• 27 تشرين أول 2025
  • أقلام مقدسية

بقلم : كريستين حنا نصر

    بمناسبة افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الأردني العشرين ، بشقيه الأعيان والنواب ، القى جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله خطابه السامي ، والذي جاء  بمضامين  وأولويات وطنية داخلية وسياسية غاية في الاهمية ، بما في  ذلك اهتمام الدولة في  أبرز القضايا الدولية الراهنة .

  إن إلقاء الخطابات السامية لملوك بني هاشم هو تقليد دستوري منذ عهد تأسيس امارة شرق الاردن ، حيث كان أول خطاب للمغفور له الملك عبد الله الأول عام 1929، ولاحقاً كان أول خطاب عرش سامي في عهد المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946 م ، بينما في عام 1999م  حين استلم جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله سلطاته الدستورية فقد ألقى جلالته خطابه السامي الأول .

    لقد شاهدت واستمعت بحرص إلى خطاب العرش السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني أمس والذي يأتي في ظروف خاصة في المرحلة العصيبة التي تمر بها منطقة الشرق العربي ، بما في ذلك الحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية  ، إلى جانب التطورات الأخيرة المتسارعة بعد إسقاط نظام الأسد البائد وما أعقبه من تطورات أخرى في المشهد السوري ، أثناء تولي الحكم الانتقالي فيها ، كذلك ما يتصل بحال لبنان الشقيق وما يعيشه من التطورات الراهنة بما في ذلك مسألة حصر السلاح في يد الدولة والجيش وما تعلق بها من تبعات ، اضافة الى العراق الشقيق والحال فيه التطورات الأخيرة هناك  بما في ذلك الاصرار الامريكي على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بضبط وتقليص قوى الميليشيات العراقية المدعومة من إيران ، وبالطبع نحن في الاردن نستشعر كل هذه التغييرات المتلاحقة و نعيش  تبعاتها .

   حيث أشار جلالته أمس الى صلابة الاردن عبر تاريخه وفي خضم جميع ما شهده من التطورات السياسية التي مرت بها المملكة الاردنية الهاشمية منذ انشائها مروراً بالمئوية وحتى اليوم ، ونجاح الاردن الغالي المميز  في تخطي الأزمات المختلفة التي مرت بها .  قائلاً  :" أقف أمامكم كما هو عهدنا ، كل عام في ذات المكان الذي شهد بداية العهد لخدمة هذا الوطن. هذا الوطن الذي كان قدره أن يولد في قلب الأزمات ، والتي لم تكن يوما استثناء في مسيرته ، بل كانت رفيقته منذ البدايات ، فكان لزاما أن يشق دربه بالإرادة ، فأثبتت أجياله في كل منعطف وقوفها في وجه المصاعب. فنما الأردن رغما عنها ، واشتد عوده ، وتجاوزها واحدة تلو الأخرى ، بفضل إيمان الأردنيين والأردنيات الصادق بربهم ، ووطنهم ، ووحدتهم . وهذا دليل تفرّدنا نحن الأردنيين، حملة العزيمة "  ، وهذا الخطاب الملكي الهاشمي العميق الدلالات والمعاني ، وبالأخص في هذه الحقبة من تاريخ حكم بني هاشم ، فقد بين و وضح  لنا جلالته أهمية التماسك والثقة المطلقة بين القيادة والشعب الأردني الوفي والوطني ، وقد استخدم جلالته عبارة ( شعبي القريب مني ، سند الاردن وذخره ) ، حيث يعطي الشعب الاردني الاهمية الاولى لقوة هذا الوطن .

سأل جلالته في الخطاب سؤال بالغ الاهمية :

" يتساءل بعضكم كيف يشعر الملك؟ أيقلق الملك ؟ 

 هذا السؤال الملكي أثار الكثير من المضامين والمشاعر في نفوس أبناء الشعب الاردني ،  فلقد اكد جلالته أنه يتحمل عبء الحكم ومسؤولية كبيرة يحملها على عاتقه كملك للمملكة الاردنية الهاشمية ، فهو يقلق لكن أكد في الوقت نفسه في النهاية أنه لا يخاف الا من الله الذي يتكل عليه ، ويعني بذلك انه يقلق على الاردن ، وهنا يعطي جلالته أيضاً أهمية للقوة الالهية التي تحمي المملكة ، كلام عميق وأعتقد أنه عندما يخاف ويتكل الحاكم على الله، فإن الله تعالى يعطيه ويمنحه الحكمة في حكم وادارة بلده ، ويحميه وبلاده من الشرور والتحديات ، كلام في مجمله مؤثر جداً من الملك يوصل لنا جميعاً رسالة مفادها بأنه انسان مثلنا يحكم الاردن بكل تواضع ومخافة  الله ، وهذا التواضع الهاشمي كان واضحاً لي عندما قال جلالته :

 " فهذه الأرض المباركة ولادة الأحرار، والشباب الأردني، وأولهم الحسين، ابني وابنكم، جند لهذا الوطن "

 وهنا نجد ان جلالته لم يقل الامير الحسين بل قال ( الحسين ابني وابنكم ) ، وهذا تأكيد  للاردنيين بأن الحسين ابنهم أيضاً ، ويلغي بكلامه اي وجود لفوارق طبقية بين الملك وابنه والشعب الاردني ، الذي يوصيه بابنه الحسين ،  ويمكن اعتبار ذلك اشارة واضحة الى الاهتمام الملكي الهاشمي الدائم  بالشباب وبالأخص من قبل ولي العهد .

  وهذا الحديث الملكي الهاشمي يعني لي أن جلالته يوصي حفظه الله  الشعب على ابنه الحسين  بعد عمر طويل مبارك لجلالته رعاه الله عندما يتسلم سموه الحكم الهاشمي ، هي وصية الأب أي الملك للشعب الاردني الذي يحب أن يحافظوا على الحسين مثل أولادهم ، ويؤكد أن العائلة الهاشمية والشعب الاردني عائلة واحدة موحدة لحماية هذا الوطن ، كذلك هم موحدين مع الجيش الأردني والاجهزة الامنية التي شكرها شكرا خاصا على تضحياتهم وحمايتهم هذا الوطن ودفاعهم عنه  قائلاً  :

"  سليل أبطال كانوا وما زالوا حماة للأرض وسياجا للوطن ، ومهما تعاظمت الأحداث واشتدت ، أقولها قولا واحدا : هنا ، رجال مصنع الحسين، درعا مهيبا"  وأيضا أشاد جلالته بالشعب الاردني قائلاً  :

"  الأردني حامي الحمى الذي فتح بابه فانتصر للضعيف ، ولبَّى نداء المستغيث".

 وهنا يوضح للعالم كيف احتضن الاردن وشعبه اللاجئين على مدى عقود بين احضان الأردنيين وعلى أرضهم :" الأردني الذي تعلم فعلم، الذي زرع فأطعم ، الذي تميز فرفع رؤوسنا بين الشعوب ".

وبالنسبة للإصلاحات السياسية والاقتصادية والادارية التي رسم طريقها ووضع استراتيجيتها لنا جلالة الملك عبد الله الثاني ، فقد صرح أن الاردن قد قطع شوطاً ليس بالقليل في تنفيذ وتطبيق هذه الإصلاحات ، ولكن ما زال الطريق طويل أمامنا ، وحمل جلالته المسؤولية لهذا المجلس ليعمل بجهد وبشكل منقطع النظير لمتابعة ما تمّ إنجازه في مسار التحديث ، وأيضاً للعمل على تعزيز وتمكين العمل الحزبي النيابي المكرس لخدمة الشعب والوطن ، ولتحقيق النمو واقامة المشاريع الكبرى التنموية والسعي الدؤوب لجذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل ورفع  مستوى المعيشة للمواطنين ، مؤكداً جلالته على ضرورة الاستمرار في التطوير في مجالات التعليم ليكون أكثر مواكبة لمتطلبات العصر ، وبالتزامن معه يجب أيضاً كما يؤكد جلالته الالتفات لمسألة تطوير نظامنا الصحي وتحديث منظومة النقل ليكون أكثر كفاءة في سبيل دعم التنمية وتحسين نوعية الحياة.

   وفي ختام خطاب جلالة الملك ، تطرق إلى الحرب في غزة و واقع أهلها الصامدين ، مؤكدا جلالته  أن الاردن سيبقى بجانبهم بكل الإمكانيات .