• 10 أيلول 2025
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : المحامي حسن عبادي

 

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛ 

أصدرت كتاباً بعنوان "زهرات في قلب الجحيم" (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع) وتناولت تجربتي مع الأسيرات حتى أواخر شهر آذار 2024، حين تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.

ونشرت في حينه خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي.

أواكب حرائر الدامون عن كثب بشكل حثيث؛ وأصغي لأوجاعهن، صوت معاناتهن وآلامهن، خيبتهن من النسيان والتهميش والخذلان،  وأدوّن بعضاً من معاناتهن.

مع كلّ نهاية زيارة أتصل بأهالي من التقيت بهنّ، وأوصل الرسائل لباقي الأسيرات، وأطلع أهاليهن على مستجدّات بناتهم ومجريات الأمور وأحاول الامتناع عن نشر التنكيلات العينيّة. أحاول قدر استطاعتي إيصال صوتهن لكلّ بقاع العالم وتحريك هذا الملف الراكد.

عقّب الصديق غازي العنتري: "سلاما لزهورا في عمر الزهور أعطوا وقدموا للوطن أكثر من كل الكراسي مجتمعة".

 وعقّبت تسنيم حلبي (ابنة الأسيرة دلال حلبي وأخت الأسيرة إسلام شولي): بورك المداد وسلم اليراع. حبيبة قلبي يا إسلام... يعلم الله إني ما قدرت ولا رح أقدر أنسى لحظة اعتقالك، اللحظة اللي كانت أصعب لحظة بمر فيها بحياتي... عجزي وقتها وشعوري إني مكبلة. ولادك في عيوننا يختي ربنا يجمعنا فيكِ عن قريب. أستاذ حسن ودي الجمّ وعميق الامتنان والشكر والعرفان لشخصك الكريم… بوركت جهودك ".

وعقّبت الصديقة مريم عنانزة (أحلام الورد) الناشطة في مبادرة "أسرى يكتبون"/ الأردن: "زهرةٌ في الأسر... صغيرةٌ بالعُمر، جبّارةٌ في الصبر، تهدي سلامها وتغزل من الوجع يقينًا بالحرّيّة. هناء... لك المجد والحريّة، ولأمّك سورة المؤمنين وطمأنينة الدعاء".

وعقّبت الأسيرة المحررة مرجانة هريش: "الله يفرجها عليهم ويهونها عليهم بإذن الله، وفعلا الواحد بنسى ملامح ولادو مع أنك بتكون عارف كل تفصيلة فيهم، أنا انسيت ملامح محمد ابني ولا اشي مش قادرة اتذكر الملامح والوجه والتفاصيل، هانت بإذن الله... الله يصبركم حبايبنا، يعطيك العافية أحسن محامي بالدنيا أستاذ عبادي" 

وعقبت ريما إسحق أبو هشهش: "لو نجد من يزور أسرانا مثلك يزورهم كقضية إنسانية يتبناها ويؤمن بها، لا كعمل يتم فيه استغلال أهالي الأسرى بمبالغ طائلة. ربط الله على قلوب أسرانا وأسيراتنا، وجزاك الله خيرا على جهود تبذلها في هذه القضية العادلة".

وعقّبت الأسيرة المحررة أم أمير سلامة: "ربي من عالي سماه يهونها عليهن يا رب. يعطيك العافية أستاذ حسن أنت بمثابة الأب الحنون للأسيرات".

وعقّبت أم عبد الله السيّد: "استاذي الفاضل لك منا كل احترام وتقدير وحق علينا أن نذكرك ونذكر مواقفك النبيلة مع أسرانا وأسيراتنا فأنت من خلال زيارتك يرى الاسرى عائلاتهم ويعيشون أجمل اللحظات وكأنه تم الافراج عنهم.  بوركت وجزاك الله عن الأهالي وعن الاسرى خير الجزاء وخاصة بدون مقابل تبتغى بذلك العمل وجه الله تعالى. ربنا يتقبل منك ويحفظك ويحماك الله".

 

"الغرفة مع كاميرات"

زرت صباح الأربعاء 02.07.2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب، لألتقي بالأسيرة هناء هيثم إسماعيل حماد (مواليد 07.02.2008) من العروب/ الخليل، طالبة الصف الحادي عشر علمي، مدرسة العروب الثانوية للبنات.

هناء في غرفة 1 برفقة القاصر سالي صدقة (الغرفة مع كاميرات يا أستاذ).

بداية طلبت إيصال سلامات سالي وتسنيم عودة،

سلّم على إمي، أنا بخير، قويّة، وسلام من حمّودة، سلّم على إخوتي كلهم، مشتاقة كثير، وصدقي يكون أول واحد بالمستقبلين ع الحاجز، وأمي تفتح المصحف سورة المؤمنين أية 111.

بلّشت تحفظ سور القرآن.

هناء مروّحة، جيبوا معكم مسحّبات وكولا تشات وحلويات، توكلوش لحمة العيد تا أروّح!

قلقة على الشهادة؟

حدّثتني عن مهاراتها بالطبيخ؛ كبسة ومنسف وأوزي وشوارما.

اعتقلت يوم 09.06.2025، "ثلاثة وجه الصبح، قبل الفجر، جنود كثار، ضربوني، هدّدوني بإخوتي وكمان وكمان، أخذوني للمسكوبية 10 أيام، قالوا لي ميخذيني على النقب ومجيدو، ووصلت للدامون.

الفورة كل 3 غرف مع بعض بشمل حمّام، أقل من ساعة. معي انحراف بالعامود الفقري، وبتخدّرالإجرين، قمعوني مع سالي عدة مرات، الحوبش (المسعف) ما بقبل يعطينا دواء رغم أني طلبت من المحكمة.

طلبت إيصال سلامات شيرين وياسمين وكرمل وميرفت وشهد دراوشة بدها سلامات من أهلها).

اليانس قصير وممزّع، فش غير لبسِة واحدة.

إمي: تعيّطيش ولا تزعلي عليّ. ظلّك قويّة.

أكّد عليهم بالنسبة للعيادة.

"بعد 40 يوم من الاعتقال نسيت شكِل حلا"

بعد لقائي بهناء أطلّت الأسيرة إسلام أحمد طلب حلبي شولي (مواليد 08.06.1990)، مهندسة، أم لأحمد وحلا وحور، زوجها إيهاب أسير في سجن مجيدو، وأخوها محمد معتقل، (قلقة على مكان احتجازه) ووالدتها دلال معتقلة في ذات السجن/ الدامون.

بادرت قائلة "حلمت فيك صباح الأربعاء وجيتْ" مما كسر الحاجز بيننا، وسألتها كيف عيّدت عيد ميلادها بالسجن؟ فتنهدت قائلة: "أعياد ميلاد إيهاب وحور وحلا وأحمد وأنا والبابا والماما وخواتي تسنيم وإيمان وأنا بالسجن"، فوعدتها بعيد ميلاد جماعي قريباً في فضاء الحريّة.

طلبت إيصال سلام لوالدها "بلّش التنقيح لتفسير الجلالين ودير بالك ع حالك دايماً يا تاج الراس"، وفواز "ماما بتحكيلك: أتعلَم أننا اشتقنا؟ أتدري ما نُقاسيه؟"، وعمر "حزام الظهر وماما بتحكيلوا: لن تنحني من العزائم"، تسنيم وأيمان "عيوني الثنتين"، وسعد (الله يرضى عليه؛

          فيا من غاب عني وهو روحي              وكيف أطيق من روحي انفكاكا"

ولنور (زوجة أشرف) "تسلمي على العزومة، من أعطى أولادي تمرة نزلت حلاوتها في فمي"، ولأحمد إبراهيم وإياس ياسين "أنتم تاج ع راسي"، والبابا، وأولادها، وإخوتها، وأحفاد والدتها دلال: أحمد، قدس، شام وبرهوم.

إسلام في غرفة 11 برفقة آية خطيب (بدها بدلة غوص شرعيّة)، وشيرين، وشيماء، ولينا المحتسب، وربى دار ناصر.

حدّثتني عن الاعتقال يوم 13.02.2025، "لما اعتقلوني حلا كانت نايمة بعباية أبوها، بتضحك مع خالها عمر" وفجأة سرحت للحظات ودمّعت وأضافت "بعد 40 يوم من الاعتقال نسيت شكل حلا وكان أصعب لحظة بالسجن، وصرت أبوس إيد الماما 7 مرات عن إخوتي". كنت عاملة عملية دوالي عنيفة بالساق اليمين، وقّعوني على "اعتراف" وفكرت أنه للقاء أولادي بالتليفون!!

حدّثتني عمّا سمعته من زميلاتها حول ظروف الاعتقال في بيتاح تكفا "ضربوهن بالكهرباء، شبحوهن وفتّشوهن تفتيش عاري بالكامل ويتضحّكوا"!

حدّثتني عن القمعات والرشق الغاز والضرب والتنكيل، ورغم ذلك "صحتنا ممتازة، ومعنوياتنا عالية، وننتظر الإفراج القريب، لا تقلقوا علينا ولا تنسونا بدعواتكم".

رسالة إسلام باسم حرائر الدامون: 

"دوسي ع الفرش بالقبقاب       هيها الحريّة عالباب

دوسي ع الفرش بكُمّك           بكرا بتكوني بحضن أمّك"

حين افترقنا أوقفتني قائلة: "بالله عليك أستاذ تابع لنا تخرّج سعد وطمّنا".

لكما عزيزتيَّ هناء وإسلام أحلى التحيّات، والحريّة لكما ولجميع أسرى الحريّة. 

حيفا تموز 2025