• 28 تموز 2024
  • أقلام مقدسية

 

بقلم :  تحسين يقين

 

أكبر مفارقة ساخرة في التاريخ:

يقتل أهل غزة ويدمر حتى الشجر والكتب المدارس والجامعات المساجد والكنائس البيوت وذكريات البشر والساحات الطرق والبنية التحتية، لأن ذلك هو طريق الأمن والازدهار لغزة.

تلك رؤية القاتل، تلك رؤيا القتلة!

لكن ترى من سيصدق ذلك إذا كان هو غير مصدق ما يقول:

"غزة منزوعة السلاح وخالية من المتطرفين يمكن أيضا أن تفضي إلى مستقبل من الأمن والازدهار والسلام. تلك هي رؤيتي حيال غزة".

يعني المعادلة عنده احتلال قوي وشعب أعزل مستسلم يعيش بدون كرامة، فكل ما يحمله القاتل وعود بالطعام والماء، فهو يفكر بالشعب العريق انه مجرد سكان.

ربما رؤيته أن تحقق ذلك يكون في مكان آخر خارج فلسطين، وعالم آخر غير دنيوي ألم يسخر أحد القتلة من شهداء فلسطين قائلا لنجعلهم جميعا يذهبون الى الجنة؟ أو كأنه قال شيئا من هذا القبيل، مذكرنا بمن طالب برمي قنبلة نووية على غزة.

في الحفلة الساخرة، التي ستترك أكبر أثر سلبي على المحتفلين، تجلت السخرية كما لم تخل من قبل، فحتى الأطفال أصيبوا بدهشة التصفيق المجاني، لذلك الممثل الفاشل، الذي يستخدم كل "فنون النصب" التي أصلا لا يجيد غيرها، ولعله فعلا ممثل صادق "لنصب الفكرة والمجتمع الاستيطاني في فلسطين.

ماذا كسبا من حفلة التهريج التي ستشحن كتاب المسرح، ليبدعوا في كتابات المسرحيات الساخرة، وللفنانين كي يرسموا بورتريهات الوجوه الكالحة؟ فقط ازدادت الصورة الأمريكية لدى الشعوب سوءا، وازدادت كراهية الشعب الأمريكي لممثليهم، ومن يتحالفون معه في الداخل والخارج، أما دولة الاحتلال فستزداد عزلتها، لن ينفعها السلاح، وليس بالسلاح وحده يحيا الإنسان.

السلاح؟ هل قنبلة وزنها طنان ترمى على المدنيين في قطاع غزة، ولا يجد القانون الأمريكي ولا الدولي مجالا لمحاكمة ساسة الولايات المتحدة؟ أولئك المصفقون هم من شرعوا القتل، وهم من يسقطون الآن الولايات المتحدة وليس فقط دولة الاحتلال.

حمّل رئيس حكومة الاحتلال الولايات المتحدة، ممثلة بأعضاء الكونجرس، "جميلة" بأن دولته تحميهم، لذلك، فقد طلب المزيد من السلاح، في الوقت الذي طالب بجعل غزة منزوعة السلاح. هذا مضمون خطاب نتنياهو، والباقي تفاصيل استعراضية لا معنى لها.

بشكل ساخر يثير السخرية استقبل أعضاء الكونجرس عبارات نتنياهو بالتصفيق، لدرجة أن الخطاب تقاسم بين العبارة والتصفيق الساذج غير الحقيقي والمتكلف والتمثيلي. ويمكن فقط للقارئ هنا العودة لمشاهدة خطاب نتنياهو ليحلل فعلا بشكل موضوعي ظاهرة التصفيق الكاذبة التي تنسجم مع كذب المتحدث.

لا نتنياهو في أعماقه يشعر بالنصر ولا بالبطولة، ولا أعضاء الكونجرس كذلك، فالميدان العسكري في غزة هو من قرر من هو البطل ومن هم الجبناء القتلة.

كلهم يعرفون كيف "علّمت المقاومة على جنود الاحتلال، وكلهم يعرفون أن ما نجحت حليفتهم فقط هو قتل المدنيين وتخريب جميع أنواع الممتلكات بما فيها الأشجار والكتب والبيوت.

وكلهم يعرفون أن هذا الحليف غير قادر أصلا لا على حماية نفسه، فكيف سيحمي الولايات المتحدة. كلهم يعرفون أن الاتصالات الأمريكية الآن وغدا، والتي تجري في الخفاء، تجري من جهات أخرى يبدو أنها الأقوى؛ ومثال الأفلام الأمريكية معروف في الانحياز للقويّ.

لذلك كله فإن ال 58 تصفيقا، جميعها مجرد تشجيع للحليف لا أكثر من ذلك، وما يعرفه نتنياهو أن كل التصفيقات لن تحقق له غاياته الشخصية الاستبدادية في الحكم من جهة، ولن تنقذ دولة الاحتلال.

نحن نحميكم!

أية سخرية تلك التي حدثت في الكونجرس الممثل للدولة الكبرى في العالم، وهو الذي يشدد على "أن أعداء إسرائيل هم أيضا أعداء الولايات المتحدة، نحن لا نحمي أنفسنا فقط. نحن نحميكم، أعداؤنا هم أعداؤكم، معركتنا هي معركتكم، وانتصارنا سيكون انتصاركم".

هو عزف سيئ على لحن بوش: من ليس معنا فهو ضدنا. أية أخلاق هذه التي تقرها الدولة الأولى في العالم؛ فهل فعلا أن أعداء الاحتلال هم بالضرورة أعداء الولايات المتحدة؟ أي سذاجة تلك التي يستمع لها نواب الشعب الأمريكي.

طلب سلاح، هذا ما يعرفه الاحتلال منذ تكونت عصاباته الغادرة على أرض فلسطين، حتى الآن وغدا، فدولة احتلال لا تعيش إلا بالمزيد من السلاح لا تعني إلا من "حمل السيف قتل به". تلك حكمة أمثال الشعوب.

دعا نتنياهو الولايات المتحدة إلى تسريع وتيرة دعمها العسكري لإسرائيل للمساعدة في وضع حد للحرب في غزة، بعدما كان قد اتهم واشنطن بتعليق مساعدات. أي وهم هذا الذي كشفته الحرب الجبانة على غزة؟ فهل كانت دولة الاحتلال بدون سلاح؟ هل نقصها السلاح فعلا؟ الجواب أن حامل السلاح ليس بالضرورة فارس، فقط كانت الحرب على المدنيين وأرضهم.

ادعى نتنياهو "أن تسريع المساعدات العسكرية الأميركية يمكن أن يسرع بشكل كبير إنهاء الحرب في غزة، وأن يساعد في منع اندلاع حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط". إنه ادعاء غريب كذبته أسلحة المقاومين البسيطة.

غزة بدون سلاح، أية مفارقة هذه التي نعيشها؟!

يريد الاحتلال المزيد من السلاح في الوقت الذي يسعى لوجود غزة بدون سلاح، فلمن إذن تعبئ دولة الاحتلال مخازنها؟

يدعي نتنياهو أن "غزة منزوعة السلاح وخالية من المتطرفين يمكن أيضا أن تفضي إلى مستقبل من الأمن والازدهار والسلام. تلك هي رؤيتي حيال غزة".

تلك هي كذبته المفضوحة، وهو الذي ينحر غزة من الوريد الى الوريد.

يعود نتنياهو من الولايات المتحدة "وهو نافخ ريشه" كطاووس، لكنه لا يرى عري رجليه القبيحتين، تلك الطاووسية لن تجلب أمنا ولا سلاما.

تعب المصفقين من التصفيق، وبان تكلفهم، بل بأن تثاقلهم حين القيام للتصفيق، منتظرين بشغف انتهاء الخطاب، وهم تحت تأثير الخوف من اللوبي المؤيد لليهود، في الوقت الذي تظاهر يهود الولايات المتحدة ضد جرائم الحرب.

يقول كل ما يقوله مطالبا بإشاعة ثقافة عدم كراهة اليهود، فعن أي يهود يتحدث نتنياهو؟ عن أي أزمنة وأمكنة؟ هل هناك من قرأ تاريخ اليهود في أوروبا والولايات المتحدة؟ وهل هناك من قرأ تاريخ اليهود في داخل المجتمع العربي والإسلامي؟

"أنا لا أكره الناس

ولا أسطو على أحد

ولكني إذا ما جعت

آكل لحم مغتصبي

حذارِ.. حذارِ.. من جوعي

ومن غضبي"

هكذا حسم شاعرنا الكبير محمود درويش هذه المسألة، فشعب فلسطين العريق والإنساني شعب يعي الفرق بين الاحتلال والأديان مهما كانت.

وهكذا ارتاح أعضاء الكونجرس خصوصا من غزا الشيب مفارقهم، وصفقوا للمرة الأخيرة، مودعين نتنياهو بعد بذل ما بوسعه لحماية الولايات المتحدة!

لا بارك الله الحلف العدائي بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، ولن يبارك الشعب الأمريكي هذا التحالف الذي يتم فيه ذبح فلسطين باسمه.

و..نيرون مات ولم تمت روما

تلك قصيدة محمود درويش "عن إنسان":

وضعوا على فمه السلاسلْ رابطوا يديه بصخرة الموتى

وقالوا: أنت قاتلْ !

أخذوا طعامَهُ والملابسَ والبيارقْ ورموه في زنزانة الموتى ,

وقالوا: أنت سارقْ !

طردوه من كل المرافئْ أخذوا حبيبته الصغيرة

ثم قالوا : أنتا لاجئْ!

يا دامي العينين والكفين ! إن الليل زائلْ

لا غرفةُ التوقيف باقيةٌ ولا زَرَدُ السلاسلْ!

نيرون مات ولم تمت روما...

بعينيها تقاتلْ!

وحبوبُ سنبلةٍ تموت

ستملأُ الوادي سنابلْ..!"

لم تمت غزة كما لم تمت فلسطين، ولا نتنياهو بخالد، ولا بايدن ولا ترامب. ستعيش الشعوب يوما بسلام واحترام، أما القتلة، فلن يذكرهم التاريخ إلا من باب تجنب الآثام والجرائم.