• 6 تشرين أول 2025
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : داود كتاب *

 

من الوهلة الأولى، يصعب على أيّ محلل أن يعتقد أن خطّة ترامب، التي جرى إعدادها بمشاركة فعّالة من الطرف الإسرائيلي، خصوصاً من كبار معاوني رئيس الوزراء الإسرائيلي، معارضي الدولة الفلسطينية، يمكن أن تؤدّي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلّة. فالخطّة ترفض صراحةً أيّ دولة للسلطة الفلسطينية، ولا تمنح القيادة الفلسطينية أيَّ دور (حتى غير مباشر) في اختيار اللجنة التكنوقراطية التي ستشرف على الأوضاع في قطاع غزّة بعد انتهاء الحرب وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي. فلماذا إذاً رحّبت القيادة الفلسطينية في رام الله بالخطّة، ونشرت بيانها باللغتَين العربية والإنكليزية، وعبر وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)؟
يفيد مسؤولون في رام الله بأن سبب التفاؤل يعود إلى ما حدث في نيويورك خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد قال مسؤول رفيع المستوى لموقع المونيتور الأميركي، إن "سبتمبر شهر رائع لفلسطين"، مشيراً إلى اعتراف فرنسا والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا بفلسطين. وأضاف: "لو أُعلن عن الاتفاق في واشنطن في وقت أبكر، لكنّا في وضع أسوأ بكثير". وأوضح مسؤول آخر في رام الله أن القيادة الفلسطينية أصبحت تمتلك شركاء في أنحاء العالم، وليس في العالمَين العربي والإسلامي فقط، وأن "هذه الاعترافات عزّزت تحالفاً واسعاً يدعم الدولة الفلسطينية". وبحسب المسؤول، فإن كل خطوة، من الآن فصاعداً، تُتّخذ فلسطينياً بالتنسيق مع هذا التحالف الذي يضمّ دولاً عربية وإسلامية وغربية.
وفي التفاصيل، أوضح المسؤول القيادي أن موظفي القطاع العام في غزّة، الذين يتقاضون رواتبهم من رام الله، من المتوقّع أن يشغلوا الوظائف الإدارية الشاغرة بموجب الترتيبات الجديدة. كما أن الخطّة لا تتضمّن أحكاماً لتشريع قوانين أو سياسات خاصّة بغزّة، وهو ما تعتبره رام الله مؤشّراً قوياً على استمرار تطبيق القانون الفلسطيني هناك.

ويتردد أن دولاً عربية، ومعها تركيا، ممن دعموا بقوة عودة السلطة الفلسطينية إلى غزّة، ستشارك في قوة الاستقرار الدولية المسؤولة عن أمن القطاع خلال الفترة الانتقالية. ويمنح هذا الأمر رام الله الثقة بأنه سيكون لها صوتًا ذا وزن في مستقبل غزّة. ومع ذلك، تواجه السلطة الفلسطينية عقبات خطيرة، فماليّتها تعاني ضغوطاً كبيرةً، وتستمرّ الاتهامات بانعدام الكفاءة والشرعية بسبب تأجيل الانتخابات مراراً وتكراراً خلال عهد الرئيس محمود عبّاس. لكن السلطة، وبحسب المسؤول نفسه، قدّمت تعهّدات بتنفيذ إصلاحات جوهرية وبمواءمة الحوكمة مع التوقّعات الدولية، ومنها إجراء انتخابات خلال سنة بعد تطبيق قرار وقف إطلاق النار في غزّة.
وتوفّر موجة الاعترافات الأخيرة بفلسطين في الأمم المتحدة، التي ارتبط كثيرٌ منها بهذه الالتزامات الإصلاحية، لرام الله حافزاً إضافياً للمضي في الإصلاح من أجل تعزيز الدعم الدولي على نطاق أوسع. وفي ما يتعلّق بالدعوات الأميركية للسلطة الفلسطينية بوقف إجراءاتها الأحادية في المحافل الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، قال المسؤول الفلسطيني إن القيادة لا تخطّط حالياً لرفع قضايا جديدة أمام الهيئات القانونية الدولية.
المطلوب، أكثر من أيّ وقت مضى، حوار وطني صادق وجادّ لإدماج حركة حماس في منظّمة التحرير الفلسطينية، والوصول إلى صيغة تُتخذ فيها القرارات المصيرية المتعلّقة بالحرب والسلم من أوسع مظلّة فلسطينية ممكنة، بما يمنح تلك القرارات شرعيةً ومصداقيةً شعبيةً حقيقيةً. فقد أصبح العالم أكثر استعداداً من أي وقت سابق لدعم قيام دولة فلسطينية مستقلّة، لكن فلسطينياً يتطلّب ذلك عدم التفرّد باتخاذ القرارات الاستراتيجية، وضرورة إشراك الفصائل الفلسطينية، ومختلف فئات الشعب، في رسم شكل الدولة الفلسطينية على أسس منطقية قابلة للتنفيذ.
عكست خطوة إعادة ناصر القدوة إلى موقعه في حركة فتح تطوّراً مهماً، ليس داخلياً فقط، بل دولياً، لما يمتلكه وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق من شبكة علاقات سياسية في عواصم دولية مؤثّرة. لكن المطلوب أكثر بكثير لاستعادة اللحمة الوطنية الصادقة والمؤثّرة. فهل ستنجح (الآن وأخيراً) محاولات إنجاز الوحدة الوطنية؟

*العربي الجديد