- 14 أيلول 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : نافذ عسيلة
في أعقاب الغارة الإسرائيلية على الدوحة، لم تكن القدس بعيدة عن تداعيات الحدث، رغم البعد الجغرافي. فقد ظهرت مشاهد جديدة من الغضب والحزن بين سكان المدينة، الذين يرون في هذا الهجوم تطوراً يمس حياتهم بشكل غير مباشر لكنه عميق. لم يعد الحدث مجرد خبر عابر، بل أصبح امتداداً للواقع القاسي الذي يعيشه الفلسطينيون يومياً تحت الاحتلال.
الدوحة تمثل بالنسبة لكثير من الفلسطينيين رمزاً للدعم العربي، وصوتاً مدافعاً عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية. ومن هذا المنطلق، فإن استهدافها ينظر إليه كضرب من الترهيب لا يقتصر على الميدان العسكري، بل يمتد إلى الرسائل السياسية والنفسية المبطنة، ومفادها أن أي حليف للفلسطينيين قد يدفع ثمناً لمواقفه.
هذا النوع من الرسائل يعزز لدى سكان القدس شعوراً مركباً، من جهة يتأكد لهم أن قضيتهم لم تعد محصورة ضمن حدودهم، بل باتت حاضرة في الصراعات الإقليمية، ما يمنحهم قدراً من القوة الرمزية والانتماء إلى أمة أوسع، ومن جهة أخرى، تتصاعد لديهم مشاعر القلق من أن يؤدي هذا التصعيد إلى عزلة أعمق، أو إلى تراجع في مستوى الدعم الذي يعتمدون عليه في ظل ظروفهم القاسية.
تلعب قطر دوراً محورياً في تقديم المساعدات الإنسانية والمالية، خاصة في قطاع غزة، لكنها أيضاً تمول مشاريع تخدم الفلسطينيين في أماكن أخرى، بما في ذلك القدس. أي اضطراب في استقرار قطر قد يؤثر بشكل مباشر على تدفق هذا الدعم، ما يفاقم المعاناة الاقتصادية لسكان القدس الذين يرزحون بالفعل تحت الفقر والتهميش بفعل سياسات الاحتلال.
التأثير لا يقتصر على الجوانب المادية فقط. بل يمتد ليشمل الأثر المعنوي، فالدوحة بالنسبة للكثيرين تمثل امتداداً لهوية عربية وإسلامية ومسيحية تحاول إسرائيل طمسها في القدس منذ عقود. وفي هذا السياق، يصبح استهداف قطر محاولة أخرى، غير مباشرة، للمساس بهذا الانتماء وتعزيز مشاريع التهويد وتفكيك الهوية الجماعية للفلسطينيين.
ورغم كل هذه التحديات، قد يؤدي هذا الحدث إلى نتائج معاكسة لما تسعى إليه إسرائيل. فالهجوم قد يدفع المجتمع المقدسي إلى تعزيز تماسكه الداخلي، وتطوير أدوات مقاومته، سواء كانت ثقافية، رمزية، أو سياسية. كما قد يحفز بحثاً أوسع عن بدائل أكثر استدامة للدعم، من خلال شراكات متنوعة إقليمياً ودولياً، خارج إطار التبعية لدولة أو جهة واحدة.
في النهاية، تعكس هذه التطورات مدى تشابك القضايا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث لا تبقى التداعيات محصورة في نطاق الجغرافيا أو السياسة، بل تمتد إلى التأثيرات النفسية والاجتماعية والمعنوية. وتظهر كيف أن حدثاً يبدو بعيداً في مكانه قد يكون قريباً جداً في أثره، في مدينة مثل القدس التي تقف في قلب المعركة، لا فقط على الأرض، بل أيضاً على الهوية والوعي والكرامة.