• 6 آذار 2025
  • أقلام مقدسية


بقلم : د. علي قليبو 

 

ومع حلول شهر رمضان  يسود القدس إحساس روحاني يغمر جوامعها ومنازلها وأزقتها السكنية، فيواظب  المقدسيون على الذهاب إلى الحرم الشريف والجلوس معظم ساعات النهار في أروقته  في ظل أشجار الصنوبر والزيتون المنتشرة في ساحته،  ناسكين متعبدين متأملين، يبغون التقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

فجيعتنا في غزة وطولكرم وجنين وتفاقم وتردي الأوضاع في القدس ومدن وقرى الضفة يرافقها ابتأس وحرقة وشجن وغم شديد هو مزيج لحالة الأسى و القهر والظلم والهوان ، فنبات في  حالة كرب وغم ونصحوا  في غمة  وكدر اندثرت من حياتنا معظم مظاهر البهجة احتفالًا بقدوم رمضان،

رمضان كريم، فالكرم على مختلف المستويات والجوانب هو شيمة رمضان.

قصدت احد المطاعم في شارع سوق خان الزيت كعادتي في شهر رمضان بالاعوام السابقة حيث اتناول وجبة الإفطار بالقرب من الحرم.

" ممكن احجز طاولة للإفطار بعد اذان المغرب؟" 

ظهرت الدهشة على وجه صاحب المطعم و اعتذر بأدب أن المطعم مغلق طيلة شهر رمضان. 

فقلت له انني اعتدت ان اتناول الافطار عنده كل عام .

فرد شارحا أنهم يوزعون الطعام ولا  يبيعونه وأنه إذا كان لا مانع لدي فإنه يستطيع ان يعطيني وجبة إفطار مجانية استطيع ان اتناولها في ساحة الحرم. 

  فرحبت بالفكرة وحملت وصديقي الطعام في كيس بلاستيك جميل المظهر وقبل ان اغادر لحق بي وأعطاني ملعقة بلاستيك وكاس لبن  وزجاجة مياه وأضاف: ستجد ايضا التمر والحلوى مع طبق الطعام."

تابعت مسيري عبر طريق الالام الى صوب الحرم ولكنني تذكرت ان الافطار الرمضاني لا يتم بدون صحن حمص وفلافل، فمررت بمطعم ابو شكري.

 و..عادت ذكرياتي الى ايام زمان.

 اتذكر جدتي ووالدتي كانتا تقضيان طول النهار في طبخ وتحضير وجبة الإفطار من لحوم ومحاشي وما لذ وطاب من طعام ، حيث ان الافطار المقدسي له طقوسا خاصة تبدأ بالتمر ومن ثم" الشوربة"  وتكون طاولة السفرة عامرة بمختلف المقبلات يكون "صحن" الحمص من أهمها وتليه اطباق السمبوسك باللحم والصنوبر  والجبن والبقدونس والكبة والمخللات وطبعا الفتوش والسلطة العربية، وكانت هذه المقبلات من الضروريات تليها المحاشي و اليخاني اما القطايف والنمورة والحلويات الرمضانية عامة  فكانت تتبع لاحقا وليس على السفرة.   

قابلنا أبو شكري احسن لقاء وبحفاوة  واعد لنا صحن الحمص لتناوله في الحرم وبادر فأعطانا كيس نايلون اسود كبير لنضع عليه الطعام  ووضع العديد من الفوط بدون مقابل مادي وودعنا ببشاشة  قائلا "رمضان كريم" 

  "رمضان كريم" تحية يتبادلها المسلمون في شهر الصوم، فيرد عليها بـ"الله أكرم"، هذه العبارات تُشكل أحد آداب السلوك ، عبارتان تتخذان مكانة شبيهة بالمبتدأ والخبر الذي يتمم معناه في علم النحو، فتشير وتميز وتصبغ هذه اللحظات برونق خاص. 

بين صلوات العصر والتراويح والفجر في الحرم الشريف وختم القرآن الكريم بما يتخللها من لحظات تأملية خشوعًا لله عز وجل، تتبلور علاقة الفرد بالخالق، يرافقها وعي فائق بالوجود والآخرة، فتتضافر لحظات التنسك والزهد هذه، لتتمخض عن حالة خشوع وتقوى تطغى بقيمها وأخلاقياتها على مختلف العلاقات بين الفرد والآخرين، فتغيرها وتعيد تشكيلها.

 رمضان في القدس  لا يخرج عن كونه "وعيًا" ذا نوعية مختلفة، وحالة نفسية تختلف وبصورة جذرية عن باقي أشهر السنة، رمضان كريم….

 نعم، ولكن الله أكرم.