• 19 حزيران 2025
  • أقلام مقدسية

بقلم : صباح بشير*

الأديب الحقّ، وهو يعتلي صهوة الفكر ويحلّق في فضاءات الكلمة، لا يرتدي سوى حلّة الحرف ووشاح المعنى، وبينما تتراقص حوله هواجس القلق وتتشابك خيوط الترقّب، يبقى النّجاح نصب عينيه، غايته ووجهته، فهو يدرك أنّ بلوغ القمّة في محراب الأدب ليس وليد الصّدفة، بل هو ثمرة جهد دؤوب متّقد، وحرص شديد على كلّ كلمة تصاغ وكلّ فكرة تنسج، إذ ترنو إليه الأنظار من كلّ حدب وصوب، بعضها يحمل في طيّاته نقدا بنّاءً، والبعض الآخر يتوشّح بقناع النّقد الهدّام، سعيا إلى تشويه صورته الوضّاءة في عيون القرّاء، بل إنّ البعض يتجاوز ذلك، متربّصا بشهرة الكاتب، علّه يستفز ردّه؛ فينال من وهج صيته بارقة شهرة عابرة.

يطلق هؤلاء، الّذين ضلّوا سبيل الإنصاف والموضوعيّة، سهاما مسمومة، لا تهدف إلّا إلى النّيل من مكانة المبدع وتقويض أركان إنجازاته، يلفّقون الادّعاءات ويحرّفون المعاني، في محاولة يائسة لطمس نور الحقيقة وتشويه بهاء الإبداع.

بيد أنّ الكاتب الحقّ، صاحب الرّوح الوثّابة والقلب المتوقّد بنار الشّغف، لا يزداد إلّا ثباتا ورسوخا أمام عواصف الزّيف، فابتسامته الواثقة الّتي تزيّن وجهه، هي انعكاس لثقة راسخة بكنوز الإبداع الّتي يمتلكها، ودرع حصين يحمي روحه من وابل السّهام المسمومة، فهو لا يبالي بضجيج المتصيّدين ولا بثرثرة الحاسدين، فكلماته المرصوفة هي شهادات ناطقة على صدق موهبته وعمق رؤيته، وإنجازاته وإصداراته هي بصمات خالدة في جبين الأدب.

إنّ دفء إبداعه يظلّ واحة تستظلّ بها روحه، وملاذا آمنا يحميه من برد التّجنّي وقسوة النّقد، فطوبى لمن أبدع.

الأديب الكبير محمود شقير، أستاذنا الجليل، والأب الروحيّ للأدب الفلسطينيّ، هو منارة سامقة أضاءت دروب أجيال متعاقبة، ارتوت من معين أدبه العذب، ونهلت من معين أخلاقه الفاضلة، واستلهمت من سيرته العطرة أسمى معاني الالتزام والانتماء الخالص.

هو رمز شامخ يتجاوز حدود النّقد ويعلو على كلّ وصف، وسيظلّ محفورا في أعماق وجدان شعبنا إلى الأبد، وما يتعرّض له لا يسيء له وحده، بل يمتدّ أثره ليشمل كلّ قارئ للأدب، وكلّ مهتمّ بالثّقافة، وكلّ محبّ لأدبه.

هذا العبث بالكلمة، والتّطاول على قامة أدبيّة شامخة، هو في حقيقته اعتداء سافر على قدسيّة الحرف.

إنّ هؤلاء الذين يتوسّدون رداء النّقد، ويطلقون سهامه جزافا، إنّما يكشفون عن ضحالة فكرهم ورؤاهم، يحاولون سدّ منابع النّور المتدفّقة من قلم وهبه الله القدرة على أن يحلّق في آفاق الفكر، ويصوغ من الكلمات عوالم تنبض بالحياة، وتلامس شغاف القلوب. وقامة كالأديب شقير، لا تهزّها الرّياح، فهو كالشّجرة الرّاسخة في أرضها، لا تزيدها العواصف إلا تجذّرا وقوّة، وصوت الإبداع يشقّ عنان الصّجيج، معلنا انتصاره على الصّخب وزواله، وليس النّقد الهدّام إلّا زبدا يذهب جفاءً، أمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض، فهو الحرف الصّادق والكلمة الخالدة والإبداع الأصيل.

ستظلّ أعمال الأديب محمود شقير خالدة على مرّ الأزمان، وستبقى كلماته شاهدة على عمق رؤيته وصدقه، تاركة بصمات لا تمحى في جبين الأدب العربيّ.

دمت لنا أيها الأديب الفذّ، ودام عطاؤك الغزير نبراسا وضّاءً لا ينطفئ.

*كاتبة وناقدة معروفة