• 10 حزيران 2025
  • أقلام مقدسية

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد  

وفق ألف باء السياسة والاستراتيجية فإنّ الحرب هي قرار سياسيّ ويتّخذه القائد السياسيّ فيما ينفذه العسكريّ، والانتصار والهزيمة بالحرب يخضعان أيضاً لقواعد السياسة، فمن استطاع أن يحقق أهدافه أو شيئاً منها يكن هو المنتصر بغضّ النظر عن مَن قتل أكثر ومَن دمّر وأحرق أكثر.

وفي حالتنا الراهنة إذا استثنينا نتنياهو وبعض فريق حكمه فإنّ دولة الاحتلال ومؤسساتها السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والأمنيّة تعرف صعوبة تحقيق أهداف الحرب على غزة، وتدرك فوق ذلك كله أنها ليست بخير، فبرغم القتل والإحراق والتدمير والتهجير الذي لحق بأهل غزة والذي يمكن لدولة الاحتلال مضاعفته، إلا أنّهم يعرفون ويدركون تمام الإدراك أنه يلحق بها أضراراً أكثر على المستوى السياسي والدولي؛ وفي ما يتعلق بالمشروعية وبالرواية التي تمّ تسويق إقامة دولة الاحتلال بموجبها، وهي رواية المظلوميّة والهولوكوست التي انقضى عليها ما يقارب قرناً من الزمان، فيما يرى العالم بأمّ العين هولوكوست جديداً، ولكن اليهوديّ فيه هو المجرم وليس الضحيّة، هذا ما يتعلق بـ(إسرائيل) الدولة التي أصبحت ترى أولاً استحالة تحقيق أهداف الحرب وترى أن استمرارها يمثل أضراراً مركبة على الدولة وقدراتها والمجتمع وتماسكه، إضافة إلى مكانتها الدوليّة وسمعتها التي تضرّرت كثيراً وقد تتضرّر أكثر في حال تمّ العمل على تطوير فهم الهولوكوست الجديد ونشر أخباره من قبلنا.

لكن نتنياهو لا يُبالي بذلك ويرى أنّ الاستمرار بالحرب هو الضرورة وكل ما عداه أمور ثانويّة وأضرار جانبيّة، فاستعادة الأسرى قد يكون أمراً جيداً، ولكن من الممكن التضحية بهم في سبيل هدف تحقيق النصر في الحرب، وهو يزعم أن هذه حرب وجودية وأنّها حرب الاستقلال الثانية وان الانتصار المتوهّم فيها يفوق في أهميته الحفاظ على سمعة (إسرائيل) ومكانتها الدوليّة، حتى التطبيع المعلن مع السعودية والذي سيفتح الباب على مصراعيه للتطبيع العربي والإسلامي ولدول أجنبية مناصرة للحق الفلسطيني قد أصبح أمراً ثانوياً وهو ما رأيناه عند عدم السماح في زيارة وفد وزراء الخارجية رام الله وهو الوفد الذي كان يقوده وزيرا خارجية الرياض وأنقره.

كانت أهداف حكومة الاحتلال من الحرب تنتقل من مرحلة إلى مرحلة فبدأت بالقول إنها تريد ضمان أمن مستوطنات غلاف غزة من خطر المقاومة والصواريخ وتحرير الأسرى الذين احتجزتهم المقاومة صبيحة السابع من تشرين الأول 2023، ثم تطوّر الهدف إلى سحق المقاومة، بحيث لا تقوم لها قائمة، ثم تجاوزت الأهداف غزة وفلسطين للقول بأن الهدف هو إعادة تشكيل الشرق الأوسط من جديد، ومع عودة دونالد ترامب وإطلاق مشاريعه الغريبة أصبح الهدف هو احتلال كامل قطاع غزة وطرد جميع سكانه وتحويله إلى مشروع سياحيّ واستثمارات عقارية.

هل تستطيع حكومة الاحتلال تحقيق أيّ من تلك الأهداف؟ والجواب ممكن التقاطه من ثلاثة أخبار تردّدها الصحافة، الأول هو أن الأميركي لا زال يفاوض في الدوحة قيادة حركة حماس التي لو كانت من الضعف، كما يقول الإسرائيليّ وحلفاؤه المهزومون لما فاوضته الإدارة الأميركيّة. والخبر الثاني أن المقاومة استطاعت إنزال خسائر بالغة في صفوف جنود الاحتلال في الأيام الماضية وتؤكد هذه الأخبار أن المقاومة لا زالت برغم خسائرها في الأفراد والقادة ونفاد كثير من ذخائرها لا زالت تقاوم. والخبر الثالث في لجوء الاحتلال لتشكيل عصابة من الرعاع وأصحاب السوابق الأخلاقيّة وتدريبها ومنحها السلاح والمال لتتصدّى للمقاومة التي عجز جيشها عن التصدّي لها.

تهتزّ حكومة نتنياهو وقد تسقط وتتمّ الدعوة لانتخابات مبكرة في موعد يقارب الذكرى السنوية الثانية للحرب المتواصلة في تشرين الأول المقبل، وفي حال كان ذلك كذلك فليس أمام نتنياهو من فرص إلا أن يأمل بضربة حظ تماثل ربح بطاقة (لوتو) يانصيب، أما ما نراه اليوم فإن الإسرائيلي يتمرّغ في مستنقع غزة ولم يتعلّم من تجاربه مع سعد حداد وأنطوان لحد بأن مَن يخون وطنه غير قادر على تقديم مثل هذه الخدمة للآخرين، في المقابل فإن مَنْ استأجرهم في غزة بدورهم لم يقرأوا نهايات أنطوان لحد ولم يروه في كشك الشاورما في تل أبيب وهو أكثر ما يمكن أن يقدّمه (الإسرائيلي) للخائن.