من خلال لقاء صحفي مع المجلة العالمية "National Geographic "، بأن على العرب الاتحاد في سبيل اعادة القدس لمكانتها الطبيعية أوعلى الفلسطينين أن يركزوا في طريق الخروج من ركام الهزيمة إلى البحث عن مصالهم بعيدا عن الشعارات......

 اعتقد لرجل مثله عاش في القدس زمن نهاية الدولة العثمانية وعاصر الانتداب البريطاني والحكم الأردني والاحتلال الإسرائيلي حتى شهر نيسان من العام 1986، الذي كان يتقن ثلاثة لغات بالإضافة للغة الأم :التركية والإنكليزية والفرنسية، كان يقصد بعد أن هُزم العرب شر الهزيمة في حرب الستة أيام "حرب النكسة"، نتيجة عدم تحقق الأمل من أنظمة تحارب شعوبها، وأنظمة لا تعمل على توفير قوت يومهم من مزروعاتهم، ولا تلبسهم من منسوجاتهم، ولاتعمل على استشفاء مرضاهم من دواء مصانعها، ولا تحارب الغزاة من مصانع أسلحتها.... بأنه يجب على الفلسطينين أن يحددوا بوصلتهم في التحرير لوحدهم أو الاندماج والخنوع كباقي بعض الشعوب،  واعتقد جازما أن الصورة التي وضعتها في مقدمة هذه المقالة يجب ألا تغيب عن أذهاننا، بأن شعبنا الأبيّ حدد بوصلته نحو الشرف والريادة ليقود الشعوب العربية نحو الكرامة، ولنا في في احداث الشهر المنصرم إمارة وآية....