• 25 تشرين الثاني 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم :  سعادة مصطفى ارشيد

 

يعيش الأكراد كمواطنين في أربع دول , سورية و العراق ، تركيا و إيران كمواطنين , إتسم وضعهم بالعراق بعلاقة غير طيبة من ناحيتهم مع الدولة العراقية على اختلاف نظمها و حكامها , و تلقو الدعم في جميع ثوراتهم من إيران الشاهنشاهية ، و من دولة الكيان العنصري التي دربتهم وسلحتهم ، و لطالما استضافتهم لقضاء الشتاء في طبريا أو للعلاج في مستشفياتها ، أما آن للأكراد أن يتعظوا من تجاربهم ؟!

 

أما تركيا فقد كانت أكثر حزما في التعامل معهم , وامتازت علاقتهم مع الدولة التركية بالتعايش المتوتر ، الذي وضعهم بمثل هذه الحالة , شمل الأكراد حتى خارج نطاق المواطنة التركية, الدولة التركية ترى أنهم أكبر أقلية عرقية عندها, و تختص بمناطق واسعه في الجنوب الشرقي ، حيث تمثل أغلبية سكانية ، لها امتدادها في الجوار السوري والعراقي والإيراني , لذلك فلدى تركيا حساسية عالية من مشاعرهم الإنفصالية مع أنهم موجودون في مفاصل الدولة ، حتى أن حزب الشعب الكردي يملك 56 مقعدا برلمانيا .

في عام 2016 أخذت تركيا بالاشتباك مع القوى الكردية في الأراضي السورية ، و مع أنها حققت بعض النجاحات ، لكن الدعم الأمريكي لتلك الجماعات من جانب, و حظر روسيا للطيران من جانب آخر , دعا الأتراك لعدم المغامرة بمواجهة برية واسعة بدون غطاء جوي , لكن حادث التفجير الأخير في شارع الإستقلال , أشعل غضب الدولة التركية بشكل غير مسبوق , والتسويات التي عقدتها تركيا مع روسيا إثر الحرب الروسية الأوكرانية ، جعلت الروس يرفعون الحظر الجوي عن الطيران التركي بغض النظر المحسوب , فأعلنت تركيا عن العملية العسكرية الجوية و أعطتها اسم المخلب والسيف, فيما هدد الرئيس التركي بتطور العملية الجوية لأن تصبح برية أيضا ، قائلا : ( إن تركيا هي وحدها من يقرر شكل الدفاع عن أمنها و أن على واشنطن ان تدرك ذلك جيدا ) .

هكذا تبدو عملية المخلب و السيف ، أنها تجد تأييدا غير معلن من دمشق و موسكو , فدمشق شبه صامتة إلا من تعليقات نمطية ، و موسكو تدعو لعدم العنف واستعمال القوة المفرطة, فيما لن تقدم واشنطن أو تل أبيب أي دعم حقيقي للأكراد ، إلا إذا كان يدفعهم لمزيد من التورط .

في الهزيع الأخير من عمر الدولة العثمانية نشطت القنصليات الأوروبية و البعثات التبشيرية في شرقنا ، 

ومعهم الجواسيس و المستشرقين و التجار ، حيث تم العمل على تفتيت مجتمعنا بإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والإثنية ، و فصلها عن الجسم القومي لإضعاف الأمة و تمهيدا لتقسيمها جغرافيا بعد موت الرجل المريض ( الدولة العثمانية ) ، و هو ما حصل لاحقا في الإتفاقية الأنجلو فرنسية الشهيرة باسم ( إتفاقية سايكس بيكو ) , و لم يكن ذلك بعيدا عن العمل على إنشاء و تبرير وجود الكيان العنصري الغاصب في فلسطين , لاقت هذه المشاريع رواجا لدى بعض الطوائف والإثنيات ، فيما رفضت معظمها ذلك ، و الشاهد في هذه المقالة هو الحالة الكردية .

عاش الأكراد بين ظهرانينا ، و مثلوا جزء من خليط الأمة ذات الأصول العرقية المختلطة ، و لكن صاحبة الهوية القومية الواحدة المنصهرة, وأسهموا مع باقي المكونات في الدفاع عنها, كما عرفوا بالطيبة والشجاعة والكرم , فكان منهم في التاريخ ( صلاح الدين الايوبي ) رمز هزيمة المشروع الافرنجي , و كان منهم شخصيات معاصرة ، وفي التاريخ الحديث كان لها دورها في الدفاع عن الأمة و عن ثقافتها ، و أذكر على سبيل المثال لا الحصر ، أن رئيس المجمع العلمي في دمشق و أول وزير للتربية والتعليم في سورية المعاصرة كان الراحل محمد كرد علي .

لكن الزعامات الكردية التي ترعرعت في أحضان منطق التقسيم الجغرافي و الإثني والطائفي , ورعتها الإرادات الأجنبية الغربية بداية و (إسرائيل) لاحقا بالسلاح والتدريب والرعاية الإعلامية, كانت على المستوى البعيد كارثية على الأكراد أولا و على الأمة ثانيا , و الحجة التي كانت تسوقها الحركات الكردية ، بأن الكردي غير حاصل على حقوقه ، ففي بعض كياناتنا لم يكن المواطن- أي مواطن حائزا على حقوقه كرديا كان أم غير كردي , و في حالات أخرى ، كانت المناطق الكردية و المواطنين الأكراد يحصلون على مغانم إضافية من باب استرضائهم .

القيادات الكردية ذات النهج الانفصالي ، كانت على الدوام تنقلب على الأمة كلما شعرت باختلال في موازين القوى الدولية و الإقليمية , أو بضعف دولة المركز فتنقض عليها واجدة في (إسرائيل) و الغرب الدعم و التحريض ، و دفعا للأكراد نحو الإنتحار , هذا ما رأيناه في الشمال السوري مع الأزمة السورية و في العراق في مشروع الدولة الكردية المستحيلة ، الذي عمل عليه البارزاني في الشمال العراقي , و كان البرزاني قبل ذلك لم يجد غير طهران لتحميه من داعش ، التي كادت أن تسحقهم في أربيل , ألا يدرك هؤلاء من أكراد أربيل أو الشمال السوري أن دولتهم تصطدم بعنف بالأمن القومي للدول الأربعة ذات العلاقة : سورية و العراق و إيران و تركيا ؟ و أن الخلافات مهما بلغت بين تلك الدول و المصالح مهما تباينت ، إلا أنها تتطابق عند رفض الدولة الكردية , أما آن للأكراد أن يتعلموا من كل تجاربهم الفاشله ؟  وأن يدركوا أن الحل لا يكون إلا بالمواطنة و الوفاء لاوطانهم ؟