• 14 كانون الثاني 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

مرت منذ أيام الذكرى الأولى لمحاولة الجمهوريين و معهم جموع من الغوغاء من أنصار الرئيس السابق ترامب اقتحام مبنى الكابيتول – الكونغرس -  في سابقة لم يشهد لها ذلك المبنى سابقة منذ قرنين من الزمان، وجد الرئيس بايدن في هذه الذكرى مادة للهجوم على خصومه الجمهوريين و بشكل خاص على سلفه ترامب، الذي كان قد اتهم بأنه وراء تلك المحاولة. ادعى بايدن قلقه على الديمقراطية و النظام الأمريكي مستثمرا الحدث و القلق كفصل من فصول الدعاية الانتخابية للحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفى للهيئة التشريعية، ولعل استذكاره لغزوة الكابيتول، يعبر أيضا عن قلقه من انخفاض شعبيته إلى مستويات دنيا، و من ارتفاع شعبية ترامب بشكل لافت داخل أوساط الجمهوريين، مما يجعل هذا الأخير صاحب حظ مرتفع ليفوز بترشيح حزبه في الانتخابات الرئاسية القادمة .

لم يحقق بايدن نجاحات مهمة مع انقضاء قدر من ولايته كان من المفروض أن يكون كافيا لإحداث فرق يرفع من رصيد حزبه الانتخابي في الانتخابات النصفية القريبة، أو في الانتخابات الرئاسية القادمة. في الملف الداخلي و هو الأهم اقتراعيا، فلا زالت جائحة كورونا تزيد من انتشارها بأسماء و تحورات جديدة، فيما حالة الكساد و تباطؤ النمو الاقتصادي والإنتاج لا زالت تفتك في مستوى حياة ورفاه المواطن الأمريكي، التضخم يرتفع و البطالة تتسع، و لا زالت سياسات بايدن الشعبوية غير قادرة على رتق ما أحدثه سلفه من تلف و تمزقات في نسيج بلاده الاجتماعي، فسعار العنصرية ضد غير البيض على حاله .

في السياسة الخارجية كما الداخلية لا نجاحات تذكر، و الانسحاب من أفغانستان كان قد تم التحضير له من قبل ترامب، العلاقة مع الحليف الاستراتيجي – أوروبا ليست على ما يرام، بل ازدادت توترا، مع فرنسا بسبب إبطال استراليا عقد شراء الغواصات النووية، و مع ألمانيا بسبب مطعوم استرا زينكا و بسبب اختلاف الرؤى و تعارض المصالح حول قضايا كثيرة منها إيران و الملف النووي، و منها حاجة ألمانيا و سائر أوروبا للغاز الروسي الآتي عبر خط نورد ستريم 2 الذي قاومته الإدارة السابقة و اضطرت الإدارة الحالية للقبول به على مضض، كما أن أوروبا لا تجد مصلحة لها في التورط في حرب باردة او ساخنة مع الصين، كما لا مصلحة لها في أن تتجند لحصار روسيا و على حساب اقتصادياتها و مصالحها و هموم التلوث الذي تعمل على خفضه من خلال التخلي عن مصادر الطاقة التقليدية لحساب الغاز الآتي من روسيا . العلاقة مع روسيا تمر في صعوبات جراء ما جرى و يجري في أوكرانيا و كازاخستان، و تنظر موسكو إلى محاولة إدخال دول الاتحاد السوفيتي السابق لحلف الناتو و كأنه إعلان حرب لن تتردد في خوضها،. الصين بدورها ليست تهديدا تجاريا لواشنطن فحسب و إنما تهديد استراتيجي أيضا، ولا يمكن احتواؤها أو هضم وجبة بهذا الحجم وهذه الدسامة ،اذرع الصين الطويلة و دبلوماسيتها الصامتة الهادئة، وصلت إلى معظم أرجاء العالم من وسط آسيا إلى المتوسط و إفريقيا و أمريكا اللاتينية، و ها هو طريق حريرها قد أصبح – أو يكاد سالكا عبر القطارات التجارية السريعة و الزهيدة الكلفة، و هو قادر على إيصال بضائعها إلى أبعد الأماكن، و مع الهدوء الذي اتسمت به سياسات بكين في العقود الماضية، إلا أنها أخذت ترفع  من حرارة خطابها الإعلامي و تدعمه بالمناورات العسكرية واستعراضات القوة، و وجدت بالتوافق الصيني – الروسي ان نصف العالم قد أصبح في حلف مضاد، فيما لم تجد إدارة بايدن من الحلفاء إلا انجلترا و استراليا .

شرق أوسطيا، التزمت إدارة بايدن بالسياسات القديمة تجاه سورية و بعقوبات قانون قيصر الذي ورثته من سابقتها، و إن اضطرت لغض الطرف عن تزويد لبنان بالوقود و الغاز و الكهرباء عبر الأراضي السورية و بما يعود بشيء من الانفراج على قطاع الطاقة السوري ,كان ذلك نتيجة للإحراج الذي أوقعته بها المقاومة اللبنانية و الحليف الإيراني . في اليمن تركت إدارة بايدن حلفاءها السعوديين والإماراتيين يعملون لديها كشريك مضارب، أي أن تكون شريكا في المغانم لا المغارم بالطبع إن كان هناك مغانم، و رأت أن تتعامل مع الأزمة على محورين الأول اعتبارها أزمة إنسانية و الثاني أنها مرتبطة بإيران و نتائج المحادثات الجارية معها سواء تأزما أو انفراجا . في فلسطين لا عمل حقيقي أكثر من إدارة الأزمة بما يتفق مع نظرية تقليص الصراع و شراء الوقت، العمل على إبقاء نتنياهو خارج الحكومة و دعم حكومة بينت بإطلاق يدها للعمل استيطانا و مصادرة أراضي مع تقديم بعض الدعم و التسهيلات للسلطة الفلسطينية على أن لا تدخل معها إطلاقا في محادثات ذات طابع  سياسي أو تفاوضي على حلول نهائية، يترافق ذلك مع تصريحات مضللة تعطي انطباعا بان ثمة في واشنطن من زال يتذكر حل الدولتين، فيما يصدر عن الخارجية الأمريكية، بيانات متناقضة كما حصل الأسبوع الماضي، إذ أصدرت لجنة حقوق الإنسان في الخارجية تقريرها الرسمي السنوي، امتنعت فيه عن اعتبار الضفة الغربية أرضا محتلة، فيما صدر في اليوم التالي عن ذات الوزارة بيان آخر اعتبر أن الأراضي التي احتلت عقب حرب 1967 هي أراض محتلة، لا الضفة الغربية فحسب و إنما الجولان أيضا .

الملف الإيراني ربما كان الأكثر جدية، بايدن يريد العودة للاتفاق الذي أبرمته إدارة اوباما و خرجت منه إدارة ترامب، و إن كان لا يسمح ( لإسرائيل ) باعتراضه، إلا انه سيرضيها بإطلاق يدها للتطاول على الضفة الغربية و غزة و الأراضي السورية، بالعدوان الاستيطاني أو بالعدوان المسلح، تحاول إيران تعزيز مكاسبها و الوصول إلى اتفاق اشمل و أكثر ثباتا من الاتفاق السابق و قادر على الصمود أمام الهزات الانتخابية الأمريكية .

هكذا يبدو الرئيس بايدن، عجوزا باهتا، وكما شخصية نائبته التي كان يتوقع لها ان تظهر كشريك في الحكم، و صاحبة مبادرات تؤهلها لأن تكون المرشحة الديمقراطية القادمة للانتخابات الرئاسية .

مقابل هذه الصورة الباهتة، نرى صورة الرئيس السابق ترامب ذات بريق برغم اتسامها على أنها كاريكاتير، يحقق هذا الأخير تقدما في شعبيته لدى أعضاء الحزب الجمهوري كما لدى الناخب الحائر الذي لم يحدد موقفة، يبدي تصميما و عنادا في سعيه للعودة للبيت الأبيض، و مستعد للاستثمار بسخاء في سبيل ذلك، و قد استثمر مؤخرا قرابة المليار دولار في إنشاء منصة للتواصل الاجتماعي باسم تروث سوشال Truth Social ) )  اثر اعتراض تويتر و فيس بووك لتغريداته . السؤال المهم: ماذا لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض؟ و هو سؤال مشروع إذ انه احتمال ممكن الحدوث ؟

لعل هذا ما يفترضه العقل السياسي الإيراني الحيوي والنشط  اذ يبدي حذرا بالغا و تشددا له ما يبرره، فهو يريد ضمانات من الإدارة الأمريكية بان لا يتم الانقلاب على الاتفاق في حال تغيرت الإدارة و خاصة إذا عاد ترامب للبيت الأبيض  و لكن ماذا عنا في فلسطين و جوار فلسطين إن عاد ترامب ؟