- 6 تشرين أول 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : د. حسين الديك
لقد شكل إعلان ترامب عن قبوله رد حماس على خطته لوقف الحرب حالة من الارباك في أوساط الحكومة الاسرائيلية التي لم تتجرأ على اعلان رفضها صراحة لرد حماس ، لأنه كان ردا ذكيا وحكيما ، ولكن رغم إعلان موافقة كل من حماس واسرائيل الا ان الشيطان يكمن في التفاصيل ، إذ أصبح بحكم الأمر الواقع ان المرحلة الاولى من تلك الخطة سوف تنفذ من خلال إعلان وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الانسانية وإطلاق سراح المخطوفين دفعة واحدة ، ولكن الانفجار الحقيقي لهذه الخطة سيكون عند بداية المرحلة الثانية من تلك الخطة.
فقلد ترمب سارع إلى الترحيب بموقف حماس رغبةً منه في تسجيل إنجاز سياسي شخصي يُسوّقه أمام الداخل الأمريكي والخارج الدولي، باعتباره الرجل الذي أوقف حربًا استمرت لعامين من إرث سلفه جو بايدن، وسعى إلى توظيف هذا الموقف للحصول على مكاسب رمزية كجائزة نوبل للسلام، ولتعزيز رؤيته الاستراتيجية في الشرق الأوسط الهادفة إلى إعادة دمج إسرائيل في المنطقة.
ولكن رد حماس جاء ليحرمه من الاستفراد بالقرار ويضعه في موقع المجبَر لا المخيّر، بعدما بات استمرار التهديد العسكري أو التشجيع على الإبادة أمرًا غير مبرَّر حتى أمام حلفاء واشنطن، فقد قدمت حماس ردًا ذكيًا وواقعيًا من منظور نظرية العلاقات الدولية، إذ ركّز على قضيتين أساسيتين: إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وتسليم إدارة قطاع غزة إلى حكومة تكنوقراط، مع ترك مجمل القضايا المتعلقة بمستقبل غزة والحالة الفلسطينية الداخلية للحوار الوطني بين الفصائل، وقضايا السلاح الى المفاوضات والتفاصيل التنفيذية والضمانات التي ستقدم لاحقا.
وبذلك في عملت على تأجيل الازمة وخاصة ما يتعلق بمسالة السلاح ومستقل القطاع و نقلت القرار إلى الساحة الفلسطينية والعربية، وبذلك هي تحاول منع أي تصور لفرض وصاية دولية أو انتداب خارجي على القطاع، ما أسقط عمليًا التعديلات التي كان يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لفرضها.
أن بيانات الترحيب الصادرة عن الدول العربية والإسلامية والأوروبية، ودعم السلطة الفلسطينية الضمني لهذا الموقف، جعلت من رد حماس مرجعية سياسية جديدة في مواجهة الموقف الإسرائيلي، بل تحوّلت هذه الدول إلى سند معنوي للحركة في مفاوضاتها المقبلة، وهذا كله مرتبط بالمرحلة الاولى التي تعتبر حاسمة لكل من واشنطن وتل ابيب وبروكسل.
وامام هذا المشهد اصبحت كل من واشنطن وبروكسل والرياض في حالة تقارب نادرة مقابل موقف نتنياهو المتحفظ، ما وضعه في زاوية حرجة أمام المجتمع الدولي.
ورغم ذلك، فأن الشيطان يكمن في التفاصيل، فتبقى احتمالات تعطّل المفاوضات في أي مرحلة لا تزال قائمة، خاصة بعد تنفيذ المرحلة الأولى المتعلقة بوقف الحرب وإدخال المساعدات وتبادل الأسرى، إذ قد يلجأ نتنياهو إلى استغلال بعض البنود مثل ملف نزع سلاح حماس للتهرب من إكمال الاتفاق، ولكن هذا يعتمد على مدى صلابة الموقف الأمريكي والأوروبي والعربي في ممارسة الضغط على إسرائيل سيحدد مسار الاتفاق لاحقًا.
ان رد حماس الذي جاء مدعوما بموقف عربي قوي مؤيد لخطة ترمب مما يؤسس لمعادلة جديدة لم يعد فيها الأمريكي قادرًا على فرض رؤيته منفردًا، وبات المستقبل السياسي للمنطقة لاسيما اليوم التالي في غزة، رهنًا بالإرادة العربية والتفاهمات الفلسطينية والعربية والدولية ايضا.