• 11 حزيران 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

  

ألقى قائد حماس في غزة خطابا يوم السبت الماضي , جاء اقرب إلى حديث مطول مع مجموعة مختارة من الأكاديميين , و مثل فرصة مهمة لمعرفة الشخص الذي قاد الحرب الأخيرة , و أصبح الاسم الأبرز فلسطينيا , معرفة مباشرة لشخصه و أسلوبه و فكرة و سياسات حركة حماس خصوصا , و المقاومة عموما , فالحديث هو وثيقة سياسية بامتياز , يمكن اعتمادها لزمن قادم . 

قدم السنوار تحليلا متماسكا لظروف ما قبل الحرب و شرح كيف تدحرجت الإحداث لتصل إلى المواجهة , إذ اعتبر إن تراجع السلطة عن التفاهمات الوطنية التي جرت بين حركتي حماس و فتح ثم مع باقي الفصائل , و قدمت بها حركة حماس التنازل تلو التنازل , في سبيل الوصول إلى هذه التفاهمات و الشروع ببناء نظام فلسطيني جديد و إنهاء الانقسام , فتراجعت عن إصرارها على تزامن الانتخابات التشريعية مع الرئاسية و انتخابات المجلس الوطني , لتقبل بكامل وجهه نظر السلطة بان تجري انتخابات المجلس التشريعي أولا و قبلت بتغيير قانون الانتخابات ليصبح قانون النسبية الكاملة و القوائم , إلا أن السلطة في رام الله , ما لبثت أن تراجعت , و السلطة لم تغادر موقعها الذي لا يرى أية بدائل للتفاوض , و لا يرى أن العملية الديمقراطية هي أساس الحكم و مصدر شرعيته , و إنما الحكم يقوم و يستمر بالإيفاء بالالتزامات التي قررها اتفاق أوسلو و ما تلاه من ملاحق أمنية , يرى السنوار أن الوصول إلى هذه الحالة من الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني , قد صنع شعورا زائفا لدى الاحتلال , بأنه يستطيع و الحالة كذلك تمرير مخططاته بالقدس , فكانت أحداث باب العامود و تلتها أحداث حي الشيخ جراح و المسجد الأقصى , تحرك الشعب الفلسطيني بكل أطيافه و تشظياته على قلب رجل واحد , و هنا اضطرت المقاومة للتدخل , واضعة القدس تحت جناحها و حمايتها , بعد أن خذل المدينة الجميع بمن فيهم عمان و رام الله .

اتسم حديث السنوار بالشعوبية و التعبوية و الدعم النفسي , و أدى و لا ريب إلى إكمال دور الصواريخ في إنعاش الحالة المعنوية لعموم أهل فلسطين , بعد مرحلة من الإحباط و انعدام اليقين و انحدار الثقة بالنفس , و أكد في السياق على المكانة التي منحتها الحرب و المقاومة لمن يقاتل و يقاوم , و على امتلاك قراري الحرب و السلم , ثم تحدث في تفاصيل المعركة و مقدار القوة التي استعملتها المقاومة و مقدار القوة التي لا زالت تملكها , فيما الضعف و الوهن لم يتسلل إلى النفس المقاومة ا والى المواطن ألغزي , في حين انكشفت أكذوبة المشروع المعادي الذي  لا تستطيع التكنولوجيا و القوة المجردة التمويه على  مقدار ضعفه و هشاشته , فهو ليس إلا بيت عنكبوت . الحصار سوف يرفع –أو أن ظروف الحصار ستكون اقل صرامة – و أن ازدهارا سيلمسه أهل غزة بالقريب , فيما إعادة اعمار ما دمرته الحرب سيكون سريعا , بإشراف المقاومة التي لا تحتاج لمد اليد لأموال الأعمار , فلديها كثير و سيأتيها كثير من أصدقائها و شركائها في محور المقاومة و الممنا عه الذي أكد الانتماء له  , و إعادة الاعمار لن يكون لرام الله دورا بها , و هو الأمر الذي يؤيده بقوة عموم أهل غزة , بمن فيهم اتحاد المقاولين , و معهم من اكتوى بنار الخلاف بين غزة و رام الله التي دفعتهم ثمن خلاف ليسوا مسئولين عنه .

عبر الطريقة الشعبوية  , تحدث السنوار في عمق السياسة , أكد على استقلالية القرار – الحرب و السلم – و على ولاية المقاومة على القدس و على شرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده , الأمر الذي كان جليا في الالتفاف حول المقاومة , - و كأنه يقول -  بما يمثل تصويتا و انتخابا و تفويضا للمقاومة , و ابلغ مستمعيه من أكاديميين و مشاهدين بما ستعرضه حماس في لقاءات القاهرة يومي السبت و الأحد القادمين , مؤكدا أن تفاهمات ما قبل الحرب التي تراجعت رام الله عنها , لم تعد قائمة , فما بعد الانتصار ليس كما قبله , و قدم نصيحة شبه مباشرة لرام الله , بان تكف عن طرح مبادرات و أفكار من مثل حكومة وفاق , أو قيادة مشتركة , فهذا ليس إلا كلام فارغ و مضيعه للوقت , و لم يعد واردا في أجندة المقاومة التي أصبحت صاحبة اليد الطولى , و أشار بان منظمة التحرير بتركيبتها الحالية عاجزة و غير جامعه و هي تحتاج إلى إعادة بناء تبدأ بانتخابات مجلس وطني أولا و من ثم تستكمل هيئاتها بموجب الانتخابات , و أن لذلك أهمية و أولوية تفاق انتخابات المجلس التشريعي , و كانت رسالته الأخيرة للمجتمع الدولي – و التي يقال انه أرسلها سابقا عبر مصر و قطر – عن قبول حركة حماس باتفاق وطني , كما ورد في وثيقة الأسرى , ثم في التفاهمات الوطنية , يقضي بقبول دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران و عاصمتها القدس , و هو شرط المقاومة البديل لشروط الرباعية الدولية .

إطلالة السنوار و لا شك موفقة  , ضرورية و  بالغة الأهمية لمعرفة الرجل و ما يقول أولا , و الأهم لمعرفة برنامجه و سياسته ثانيا , و لكن , و لكي يستمر هذا التوفيق و تبقى للرجل صورته التي شاهدها الناس السبت الماضي , لا بد من تسجيل بعض الملاحظات :

اثبت السنوار  منذ اليوم الأول للمعركة انه صادق الوعد و الفعل , و ذلك منذ الساعة السادسة من مساء ------- حين انطلقت الصواريخ في موعدها الدقيق من غزة للقدس , و نتمنى على الرجل أن يبقى دائما كذلك , مصداقا قولا و فعلا – و هو تمني مصدرة الاحترام لا سوء الظن – فالأيام القادمة سوف تكون أطول و أكثر أهمية من الأيام التي انقضت , و المعارك القادمة ولا بد , سوف تكون عديدة و أكثر ضراوة في نارها , و اشد أثرا في مفاعيلها و نتائجها السياسية , الأمر الذي يتطلب دقه في القول و عدم الانسياق في مسارب الحماسة .

أطلقت المقاومة على المعركة اسم سيف القدس , و هي بلا ريب نقطة مركزية في الوجدان القومي و الديني و السياسي , و كان حافز الحرب الدفاع عنها , و إعلان المسؤولية عنها و الرعاية عليها , و حمايتها تتطلب أدوات و جهود سياسية و اجتماعية و اقتصادية و حقوقية صادقة و مخلصة , تسير بموازاة العمل العسكري و تمثل رديفا كفاحيا يتكامل معه , من هنا , فان المقدسي أولا و الفلسطيني ثانيا ينتظر من المقاومة تطوير برامجها و تفعيل هذه الأدوات , و ايلاء المسائل المذكورة الأهمية التي تستحقها .

إن كثير من جمهور المقاومة و مناصريها , يتمنون على السنوار , أن يذكر دائما أن الفضل في المعركة المجيدة ,  للمقاومة بكل عناصرها , و أن المقاومة هي  من انزله مكانته الرفيعة في السياسة و في القلوب , الأمر الذي يدعوه أن يتحدث و يتعاطى مع موقعه بصفته الأكبر و بأنه قائد للمقاومة , و رمز من رموزها ,  لا قائد لفصيل , فالعمل و إن تحقق  بجزء مهم منه على يد حركة حماس , إلا أن جميع تشكيلات المقاومة كانت شريكة في هذا الانجاز المجيد , و معهم توحد الشعب الفلسطيني من أعالي الجليل إلى أقاصي النقب و من ساحل المتوسط إلى أعماق الأغوار و من ورائهم الأمة بأسرها و العالم باجمعه في لحظة تاريخية فارقة , تمثل فرصه فريدة لقائد وطن لا قائد فصيل