• 16 حزيران 2022
  • أقلام مقدسية

بقلم : أحمد صيام 

بات من الواضح وفي ضوء نتائج الانتخابات النقابية والبلدية والطلابية الاخيرة في الضفة الغربية ان حركة فتح ، بوضعها الحالي وحالة التشرذم والفوضى التنظيمية التي تعيشها ، ستخسر مواقعها القيادية للشعب الفلسطيني والتي دأبت على تبوئها منذ انطلاقتها عام 1965 . 

هناك مجموعة من الحقائق المرئية والخفية تعصف بالحركة وتضعها في مهب الريح وعلى حافة الهاوية ، إن لم يجر تدراكها ، فسيؤول مصيرها كحزب العمل الاسرائيلي وبالكاد ستحصل على نسبة الحسم في اي انتخابات قادمة ان جرت وتم تنظيمها خضوعا للضغوطات المحلية والاقليمية والعربية والدولية ، والتي يراد منها وفق ما يصرح به علنا احياء الحياة الديموقراطية في فلسطين ، ولكن خفيا يراد منها ايقاع الحركة في الشرك والتآمر عليها وبالتالي القضاء عليها ، لان ذلك يعني القضاء على الحركة الوطنية بكل اطيافها وبالتالي استبعادها عن المشهد السياسي والبرلماني الفلسطيني ، ما يعني اغراق الجماهير الفلسطينية في حالة من الفوضى الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية . 

ولعل من ابرز هذه الحقائق : 

1. حالة التخبط التي تعيشها الحركة الناجمة عن الصراع الدائر بين قياداتها على المناصب . 

2. انخراطها بسوء اداء السلطة انعكس سلبا جدا على شعبيتها . 

3. حالة الجفاء بين القيادات الفتحاوية الحالية المتفردة بالقرار التنظيمي والكادر المتعطش لنهضة فتحاوية تكون على تماس مباشر مع الجماهير . 

4. فقدان الثقة بين الهرم والقاعدة . 

5. غياب الوعي التنظيمي والتعبئة الفكرية ، و انحراف بوصلة الحركة عن الفكرة السامية التي انطلقت لأجلها . 

6. المخالفات التنظيمية المتكررة والتي تساهم من دون شك بتدمير الحركة خاصة فيما يتعلق بالتعيينات و قرارات الفصل التعسفية لكوادر تنظيمية لها باع طويل وحافل بالمهام التنظيمية والنضالية . 

7. تهميش الكفاءات التنظيمية والمهنية والعلمية والأكاديمية ، واستبدالها بـ متطفلين وفق حسابات قبلية عشائرية بعيدة عن الواقع التنظيمي ، غلبت مصالحها الذاتية على المصلحة التنظيمية العليا للحركة . 

8. لا يخفى على أحد حجم الفساد الكبير الذي دك كوادر الحركة ما جعل كثير ممن تبوأ مناصب قيادية النظر إلى الفئات الأدنى بالرتب التنظيمية من بروج عاجية . 

9. التدخلات الإقليمية والعربية والدولية المبنية على حساباتها البعيدة عن المصلحة الفلسطينية ، بالكثير من القرارات التنظيمية ، وما كانت تلك التدخلات الا لإدراك اصحابها بان حركة فتح رقم صعب وصاحبة رؤية وطنية بحتة ، واستطاعت أن تعيد إحياء الهوية الوطنية الحضارية للشعب الفلسطيني بعد أن تعرضت للطمس والتذويب ، بالتالي لا إمكانية تمرير أية مخططات تصفية للقضية الفلسطينية إلا بأضعافها وحرفها عن البوصلة الوطنية وتنصيب قيادات فتحاوية على المقاس الذي يرونه مناسبا. 

10. تمسك القيادة بالخيار السلمي والذي اثبت فشله في أكثر من مناسبة وانعدام الافق السياسي ما أضر كثيرا بحركة فتح على الصعيد المحلي . 

وربما هناك حقائق اخرى جميعها مجتمعة تجعل حركة فتح أمام تحدي خطير للغاية ، وتعيش واحدة من أخطر مراحلها حيث ضياع هويتها وضياع أسسها وثوابتها في معرض مزايدات الكثيرين عليها وعلى تاريخها ما يوجب على كل حريص على الحركة البحث عن سبل الخروج من عنق الزجاجة وتفادي العواقب الوخيمة التي ستصيب الحركة لا محالة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل القيادة الفتحاوية الحالية والتي فشلت اكثر من مرة في استنهاض الحركة وإعادة الهيبة لكوادرها ، مؤهلة للاستمرار في القيادة وارساء سفينتها الى شاطىء الامان ؟؟ 

من دون شك ان من يفشل اكثر من مرة لا يمكنه العمل من جديد ، وما يعزز ذلك ما ذكر أعلاه من حقائق وربما المخفي وما يدور خلف الكواليس اعظم واشد خطورة . لذا يوجب الان واكثر من اي وقت مضى وقبل فوات الأوان وحتى لا يكون الثمن باهظا ، العمل باستراتيجية مختلفة ومنحنى آخر قريب من منحنى الفكرة الأساسية التي على وحيها انطلقت حركة فتح والقوى الاخرى ، لما في ذلك من امكانية كبير ان يدرء المخاطر المحيطة بالحركة ويحبط المؤامرة المحاكة للحركة وإنقاذ القضية الفلسطينية واعادتها الى سلم الأولويات على الصعد الإقليمية والعربية والدولية . 

ربما في ذلك ضرب من ضروب الخيال ، لكن واقع الحال يتطلب ان تتحرك الصفوف الفتحاوية ومنها المهمشة والتي تشربت مياه الحركة العذبة غير الملوثة والشروع بإنشاء وليس تأسيس مجموعة ليست ببعيدة عن الحركة الأم و قياداتها وكوادرها ليست انشقاقا عنها او بديلا لها ، من الممكن ان تكون احدى جذوعها ، ولكن غير منخرطة بالسلطة وأجهزتها ، انما تعيد إليها ريادتها و طليعتها وتعمل على التأكيد انها حركة تحرر وطني اشبه ما تكون بحركة ظل على غرار حكومة الظل ، مهمتها الاساسية اعادة بناء الحركة على اساس الفكرة التي انطلقت لأجلها ، ووفق استراتيجية وطنية بحتة تلامس هموم الكادر المهمش بتجرد واستنهاضه واستعادة ثقة الجماهير وترتيب البيت الفلسطيني من جديد وتوحيد الصف الوطني وتعزيز القدرات الفلسطينية وتعبئة الجهود النضالية الكفاحية وفق برنامج وطني يتماشى والمحيط والواقع الذي نعيش ورسم ملامح المرحلة القادمة في ضوء المصلحة الوطنية العليا للشعب العربي الفلسطيني وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني ، ومن ثم إعادة شمل حركة فتح كفكر وطني إنساني حضاري وحدوي منفتح جامع للكل الفلسطيني مؤمن بالحرية والتحرير والعدالة والمساواة والكرامة والقانون والديمقراطية بعيدا عن الانتهازيين والمتسلقين. 

 لأجل المصلحة الوطنية العليا لا بد من التضحية وإن أدى الأمر لبتر بعض الأعضاء الفاسدة ، وخروج البعض من الحركة او انشقاقهم عنه .