• 16 آيار 2022
  • أقلام مقدسية

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

 

لحوالي ربع قرن من الزمان عرف الفلسطيني و معه العالم تلك الفتاة الطيبة و الصحافية الجريئة , ذات الخفر و الحياء و شيء من الملامح الطفولية البريئة , و التي شكلت جزء مهم من وعي جيل ربي معها و مع تقاريرها و مطاردتها للاحتلال و عساكره و مستوطنيه , هذا الجيل الذي يقاوم في عملياته الفدائية و في رباطة بالمسجد الأقصى و اشتباكه مع الاحتلال في منعرجات درب الآلام تأثر بشرين بما يفوق تاثرة بثرثرة قيادات و استنكار و إدانات تنظيمات , لقد كانت غب الطلب , حاضرة حيث يجب أن تكون .

مخيم جنين و سكانه  الذين ينتظرون قرع أجراس عودتهم التي طالت يعرفون شيرين و تعرفهم , كثير منهم ارتبط معها بعلاقة حميمة و مثال على ذلك تلك الحجة ( السيدة ) التي ظهرت على الفضائيات و قالت : كانت شيرين عام 2002 و عقب معركة المخيم الشهيرة تبحث معي عن أبنائي بين أنقاض المخيم , هذا المخيم الوفي يملك  ذاكره لا تخون ولا تنسى , لم يسمح لجثمان شهيدته بمغادرة المدينة إلا بعد تشييع عاطفي و وطني لائق , و جنازة طافت أزقة المخيم و شوارع المدينة شارك بها الألوف بمن فيهم النساء و الأطفال على غير ما جرت العادة , و عند مغادرة الجثمان المدينة وقف أهل كل قرية على الطريق الرئيس بانتظار الموكب الجنائزي , يودعون شيرين بالورد و الدموع الحرى , انزل الشبان جثمانها في بعض القرى و طافوا به , من رأى هذه المشاهد و تحسس تلك العواطف ليدرك أن أهل فلسطين يبحثون عمن يجمعهم كما كانت تفعل شيرين , في زمن تتكاثر فيه جراثيم التجزئة و الانقسام . 

الأربعاء الماضي كانت شيرين حيث تحب أن تكون في مخيمها الحبيب ,  و لكن في وقت ملتبس , لم يكن في حسبانها أن جريمة مكتملة الأركان قد أعدت بليل بهيم لتنال من براءتها و صدقها و خفرها , كانت في إجازتها الأسبوعية , لكن مكالمة هاتفية من شقيقها طوني المقيم في الصومال قد أفرحتها بلقائه يوم ألجمعه حيث تكون على رأس عملها , فاستبدلت يوم عملها بيوم الأربعاء لتكون بجانب طوني , وازنت شيرين بين واجبها المهني و عاطفة الإخوة و لكن رصاصة الغدر كانت لها بالمرصاد .

مع قدوم الربيع الزائف قبل عقد من الزمن و انخراط القناة التي تعمل بها شيرين في مشروع تدمير الشام , و ما رافقه من تزوير تقارير ملفقه و ابتذال إعلامي , انخفض عدد متابعي تلك القناة , ثم مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية أخذت القناة موقفا إلى صالح أوكرانيا , لا بل أصبحت و كأنها الناطق باسمهم , فيما المزاج العام في الجهة ألمقابله , و لعل ذلك أمر من الممكن فهمة بالسياسة على أن القناة أداة بيد الحكومة القطرية التي بدورها أداة بيد الإدارة الأمريكية , اليوم من سوقتهم تلك القناة يعتبرون الترحم على شيرين مخالف لشرعتم و هم من نصب نفسه شريك لمن لا شريك له و يحددون مكان تبؤ  شيرين أبو عاقله مقعدها  من الجنة و النار .

الغرب المنافق تأخر في اعتبار اغتيال شيرين ليس حدثا عابرا , و هي تحمل الجنسية الامريكية , لعل الفضل يعود إلى مجموعه من صحافيي بلادنا المقيمين في الولايات المتحدة و الذين كان لهم دور في إحراج الخارجية الأمريكية لدرجة جعلت الناطق باسمها يلمح إلى أن محكمة الجنايات الدولية قد تكون المآل الأخير لهذه المسالة و لمعاقبة مرتكبيها , فيما لو تركت المسالة للواقع المحلي و للطريقة التقليدية المتبعة فلن يكون مصير التحقيق بأفضل من مصير التحقيق باغتيال ياسر عرفات الذي مضت على رحلة ثمانية عشر عاما و التقرير لا يزال قيد الإعداد .

تجاوزا لمشاعر الحزن و الأسى , يطرح الفلسطيني السؤال المهم : لماذا ارتكب الاحتلال هذه الجريمة كاملة الأركان بحق شيرين ,  المعلومات الميدانية تشير بما لا يدع مجالا للشك , أن الجريمة ارتكبت بقرار من مستوى رفيع لا باجتهاد من جندي صغير أو ضابط وحدة قتالية  ؟ لا زال الجواب غير جاهز و لكن بعض منا يرى في ذلك رسالة أراد الاحتلال إيصالها للمخيم و للصحافة  , أن اجتياح قادم للمخيم , و لا محرمات أمام جيش الاحتلال بدليل استعداده لارتكاب هذه الجريمة . 

وداعا شيرين , ذكراك ستبقى حية  روحك وديعة  في ذمة المخيم الذي احبك و احببتيه .