• 28 حزيران 2022
  • أقلام مقدسية

 

 بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

تسود رام الله حالة من الصمت العميق تجاه أحداث مهمة تمسها بالعمق او تدور من حولها دوران الإلكترونات حول نواة الذرة، و ذلك لحساب نقاشات و إشاعات و( خبريات ) يتم تداولها على نحو واسع ومتلاحق 

وكأن جهة منظمة تقف وراءها، منها ما يتعلق بصحة الرئيس ابو مازن وصولا إلى وفاته، و منها ما يسلط الضوء على الصراعات حول خلافته و حظوظ هذا القائد او ذاك، فيما يظهر الرئيس ليكذب كل تلك الأخبار، فيرأس الاجتماعات القيادية لفتح و يقوم بزيارات خارجية كان آخرها لقبرص، وإطلالات أخرى في أكثر من مناسبة يبدو خلالها ممسكا بزمام الأمور الداخلية، أقوى من ان يستسلم ويسلم وإنما منسجما مع فريقه غير آبه بمن يناوئه وبصحة جيدة بالنسبة لرجل اقترب من عقده العاشر. 

بالعود إلى حالات الصمت، حالة الصمت الأولى هي تجاه ما يجري في القدس والضفة الغربية من تغول (إسرائيلي)، فلا تخرج السلطة و وزارة الخارجية عن بيانات متباعدة مدينة او مستنكرة او محملة (إسرائيل) مسؤولية لا تبدو (إسرائيل) منزعجة من حمل أثقالها، فخططها تسير باتجاه القدس و المسجد الأقصى الذي يدخله المستوطنون يوميا وبأعداد كبيرة لإقامة صلواتهم وشعائرهم التلمودية وممارسة استفزازاتهم تجاه بضعة من الماجدات الفلسطينيات و الشبان الذين يعتقلون و يبعدون عن المكان المقدس، لدرجة نستطيع الزعم بها أن المسجد الأقصى قد تم تقسيمه زمانيا و مكانيا و لا ينقص ذلك إلا الإعلان الرسمي، بقية الضفة و خاصة شمالها مستباح من الجيش (الإسرائيلي) والاجتياحات اليومية و الاعتقالات الليلية و القتل المتعمد شبه اليومي. أما حالة الصمت الثانية فتتعلق بالساحة المجاورة و شديدة التداخل مع الساحة الفلسطينية، (إسرائيل) مقبلة على إجراء انتخاباتها البرلمانية الخامسة خلال اقل من اربع سنوات، حيث أن الانقسام حاد داخل مجتمعهم السياسي اليميني، و لكنه يبدي حيوية بقدرته على الذهاب الدائم لانتخابات بالمقارنة مع ساحتنا، فآخر انتخابات جرت في ساحتنا كانت قبل ستة عشر عاما، ولا يبدو أننا ذاهبون في المنظور نحو انتخابات تتجدد بها الشرعية ويرمم بها نظامنا السياسي المتهالك. حالة الصمت الثالثة هي حول زيارة الرئيس الأمريكي لفلسطين، و مروره على بعض مؤسسات القدس الشرقية الفلسطينية وذلك بترتيبات أجرتها السفارة الأمريكية مع القائمين على تلك المؤسسات و منها مستشفى المقاصد، و بعيدا عن أي تنسيق مع رام الله، بالطبع بحراسة الشرطة والأمن (الإسرائيلي)، فالقدس أمريكيا موحدة وعاصمة (لإسرائيل)، سيجرى الرئيس الأمريكي لقاء في بيت لحم مع الرئيس الفلسطيني سيكون في غالب الأمر بروتوكوليا واحسانيا خال من أي مضمون سياسي، ربما سيطلب بايدن من السلطة دعم خصوم بنيامين نتنياهو في الانتخابات المقبلة، و سيذكر في سياق كلامه العبارات المعهودة حول السلام وأهميته ومكافحة التطرف والإرهاب وإيمانه الكلامي بحل الدولتين، فيما العمل (الإسرائيلي) المدعوم من إدارته لم يبق مكانا لدولة ثانية غرب النهر، فهل ستكون الدولتان إحداهما غرب النهر والأخرى شرقه؟، لا بد ان تشمل الزيارة شيئا من المساعدات المالية التي تبقي السلطة على قيد الحياة، أما إمكانية أن يبحث بايدن مع أبي مازن ترتيبات السلطة والخلافة وما الى ذلك فهي غير واردة، إذ أن المسألة اصغر من أن يتحدث بها الرئيس الأمريكي وسيتركها لموظفي الخارجية والأمن. حالة الصمت الرابعة هي تجاه قمة جدة في منتصف الشهر القادم، والتي سيحضرها الرئيس الأمريكي ويشارك بها ملوك وأمراء ورؤساء مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى العراق والأردن ومصر، و الحاضر الأكبر ظاهرا كان أم شبه ظاهر ( الإسرائيلي)، كما أن قد أصبح معروفا إن أهداف القمة هي سعوديا : إثبات زعامة ولي العهد محمد بن سلمان على الحضور العربي و مصالحته مع الإدارة الديمقراطية وطي صفحة الخلافات السابقة و التي كان من أدواتها مقتل الصحفي الخاشقجي، أما أمريكيا و(إسرائيليا) فهي تهدف إلى إدماج ( إسرائيل ) في المجموعة العربية ان لم نقل تسيدها على تلك المجموعة في مجالات السياسة والعسكر والاقتصاد، وبناء تحالف ضد محور المقاومة، ولا يغيب عن البال أبدا مسالة تخفيض سعر النفط والغاز الذي استفادت من ارتفاع أسعاره مؤخرا كل من إيران و روسيا، و مسائل لوجستية إقليمية ترتبط بالاقتصاد و الأمن كحق الطيران (الإسرائيلي ) بالمرور من الأجواء العربية للدول المشاركة بالقمة و بناء شبكة قطارات عابرة للاقليم، كما لم تدع السلطة الفلسطينية حتى الساعة لهذه القمة، و بالتالي لن تنال من مكاسبها و نثرياتها، والقمة لن تناقش الشأن الفلسطيني لا من قريب أو بعيد، ولن تتحدث عن الاحتلال و جرائمه أو القدس و ما يجري بها، و لكن ذلك لا يمنع أن يرد في البيان الختامي للقمة – أو قد يرد- ذكر القدس و الوصاية الهامشية وحل الدولتين في محاولة بائسة لتضليل من سمعوا هذه العبارة آلاف المرات عبر عشرات السنين و لم يعودوا يصدقوها .