• 6 كانون الثاني 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

مع أن رئيس الحكومة ( الإسرائيلية ) نفتالي بينت لا زال يعتبر طارئا على عالم السياسة و القيادة، و باهت الأداء خاصة انه جاء كخليفة لأحد أهم الزعماء و أطولهم عمرا  في تاريخ دولتهم القصير،  و إن جاء من ذات مدرسة اليمين المتطرف و يتشارك مع سلفه القناعات و العقيدة السياسية القائمة اليوم على الاختراق القومي و العربي و الإسلامي من جانب، و على العمل ضد أي أفق سياسي تفاوضي مع الفلسطينيين مهما بلغت درجة استعدادهم للتنازل، فلا دولة فلسطينية في الضفة الغربية، و لا قدس و لا وقف أو تخفيض وتائر الاستيطان و مصادرة الأرض , تمهيدا لضم الجزء الأكبر منها، و العلاقة مع السلطة الفلسطينية لن تتجاوز المستويين الاقتصادي و الأمني، و لكن الخلاف بين الرجلين هو شخصي حول الموقع أولا، و حول شكل العلاقة مع واشنطن لا جوهرها ثانيا .

لا يترك نفتالي بينت أي فرصة دون أن يتصرف مع واشنطن على طريقة الولد الذي أفسده الدلال، معتمدا على الرغبة الأمريكية في بقاء حكومته  و اعتمادا على هذه  العداوة الشديدة بين واشنطن و سلفه نتنياهو، و الذي يريده البيت الأبيض و إدارته الديمقراطية أن يبقى خارج الحياة السياسية بشكل نهائي،  إن لم يكن وراء قضبان السجن، من هنا ينطلق تدلل بينت، فسقوط حكومته سيؤدي حتما إلى انتخابات مبكرة قد يملك الخصم اللدود نتنياهو فرصا للفوزبها  .  

لا تمانع الإدارة الأمريكية في إعطاء بينت أوراق قوة و دعم، و لكن ليس على حساب مصالحها و استراتيجياتها، و إنما على حساب آخرين، أولهم الفلسطينيون، إذ ترضيه و تدعمه على سبيل المثال لا الحصر، في مسالة إعادة فتح القنصلية الأمريكية في شرقي القدس بحث يتم إلغاء القرار أو تأجيله بحكم الإلغاء، أو إلى حين تكون المحكمة التي تنظر في قضايا فساد متهم بها نتنياهو قد أصدرت حكمها شبه الأكيد بإدانته، الأمر الذي يضمن خروجه النهائي من الحياة السياسية، أو أن واشنطن تغض النظر جزئيا عن الممارسات الاستيطانية و سياسة هدم البيوت و مصادرة الأرض ، كما في تماديها وعدوانيتها على غزة المحاصرة و على الأرض و الأجواء السورية .

 أطلقت رحلة القطار التجاري الباكستاني الأولى منذ أيام طلقة تحذير للأمريكان ،  هذا القطار العابر لطريق الحرير القديم سوف يصل حاليا الصين بأوروبا عبر باكستان و مرورا بإيران و تركيا  و ما يهم الإستراتيجية الأمريكية هو الصين و بحرها و طرق حريرها ، استجابت ( إسرائيل ) مضطرة للالتزام بالرؤيا الأمريكية ، و أكد بينت على أن حكومته بصدد تعميق التنسيق و التعاون الأمني مع استراليا الحليف الأهم لواشنطن في إستراتيجيتها الجديدة, ، و هذه الإستراتيجية  هي ما دعت الأمريكي لتقليص تواجده في الشرق الأوسط ، لحساب شركات المرتزقة مثل شركة  بلاك وواتر (  ( Black Water و غيرها من الحلفاء و على راسهم الحليف ( الإسرائيلي ) الذي  لم يعترف بعد بفشله في العمل على تخريب مسار فينا الإيراني - الأمريكي . 

يرى العقل السياسي ( الإسرائيلي ) المسكون بهواجس الأمن و عقدة التفوق العسكري، أن إيران نووية هي خطر داهم و شر مطلق  حتى لو توفرت الضمانات  على سلمية المشروع و عدم سعي الجمهورية الإسلامية لتطوير برنامجها عسكريا و سعيها لامتلاك السلاح النووي ، و خلال السنوات الماضية مارست كل ما في جعبتها من حيل و أساليب للتحريض على الاشتباك مع إيران و على توريط الأمريكان و حلفائها الجدد في الخليج، ( إسرائيل ) تريد حربا يقاتل بها  و يموت بها و يدفع اكلافها آخرون، و قد حاولت جاهدة التشويش على مفاوضات فينا . لكن ( إسرائيل ) في النهاية تعرف حدودها، و أنها لن تستطيع  التأثير على التوجه الأمريكي تجاه الشرق البعيد بعرقلة الاتفاق القريب مع طهران، و تعرف يقينا أن حربا مع إيران لا تستطيعها دون الغطاء الأمريكي غير المتاح , و الأمريكي بدورة و في حال فشل في الاتفاق مع طهران , فانه لا يفكر بأكثر من تشديد العقوبات و الحصار عليها  . لكن ( إسرائيل ) تظن أنها  تملك وسائل عديدة تستطيع العمل عليها لإشغال طهران و إرهاقها و منها حروب الظلال و الأشباح ، و إيران بالمقابل لا تقل مهارة عن ( إسرائيل ) في مثل هذه المعارك التي تديرها بهدوء و من غير ضجيج كما أنها  تستطيع  إرهاق  ( إسرائيل ) عبر تمددها الإقليمي و اذرعها النشطة و حلفائها من غزة إلى مأرب و ما بينهما .

تفيد الأنباء و المؤشرات الدبلوماسية أن واشنطن قد أخذت تتعامل مع بينت بشيء من نفاذ الصبر، إذ تردد الأنباء العبرية أن بايدن يعتذر عن عدم استقبال مكالمات بينت الهاتفية الملحة، فيما أجاب عليها بعد إلحاح وزير الخارجية بلنكن، و لعل الإدارة الأمريكية قد أخذت تستعجل رحيل بينت و استلام شريكه في الإتلاف الحاكم  يئير لبيد، الذي تفضل التعامل معه و مع وزير الدفاع غانتس .

تكمن مشكله كل من الحكومة و الدولة العبرية أيضا في أنهما تحتاجان  إلى انجاز عسكري، إلى انتصار يعيد الثقة المهزوزة  في جيشها و في قدراتها الردعية  ثم أن لديها فائض قوة كبير، و لكنه عاجز عن الاشتباك مع إيران , هذا و إن كان لا يقين مطلق بالسياسة , إلا أن إمكانية الاشتباك مع إيران تبقى قائمة و أن كانت ضعيفة ، فالحذر يجب أن يكون في معرفة أين سيتم تفريغ فائض القوة هذا، و أين يرى( الإسرائيلي ) نقاط ضعف يستطيع تفريغ فائض قوته فيها و بأكلاف منخفضة ، الأمر الذي يتطلب  الاستعداد للتعامل معه و التصدي له ، فهل يرى في تنفيذ سياسته المعروفة بقص العشب كلما نما في الضفة الغربية و خاصة محافظة جنين ما يفي بغرضه هذا , أم انه ذاهب للاشتباك مع غزة أو سوريا التي يراها ضعيفة و هشه  ؟