- 11 تشرين أول 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : تحسين يقين
سيكون لوقف الحرب معنى إن بدأت خطوات السلام، وهي منظومة معا، فكما ينجح العالم اليوم بوقف المجزرة هناك في غزة، فهو مدعو إلى النجاح في وقف مجزرة الأرض هنا في الضفة الغربية، فأهم شوكة هنا ألا تستمر الخطوات الى النهاية المأمولة: دولة فلسطين المستقلة والقدس عاصمة.
ضمان ذلك هو الاستمرار، وما اجتماع باريس إلا تأكيدا على ذلك، ولكن حتى نكون أكثر جدية، فإن ضمان التوازن الاستراتيجي العربي (الإسرائيلي) عسكريا واقتصاديا وسياسيا، هو من سيضمن الاستمرار. فهل سيفعل العرب أخيرا ذلك؟ لا يمكن أن يكون هنا سلام مستقر يصنعه ضعفاء؛ ففي الوقت الذي نتهيأ فيه للسلام، ينبغي دوما ضمانه بأن نكون مستعدين كأمة لسيناريوهات مفاجئة. إن إعادة بناء الجيوش العربية على أسس علمية حديثة، والاستفادة من التجربة العربية في مصر، هو ما سيضمن تجنب العثرات.
"أليس من الصعب أن يسير الإنسان في الفضاء نحو القمر ولا يسير على الأرض نحو السلام " صفحة 79.
بعد خمس صفحات أقرأ هذا الحوار:
• هل يمكن إزالة هذه الأشواك؟
• ليس الأمر سهلا!
• لكن ممكن"
ويكون المفتاح "السر" من وجهة نظر الكاتب هو القلب.
يتنقل بنا الكاتب من الحياة الاجتماعية بين أسرتين من محافظتي الغربية والشرقية الى أروقة الأمم المتحدة في جنيف، فقد كانت بداية المسرحية مشروع زواج بين دبلوماسي وشابة، لكن ما ان يتم الحديث في الموضوع، حتى تتعقد الأمور بسبب حذر الوالدين، وما يعرفان من معلومات غير دقيقة. ثم لينتقل الشاب (العريس) الى جنيف ليشارك في نقاشات دولية، ما إن تقترب من الحل حتى تتعقد.
يصيح الصحفي الأول بعد سماعه عن الاتفاق "في المنظر الثاني، الفصل الثاني:
- الصحفي الأول: انتصار!
• الثاني: السلام يفوز.
• الثالث: أخيرا سيعمّ السلام الأرض.
• الرابع: إجماع ساحق."
ويخفف أحدهما، ولعله يفسّر سرّ سرعة الاتفاق: "الشعوب تريد ذلك".
لكن نفاجأ بحوث التعقيد، فلم يحصل الاتفاق بانتظار مذكرة من وزيريّ خارجية المعسكرين الكبيرين". وتبدأ الاتهامات "كل من المعسكرين يتهم الآخر بالاستعداد لإثارة الحرب".
وهنا، يفسّر الكاتب على لسان شخصية في المسرحية، لعله يتقمصها "القادة يفكرون ويدبرون، والتفكير عندهم يؤدي الى الحذر واتخاذ التدابير والتدابير تورط في أخطاء، والأخطاء تفسد جو الصفاء.." صفحة 85.
تأمل وإحساس، وتكرار عودتي لمسرحية "أشواك السلام" لتوفيق الحكيم، التي صدرت عام 1957، وها أنذا هذا الصباح أعيد قراءتها. كانت المرة الأولى أثناء الدراسة في مصر 1991، حيث كنت قد اقتنيت تقريبا كتب الحكيم، الذي جذبني من طفولتي بنصوصه، وكذلك فتى شابا، في رواياته ومسرحياته وكتبه الفكرية. لكن أما وقد مصر، إذن لألتقط هذه الفرصة، الى تمددت الكتب في مكتبتي الصغيرة هناك، وهي الآن تحتل رفا كبيرا كاملا.
لم يتغير الكثير في فهمي للمضمون؛ فعلى مدار 34 عاما من القراءة الأولى، فإن الذي يجدّ هو التعمق بالشعور، لذلك فإن الإنسان ليس فكرا بل مشاعر. تعمق لديّ ان السلام منظومة نفسية واجتماعية ودولية. كما تعمق لدي أم المسؤولية تقع علينا جميعا حكاما ومحكومين، وليس كما أوحى الحكيم مركزا على مسؤولية الكبار اجتماعيا ودوليا، لعله قال ما قاله ربما من تأثير الأدوار.
قبل الحديث، فإننا في هذه الصراع بحاجة لقراءة تاريخنا هنا، ولا يكفي ان نقرا ما كتبناه نحن، قديما وحديثا، بل ما كتبه الآخرون ومنهم الأعداء الذين دخلوا معنا في صراع لم ينته بعد، ما اتفقنا وما اختلفنا، ثم ليبحث الناس هنا، كل الناس أشقاء وأعداء، ما كتبه منصفون، حتى ولو كان عددهم قليلا.
وعندما نقول نحن، فإنني كلنا، بما اختلفنا في الجماعة الواحدة والجماعتين، خلال الاشتباك مع الاحتلال، وضرورة مهمة أن نعرف لم وصلنا الى هنا، عربا وعالما. وخلال ذلك، ربما نتفهم أحداث التاريخ، وموازين القوى، خاصة أن ما بعد مرحلة الاستقلال، لم تكن كذلك سوى في بعض الاستثناءات، وإن لم تكن مطلقة تماما، فوجدنا أنفسنا وقد تم اختراقنا وتخويفنا، ونهبنا أيضا، فلم يتحقق الاستلال ولا ما يحزنون، وبدلا من تقوية الذات العربية، قضينا الوقت وما زلنا ونحن نتنازع على الوهم، وصولا لتعميق ما قالته أم أبو عبد الله الصغير آخر حكام غرناطة: "حسد الذليل على الهوان الصاغر". فهم المكتوب وفهم ما عشناه ضرورة لتأمل صريح، لعله يقودا أشقاء وأصدقاء وأعداء الى فتح الصفحة الأولى نحو حل الصراعات.
لنتحمل مرة المسؤولية، حتى نهدي العدو مبررات قتلنا، لنكن على قدر المسؤولية فلا نستمر بالاتهام والتخوين واللف والدوران الذي لا يفيد، حتى نمنح ما هو ممكن عربيا اليوم، بقيادة الشقيقة مصر مدعومة ومسنودة من الدول الشقيقة المؤثرة، بالقيادة العقلانية، مدعومة بقوة الجيش والثقافة والعراقة والصدق في التوجه نحو سلام دائم.
مصر تحتاج نفسها أولا، وحدة وطنية مصرية، بقوة الشعب الواعي، وانضمام الكل المصريّ نحو الطريق الحقيقيّ، ولعل تجوال لأيام في أي مكان بمصر الآن يرينا بموضوعية ماذا تفعل مصر لنفسها. لذلك محرّم العبث في النسيج المصري من قبل أي أحد: مواطنا أو شقيقا أو صديقا أو حتى عدوا، والسبب أن هذه البلد يمكنها أن تحقق أمرين معا السلام في المنطقة وتطوير اقتصادها، والذي تخطو فيه خطوات. السلام مصلحة الجميع، بالإمكان تحقيق عقد دولي تتحقق فيه مصالح الشعوب.
وحتى تنجح مصر، والعرب معا، لا بد من تقوية الثقة، فلا يمكن أن يكون نجاح ما دما الى الأجنبي أقرب من الشقيق، وحفاظ على الثروات، ومعروف طمع الأجنبي بها، فإنه يمكن بطرق سياسية قطع الطريق على المستعمرين، قد يبدو صعبا لكنه ممكنا.
لا يمكن عمل اختراق في السلام هنا وضمان استمراره، إلا بضمان توازن عسكريّ واقتصادي، يسانده تقوية استعادة روابطنا بما يحتاج المستقبل من عمل وحدوي تعليمي وثقافي وتكنولوجي.
هناك ثقة في مصر من قبل العدو والصديق، رغم عدم المحبة، فليس الحب هو الشرط بقدر الوعي، وهنا لعلي أختم بما أراه:
• في ظل الإجماع العالمي شعبيا وسياسيا، فإن العودة الى الوراء محرمة منا جميعا.
• باتت الفرصة أولا أمام دولة غير قلقة وخائفة، بعد أن خاضت جرائم حرب، لم تكن نتيجتها هزيمة فلسطين. ولعل الخطوة الأولى تبدأ بالتغيير الفكري، وهي إن فعلت تخلص، وطريق ذلك آنيا استقالة المتورطين في المشهد الدموي، أو إقصاؤهم، فلا يمكن استئناف طريق التسوية مع قادة أيدهم ملطخة بالدم.
• ان ترتقي السياسة الغربية والأمريكية للبدء في فتح صفحة جديدة مع العالم ونحن منه، فيصبح التعاون بديلا للتخويف، فالأمان الحقيقيّ والاستقلال الذي يضمن الكرامة، هو ما يحقق مصالح الشعوب.
• عربيا وفلسطينيا، معروف ما صار لازما لنفعله، فلسنا بحاجة للتذكير بما أصبح واجبنا جميعا، أما لا يسره ذلك، فليعتزلنا.
• احترام الكرامة لا الأمر ولا التخويف ولا الغدر، هو من سيضمن الاستمرار بالطريق. وليكن العالم شاهدا.
• لعل ما هو استراتيجيّ اليوم هو استغلالنا جميعا موقع مصر العالمي، الذي تستطيع إنجازه، وهي الآن في موقف تاريخي قومي ودولي تجعلها الأكثر نضجا وتفهما من أجل